المعارضة السورية تعمل على تحديد مستقبل البلاد |
يتم العمل في سوريا على بناء شبكة على أمل أن تصبح يوما ما القاعدة الشعبية للحركة الإسلامية، وذلك عبر التأثير على أفكار الطلاب والمواطنين، ويرى مراقبون أن الانقسامات والصراعات الداخلية تعمل على إضعاف نفوذ جماعة الاخوان المسلمين في سوريا.
لندن: يمضي عماد الدين الرشيد، النائب السابق لعميد كلية الشريعة في جامعة دمشق، 8 ساعات يوميا في إجراء اتصالات بالداخل من مكتب متواضع في اسطنبول، غالبيتها لاقناع طلابه السابقين في كلية الشريعة بالانضمام الى الحركة الوطنية السورية التي شُكلت حديثا بمساهمة منه. ويعمل الرشيد بصبر على بناء شبكة يأمل في ان تصبح ذات يوم القاعدة الشعبية للحركة الاسلامية.
وفي حين ان فصائل المعارضة تركز على انهاء نظام الرئيس بشار الأسد فإنها تتهيأ ايضا لمواجهة السؤال الأبعد مدى، متمثلا في quot;من سيحكم سوريا بعد الأسد؟quot; وهي تعرف انها تحتاج الى قاعدة جماهيرية في الداخل بعدما رأت ما حدث في بلدان عربية مثل تونس ومصر.
وقال الرشيد (47 عاما) لصحيفة نيويورك تايمز quot;ان الشعب السوري لا يريد ان يسمع سياسة الآن بل يريد التركيز على إسقاط النظامquot;.
وتتسابق طائفة واسعة من المنظمات السياسية في الخارج على تعزيز مواقعها متوقعة انبثاق نظام ديمقراطي جديد في سوريا بعد عقود من الدكتاتورية ونظام الحزب الواحد منذ انقلاب حزب البعث عام 1963.
وتسبب هذا التسابق بإبعاد الكثير من السوريين في الداخل، الذين يشكون من أن الفصائل المنضوية في المجلس الوطني السوري لا هم لها سوى خطف المناصب التي يمكن ان توظفها لتوسيع نفوذها في الداخل بدلا من بناء الوحدة المطلوبة لهزم النظام، بحسب نيويورك تايمز، مشيرة الى استمرار هذا التسابق دون ان يُعرف الفصيل الذي سيخرج منه اللاعب الأقوى.
وبوحي من نجاح الاسلاميين في شمال افريقيا، يبني القادة الاسلاميون السوريون آمالا على ان يومهم ايضا آت. وجماعة الاخوان المسلمين السورية هي اللاعب الأقوى ولكن تنظيمين اسلاميين آخرين هما مجموعة العمل الوطني، والحركة الوطنية السورية ينافسانها على النفوذ علما بأن هذه الفصائل كلها تعمل من الخارج، كما تلاحظ صحيفة نيويورك تايمز. ونقلت الصحيفة عن علي صدر الدين البيانوني الذي كان المرشد العام لجماعة الاخوان المسلمين من 1996 الى 2010 quot;ان الجماعة ليس لديها تنظيم ولكن لديها قاعدة جماهيريةquot;.
ويرى مراقبون ان الانقسامات والصراعات الداخلية تعمل على إضعاف نفوذ جماعة الاخوان المسلمين مشيرين الى الصراع القديم بين فرعها في حلب وفرعها الأكثر تشددا في حماة. وعمل المنفى على توسيع هذه الخلافات لأن العديد من اخوان حلب لجأوا الى الغرب فيما انتقل الحمويون الى بلدان الخليج.
ولكن هذه الخلافات لم تمنع الجماعة من العمل على بناء شكبة متماسكة. وقال البيانوني إن الجماعة ترسل ما بين مليون ومليوني دولار شهريا الى سوريا لتمويل احتياجات انسانية.
وأكد ابو أنس، وهو امام مسجد في قرية صغيرة بين حماة وحمص، ان قياديين في جماعة الاخوان المسلمين يتصلون من الخارج طالبين منه احياء الشبكة التي كان والده يقودها في السابق. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن ابو أنس ان جماعة الاخوان المسلمين، تريد منه ان يعيد بناء تنظيمها من خلال جمعية خيرية لمساعدة العائلات الفقيرة والناشطين المسجونين ودفع تكاليف العلاج. وأضاف أبو أنس ان جماعة الاخوان المسلمين أنفقت في تقديره ملايين الدولارات العام الماضي في منطقته وحدها. وقال quot;إذا تمكنا من تقديم خدمات وسياسات جيدة لكل السوريين فانهم سينتخبونناquot;.
وتتفق التنظيمات الاسلامية على ان هذا ليس الوقت المناسب لاثارة قضايا خلافية مثل منع الكحول أو الحجاب، معترفين بأن المماحكات الداخلية لا تخدم إلا نظام الأسد. وكلما طال الصراع، واكتسب طابعا مسلحا زادت فرص صعود الجهاديين في أن يصبحوا وجه المقاومة وقوتها، كما تقر هذه التنظيمات.
وقال عبيدة نحاس العضو المؤسس في المجلس الوطني السوري، ومجموعة العمل الوطني إن لدى المعارضة خطة لتفادي حدوث ذلك بالاعتماد على التظاهرات والدفاع عن النفس والانشقاقات في صفوف النظام والعمل الدبلوماسي. ولكن اتجاه السياسة السورية يبقى غامضا مثله مثل فرص نجاح المعارضة في إسقاط النظام.
ويقول نحاس وحلفاؤه إنهم محافظون دينيا وهم اقرب الى حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، الذي يعتبرونه مصدر إلهام وليس نموذجا. وقال نحاس في حديث لصحيفة نيويورك تايمز، إن عصر الايديولوجيا مات، وان الجيل الذي فجر الربيع العربي يريد دولة محدودة لا ايديولوجية تعامل جميع مواطنيها على قدم المساواة.
ولم يكن كلام نحاس بعيدا عن كلام الرشيد الذي يريد اقامة وطن للمسلمين وليس وطنا إسلاميا في اشارة الى مراعاة التنوع المذهبي والقومي للمجتمع السوري.
من جهة أخرى قال سياسيون علمانيون معارضون ان كثيرا من السوريين يحمِّلون جماعة الاخوان المسلمين والنظام على السواء مسؤولية العنف الذي شهدته سوريا منذ عام 1979 بعد المجزرة التي ارتكبها جناح من الاخوان المسلمين بحق مجموعة من طلاب مدرسة المدفعية العلويين. وأسفر الحادث عن تركة من انعدام الثقة والمرارة ما زالت سوريا مثقلة بأعبائها حتى اليوم، بحسب هؤلاء السياسيين.
ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن الدكتور كمال اللبواني الذي أُفرج عنه في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي بعد نحو عشر سنوات في سجون النظام quot;ان جماعة الاخوان المسلمين تستأثر بكل شيءquot;. واستقال اللبواني من المؤتمر الوطني السوري واصفا إيّاه بالاداة لوصول الاسلاميين الى الحكم. وقال quot;ان للمجلس الوطني السوري قشرة ليبرالية تغطي لبه التوتاليتاري اللاديمقراطيquot;.
ويبدي ليبراليون آخرون ما زالوا اعضاء في المجلس الوطني السوري قلقهم متهمين الاسلاميين بإخفاء نياتهم وتقاسم الأدوار، بحيث يخاطب كل جناح دائرة مغايرة متربصين في هذه الأثناء للانقضاض على السلطة. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن عضو المكتب التنفيذي للمجلس الوطني السوري، سمير نشار quot;ان الاسلاميين بدوا في غالبية الثورات العربية وكأنهم راضون بالبقاء في الصف الثاني ولكن بعد انتهاء الثورة اصبحوا قادتهاquot;.
ويؤكد مؤيدو الاخوان المسلمين ان تنوع المجتمع السوري بأقلياته الكبيرة من العلويين والمسيحيين والدروز، سيحبط أي محاولة لفرض الشريعة الاسلامية. وهم يذهبون ايضا الى ان الديمقراطية هي شكل الحكم الطبيعي لأن سوريا ارتبطت منذ زمن طويل بالمدرسة الصوفية القائلة بعلاقة فردية متسامية بين المؤمن والله. وحذر خبراء من الخلط بين الصوفية والليبرالية.
واعترف قياديون في جماعة الاخوان المسلمين السورية أن سيطرة الاسلاميين في مصر بعد الثورة أضرت بمصداقيتهم بين الأقليات السورية، وبعض الدول التي تدعمهم وخاصة الولايات المتحدة.
وقال ملحم الدروبي عضو المجلس الوطني السوري وقيادة جماعة الأخوان المسلمين انه يتمنى لو ان الاسلاميين المصريين quot;اتخذوا موقفا أكثر شمولاquot;.
وقال قياديون في الاخوان المسلمين انهم تحدثوا مع مسؤولين في ادارة اوباما العام الماضي ولكن واشنطن ما زالت تنظر بحذر إزاء مَنْ سيخرج منتصرا في سوريا، بمن في ذلك جهاديون متطرفون. ولكن محللين يرون ان الخوف من سيطرة شبكة جهادية حسنة التنظيم خوف مبالغ فيه، حتى الآن على الأقل. وقال الخبير في الجماعات الاسلامية المتطرفة في مؤسسة اميركا الجديدة في واشنطن براين فيشمان quot;ان هناك قدرا كبيرا من الدخان الخطابي ولكن من الصعب تحديد حجم قوة الجهاديينquot;.
ويرى خبراء آخرون ايضا ان واشنطن تفرط بورقة الاخوان المسلمين السوريين. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن شادي حميد من مركز بروكنز الدوحة انه حتى التحليل العابر ينبغي ان يقود المسؤولين في واشنطن الى أن يدركوا ان جماعة الاخوان المسلمين السورية هي الأقرب الى اهدافهم، في المنطقة لافتا الى انها quot;تناصب ايران وحزب الله اقصى عداء يمكن توقعه من حركة اسلاميةquot;.
وفي نهاية المطاف، سيكون الصراع على سوريا صراعا على هويتها، ما إذا كان المجتمع السوري مدنيا أو علمانيا بطبيعته، وكيف يمكن تمثيل مكوناته في ظل الحكم الذي سيحل محل حزب البعث اياً يكن هذا الحكم. ويتساءل البعض إن كان تنوع سوريا سيمزقها أو ان دولة تعددية ديمقراطية تحترم حقوق المساواة ستنبثق من تشابك طوائفها وجماعاتها الاثنية المختلفة.
وقال المحلل التركي المختص بالشؤون العربية جنكيز جاندار إنه من الجائز ان يصبح الاخوان المسلمون السوريون في موقع الصدارة ولكن من المبكر استقراء أي شيء مهم من ذلك quot;فهم في فترة حضانة ومَنْ يعرف مَنْ سيكون موجودا في النهاية؟quot;
التعليقات