العراقيون يجعلون من الجدران لوحات اعلانية

اتخذ العراقيون من واجهات المباني في مختلف المدن، منابر للتعبير عن آرائهم السياسية والرياضية وحتى الاجتماعية، حيث تحولت الجدران الى لوحات مكتظة بالرسوم والألوان. فيما يدعو البعض الدولة الى تقديم المساعدة في منع هذه الظاهرة والتغلب عليها.


بغداد: يلجأ ناشطون عراقيون ومواطنون عاديون اكثر فأكثر الى الرسم على الجدران كطريقة لإيصال صوتهم الى الرأي الآخر باعتباره وسيلة سريعة لنشر الأفكار والإرادات حيث لا يمكن حتى للشخص العابر تجنب رؤية الشعار وقراءته حين يقع بصره عليه .
ولم يجد محمد البيرماني سوى الحيطان لإعلان انتقام عشيرته من شخص متهم بالقتل اختفى عن الانظار فكتب على الجدران في أنحاء متفرقة من مدينة الصدر في بغداد، عبارة ( .. مطلوب عشائريًا).

ويعاني سليم الجزائري، وهو مدير مدرسة في بابل (100 كم جنوب بغداد) من كثرة العبارات الخادشة للحياء في المرافق الصحية التي أصبحت جدرانها تمتلئ بعبارات القذف والشتم ومصطلحات الفجور التي يتقاذفها الطلاب في ما بينهم .
وفيالوقت ذاتهفقد اصبحت اسيجة المدرسة ساحة للسجالات السياسية بين الخصوم والأتباع لهذا الحزب أو ذاك.
وغالبًا ما تقود هذه العبارات الى مشاكل بين الطلبة تصل في بعض الأحيان الى الاشتباك بالأيدي أو تنتهي الى مراكز الشرطة اذا ما تطورت بشكل يستدعي تدخل السلطات.

ويرجع مدرس الاجتماع كميل حاتم هذه الظاهرة الى الكبت والرغبة في التعبير بطرق غير سوية بغية التشهير والانتقام، فعلى الرغم من أن العراقيين يتمتعون بحرية نسبية في التعبير وإسماع الرأي الا أن كثيرين لا يحبذون اشهار اعتراضهم أو انتقادهم لشخص أو حالة معينة الا بصورة سرية .
وفي الكثير من المناطق الشعبية تلفت انتباهك الكلمات ذات المعاني المختلفة، اضافة الى الرسوم التي تشير الى جدال اجتماعي واسع حول الكثير من القضايا وأحداث الساعة .
وبعد العام 2003 كانت جدران البيوت والمدارس والاماكن العامة ساحة لمشادات طائفية تتعرض الى المقدسات والشخصيات لجماعة أو طائفة معينة. وكل ذلك كان جزءًا من حرب اعلامية صاحبها الشد الطائفي في العراق .

ويتذكر ليث الجبوري أن واجهات البنايات في منطقة الدورة في بغداد تحولت لاسيما في الاعوام من 2004 الى 2007، الى ساحة مواجهة اعلامية بين الاطراف المتخاصمة.
ويمكنك معرفة الطائفة المهيمنة على منطقة معينة من الشعارات المخطوطة على الجدران .
ومن أشكال الجدال السياسي على الواجهات العامة، رفع الشعارات التي تمجد الشخصيات السياسية والمراجع الدينية .

ويشير لفتة محمد من كربلاء(108 كم جنوب غربي بغداد) الى أن وقوع بيته على الطريق العام جعل من جدرانه مكانًا مثاليًا للصق الاعلانات وكتابة الشعارات من دون أن يأخذ الفاعلون موافقته .
ويتابع: quot;غالبًا ما أصحو في الصباح فأجد الكثير من الخطوط والإعلاناتquot;. وينتقد لفتة الظاهرة، مؤكدًا أنها سلوك غير متحضر .
ويروي رعد هاشم السجين لمدة ثلاث سنوات بتهمة قتل، أن اغلب جدران السجون تعجّ بأنواع الكتابات والتواريخ والذكريات التي يتسلى بها السجناء، ويفرغون عبرها بعضًا من همومهم وذكرياتهم .

لكن الباحث الاجتماعي رعد المولى لا يرى في الظاهرة سوى سلوك يومي يحدث في كل دول العالم وليس العراق فحسب، فخلال فترة تواجده في المملكة المتحدة كانت المرافق الصحية والجدران وواجهات المتاجر، مكانًا مناسبًا للرسوم والشعارات التي تعبر عن وجهات نظر سياسية واجتماعية واقتصادية.
ويفسر المولى الظاهرة بأنها إحدى طرق التعبير التي يتبعها الاشخاص للتعبير بطريقة مبطنة عن افكارهم من دون أن يعرفهم أحد. ويتابع : أنه نوع من الهروب من مواجهة الحدث باعتماد اساليب (مخفية) تتيح نشر الفكرة من قبل طرف مجهول .

وفي اغلب النظم والبلدان التي تفتقد حرية التعبير، فإن الرسوم والكتابة على الحيطان بصورة سرية هما الطريقة الفضلى لإبداء الرأي ونشر الافكار .
وقبل العام 2003 اتبعت الاحزاب المعارضة هذه الطريقة لإبداء تذمرها وسخطها على النظام، داعية الناس الى الثورة والإطاحة به .
وبعيدًا عن السياسة، تحولت جدران البيوت وواجهات المحلات رغمًا عن اصحابها الى ساحة مجانية للإعلان عن المنتجات والخدمات التجارية والصناعية .

وفي هذا الصدد، يشير رحيم غاوي (بائع متجول) الى أنه يلصق يوميًا المئات من الاعلانات في الطرق العامة على واجهات المحلات وجدران البيوت واعمدة الكهرباء وكلها اعلانات عن منتجات صناعية بغية الاشهار عنها بين الجمهور .
وفي الوقت نفسه تحولت الواجهات الى لوحات اعلانية كبيرة للتعبير عن الاعجاب بهذا النادي الرياضي أو ذلك . ويشير عامر حسن الى واجهة بيته التي تحولت الى منبر اعلاني لنوادٍ رياضية اسبانية وأوروبية ومحلية يتهافت شبان المنطقة على متابعة مبارياتها.
ويلفت حسن النظر الى شعار كبير كُتب بـ(البوية) الحمراء ..يسقط الزوراء )، وهو شعار مناصري النوادي الرياضية الأخرى المنافسة له .

ويتألم حسن لهذا الاسلوب في التشجيع، ذلك أن ازالة الكتابات المخطوطة بالبوية امر ليس سهلاً، داعيًا الجهات المعنية الى مساعدة المواطنين للتخلص من هذه الظاهرة .
عضو المجلس البلدي في بابل مكي حسين يعتقد أن القيام بحملات تنظيف الساحات والشوارع من الشعارات المكتوبة أو الملصوقة لن يقضي على الظاهرة طالما أن هناك من يعمل فيها، والحل الامثل يكمن في توعية الناس وتنبيه الذوق العام ونشر ثقافة سلوكية متحضرة .
وما يلفت النظر بحسب المواطن كاظم الجنابي أن الواجهات تتحول الى شعارات وشعارات مضادة، فما إن يُكتب شعار معين في الليل حتى ينبري طرف آخر بكتابة شعار آخر مضاد له، لتتحول الواجهات الى منابر سياسية وإعلامية مجانية .

كريم الحسني وهو صاحب مولدة كهربائية يدعوك الى واجهة مولدته التي تحولت الى مساحات ملونة من خطوط ورسوم تدل على معانٍ سياسية واقتصادية واجتماعية .
وفي ركن آخر في السوق المحاذي لمركز مدينة بابل تنتشر في الواجهات عند الكراجات والمناطق شبه المهجورة شعارات مثل ( البول للحمير هنا ) أو شعار ( ممنوع الوقوف هنا ) أو دعوة مثل ( الرجاء عدم رمي القمامة في هذا المكان )، وكلها دعوات تحث المواطنين على الكف عن سلوكيات معينة ينزعج منها الناس في تلك المناطق .
وفي بعض المدارس طالت الشعارات حتى جذوع الأشجار حيث يحفر الطلاب على الجذوع افكارهم وعواطفهم وهمومهم .
وفي هذا الصدد يدعو المدرس كامل حسن الى فكرة انشاء جدار حر في كل مدرسة في العراق، لكي يعبر من خلاله الطلاب عن مشاعرهم . ويشير الى أن التجربة ستكون ناجحة بكل تأكيد لأنها تفتح نافذة التعبير، وتقوي نزعة ابداء الرأي بكل شفافية وفي العلن ومن دون خوف أو توجس .
ويتابع حسن : بدلاً من أن تكون دورات المياه ومراحيض المدارس العمومية نافذة للتعبير، فإن الجدار الحر يساهم في القضاء على الكتابات التي تخط في الظلام .

لكن الباحث التربوي سليم الجزائري يرى أنه كلما توطدت حرية التعبير تقلصت مساحات الكتابات العشوائية في المدن والمدارس، لكنه يلفت الى أن كل دول العالم تعاني من هذه الظاهرة حتى في الدول العريقة ديمقراطيًا . ويذكّر الجزائري بأن الكثير من الكتابات شخصية لا ترتبط بحرية التعبير وهي تُخط بدوافع الانتقام والتشهير بالآخر وتشويه سمعته، وهذا واقع لا يمكن تجاوزه في اغلب دول العالم .