بعد ثلاثة عقود من الملاحقات التي استأصلت عمليًا وجود جماعة الإخوان المسلمين في سوريا حققت الجماعة انبعاثًا أصبحت معه الفصيل المهيمن في حركة المعارضة المتشظية التي تقود انتفاضة ضد نظام الرئيس بشار الأسد منذ 14 شهرًا.


تزايد نفوذ الإسلاميين في سوريا يثير مخاوف الأقليات

إعداد عبد الإله مجيد: يشغل أعضاء جماعة الإخوان المسلمين ومؤيدوهم أكبر عدد من مقاعد المجلس الوطني السوري بوصفه جبهة المعارضة الرئيسة. وهم يسيطرون على لجنة الإغاثة في المجلس، التي توزع المساعدات والمال على السوريين المشاركين في الانتفاضة. كما تعمل الجماعة بمفردها على إرسال المال والسلاح إلى الثوار.

ويؤشر انبعاث الإخوان المسلمين إلى عودة استثنائية لتنظيم كاد يُسحق ويُباد بعد انتفاضتهم في أوائل الثمانينات التي أسفرت عن مقتل 25 ألف شخص في مدينة حماه عام 1982 على يد قوات النظام وقتذاك. والذين تمكنوا من الفرار إلى الخارج وحدهم مَن نجوا عمليًا من تلك الحملة العنيفة.

يثير صعود الإخوان مخاوف في بعض الدول المجاورة والمجتمع الدولي الأوسع من مجيء حكم إسلامي بعد سقوط نظام الأسد ينشر في منطقة ملتهبة اتجاهًا بدأت بوادره في مصر وتونس، حيث فاز الإسلاميون بأكبر عدد من مقاعد البرلمان في الانتخابات التي جرت بعد ثورتيهما، كما تلاحظ صحيفة واشنطن بوست.

يقول قادة الإخوان إنهم يمدّون جسور التواصل مع دول الجوار، مثل الأردن والعراق ولبنان، ويفتحون قنوات مع دبلوماسيين أميركيين وأوروبيين ايضًا لطمأنتهم إلى أن الإخوان المسلمين لا يعتزمون السيطرة بمفردهم على النظام الذي سيأتي في سوريا أو إقامة أي شكل من أشكال الحكم الإسلامي.

ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن ملحم الدروبي عضو جماعة الإخوان المسلمين وعضو لجنة الشؤون الخارجية في المجلس الوطني السوري quot;إن هذه المخاوف ليست مشروعة حين يتعلق الأمر بسورياquot;، مؤكدًا أن جماعة الاخوان المسلمين السورية quot;حركة إسلامية معتدلة بالمقارنة مع حركات أخرى في العالمquot;، وهي حركة quot;ذات تفكير منفتحquot;، على حد وصفه. وأضاف الدروبي إنه quot;شخصيًاquot; لايعتقد أن بإمكان الجماعة quot;أن تهيمن على الحياة السياسية في سوريا حتى إذا أرادت ذلكquot;. مؤكدًا أن الجماعة ليست لديها الإرادة ولا الوسائل.

وقال الباحث أندرو تابلر من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى إن الولايات والدول الغربية الأخرى تشعر بقلق أشد بكثير إزاء المؤشرات الأخيرة إلى محاولة جماعات متطرفة فرض وجودها على الانتفاضة. وجاء التفجير المزدوج الذي أوقع 55 قتيلاً في دمشق في الأسبوع الماضي، في ظروف تعيد التذكير بما شهده العراق في أحلك أيامه بعد الاحتلال الأميركي، حاملاً بصمات تنظيم القاعدة ليعزز الشكوك بأن مقاتلي التنظيم بدأوا ينتقلون من العراق إلى سوريا. وفي يوم السبت أعلنت جماعة تطلق على نفسها اسم quot;جبهة النصرquot; مسؤوليتها عن الهجوم على موقع جهادي.
وتحرص جماعة الاخوان المسلمين على النأي بنفسها عن الجهاديين الذين تختلف رؤيتهم بشأن إقامة خلافة إسلامية في العالم عن فلسفة الاخوان.
وإذ بدأت جماعة الاخوان توزّع السلاح داخل سوريا بتبرعات أعضاء أفراد ودول خليجية، بينها قطر والعربية السعودية، فإنها تعمل جاهدة على ضمان عدم وقوع هذه الأسلحة بأيدي المتطرفين، كما تنقل صحيفة واشنطن بوست عن الدروبي.

وقال الدروبي quot;نحن لدينا شبكاتنا على الأرض ونتأكد من أنها لا توزّع السلاح على أولئك الذين لاينخرطون في التيار الرئيس للثورةquot;. كما يؤكد قادة آخرون اعتدال سياسات الجماعة حتى بالمقارنة مع حركة الإخوان الأم في مصر. وقال محمد فاروق طيفور نائب المرشد العام للجماعة ونائب رئيس المجلس الوطني السوري ورئيس لجنة الإغاثة في المجلس وربما يكون بذلك أقوى شخصية في المعارضة، إن الجماعة ستؤيد تدخل حلف الأطلسي لمساعدة المعارضة على إسقاط الأسد، وإنها نشرت وثيقة تحدد معالم رؤيتها للدولة الديمقراطية من دون ذكر للإسلام، وتنص على التزام الجماعة بالحريات الفردية.

وتابع طيفور في حديث لصحيفة واشنطن بوست إن النظام في تونس ومصر لم يجتث الحركة الإسلامية كما فعل في سوريا، مشيرًا إلى قانون صادر عام 1980 يقضي بأن الانتماء إلى جماعة الاخوان المسلمين جريمة عقوبتها الإعدام. وأضاف quot;إنني استنادًا إلى ذلك لا أتوقع نيل الكثير من التأييد بعد سقوط النظامquot;.

ويرى محللون وناشطون أن تاريخ سوريا المديد نسبيًا من العلمانية وأقلياتها الكبيرة تجعل من المستبعد أن تحقق جماعة الأخوان المسلمين شكل الهيمنة التي يبدو أنها حققتها في مصر أو تونس. وتوقع الدروبي أن تفوز الجماعة بنسبة 25 في المئة من الأصوات إذا جرت انتخابات ديمقراطية.

ويذهب خبراء إلى أنه حتى هذه النسبة قد تكون تقديرًا متفائلاً. فإن ثلث السوريين ينتمون إلى أقليات مذهبية أو قومية، بينهم مسيحيون وشيعة وكرد يشتركون في مخاوف واحدة من صعود إسلام سني متزمت.

من مظاهر الخلل في فصائل المعارضة الأخرى أن تتمكن جماعة الاخوان المسلمين من فرض نفسها بوصفها الفصيل الوحيد الذي له امتداد وطني في وقت تتوزّع قيادة الانتفاضة في الداخل على لجان محلية بلا تنسيق بينها، كما يلفت يزيد صايغ من مركز كارنغي للشرق الأوسط في بيروت. وقال صايغ إنه quot;ليس هناك فصيل آخر غير الإخوان لديه تنظيم في عموم البلدquot;.

ويشكل تدفق السلاح والمال إلى المقاتلين واحدًا من أكبر بواعث الخوف بين السوريين العلمانيين، الذين يخشون أن يمنح ذلك لجماعة الاخوان المسلمين تأثيرًا لا يتناسب مع قوتها الحقيقية في تقرير اتجاه الانتفاضة وما يأتي بعد الأسد إذا سقط النظام.

وقال المعارض السوري وأستاذ التاريخ في جامعة شوني الأميركية عمرو العزم، الذي رفض الانضمام إلى المجلس الوطني السوري، لشعوره بأن للإسلاميين نفوذًا مفرطًا في المجلس quot;إن جماعة الاخوان المسلمين حقًا أجادت اللعب. فهي نأت بنفسها عن التطرف، وتحاول كسب الوسط، لكنها تحاول قدر الإمكان التأكد من أن تكون لها حصة في كل كعكة ويد على كل رافعةquot;.

ويذهب العزم وسوريون آخرون إلى أن الغالبية العظمى من الناشطين السوريين على الأرض لا يؤيدون الاخوان المسلمين. ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن عمر الخاني الناشط في اتحاد تنسيقيات الثورة السورية في دمشق quot;نحن لا نريد ما حدث في مصر أو يحدث في سورياquot;. وقال إنه ورفاق له تلقوا تبرعات صغيرة من إخوان مسلمين في الخارج، ولكن هذا المال لم يسهم في أي زيادة ملحوظة في زيادة نفوذ الجماعة في منطقة دمشق.

وأكد عمر الخاني، وهو اسمه الحركي، quot;لن نسمح لأشخاص يعيشون في الخارج بأن يأتوا ويقولوا لنا نحن الذين صنعنا الثورة ما علينا أن نفعلهquot;.
ورغم أن نفوذ الاخوان المسلمين يبدو محدودًا في الداخل فإن ناشطين يقولون إنه نفوذ يتعاظم مع بقاء الوضع دون حسم.

ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن الناشط مصعب الحمدي من لجان التنسيق المحلية في حماه قوله quot;إن لدى الاخوان المسلمين موارد، وهم يتلقون مساعدات من العربية السعودية ودول الخليج، ولهم تاريخ طويل وراءهم، في حين أن مجموعات أخرى مثلنا مجموعات حديثة النشأةquot;.

وأضاف الحمدي أنه quot;من وجهة النظر الدينية فإن غالبية السوريين لا تقبل الإسلام السياسي، ولكن الناس هنا مسلمون، وهم ما زالوا محافظين، ولذا اعتقد أن جماعة الاخوان المسلمين ستصبح أكبر قوة سياسية في سوريا بعد رحيل نظام الأسد، وأنا سأكون أكبر الخاسرينquot;.