لندن: يجد الرئيس السوري بشار الأسد في موقف لا يُحسد عليه بعدما بدأ محللون يشبهون وضعه بمآل الزعيم الليبي السابق معمر القذافي، أي دكتاتور يقع ضحية التغيرات الجيوسياسية الناجمة عن الربيع العربي الذي يعيد تشكيل ميزان القوى في الشرق الأوسط.

ويواجه النظام السوري تغير ميزان القوى المحركة في المنطقة بتلاشي حلفاء سابقين وظهور لاعبين جدد على الساحة، بينهم دولة قطر. وفي هذا السياق يأتي انذار الجامعة العربية التي امهلت النظام السوري حتى يوم الأربعاء للتراجع عن نهجه الحالي وتنفيذ خطتها لحل الأزمة. وبخلافه فان الجامعة العربية ستردف تعليق عضويته بعقوبات اقتصادية.

ولاحظ مراقبون أن الجامعة العربيّة لم تتخذ مثل هذا الموقف الحاسم إلا في مناسبة واحدة حين صوتت لصالح فرض منطقة حظر جوي فوق ليبيا في آذار/ مارس الماضي مساهمة بذلك في سقوط القذافي. ولكن ليبيا كانت شريكاً هامشياً وليس عضواً مؤسساً مثل سوريا التي طالما لعب نظامها على تناقضات المنطقة قبل أن تجرفه التيارات الجيوسياسية التي تمور في المنطقة.

ودعا النظام السوري المترنح يوم الأحد الزعماء العرب إلى مزيد من المحادثات في محاولة لتمييع الإدانة العربية وتفادي التدخل الخارجي في أزمته الدموية. ولكن هذه الدعوة جاءت في وقت شجبت السعودية وقطر ومعهما تركيا وفرنسا الاعتداء على بعثاتها الدبلوماسية في دمشق بعد قرار الجامعة العربية يوم السبت.

وجاءت هذه الضربة الدبلوماسية الى النظام السوري في وقت تتولى قطر الرئاسة الدورية لمجلس الجامعة العربية داعية الى تحرك حازم ضده. ونقلت صحيفة لوس انجيليس تايمز عن الكاتبة السياسية رندة حبيب في الاردن ان قطر تتبوأ موقع الصدارة في العالم العربي على ما يبدو وانها قادرة على دفع الجامعة العربية الى التحرك. وحتى قبل صفعة الجامعة العربية كان الأسد خسر دعم جارته الكبرى تركيا التي اشاد رئيس وزرائها رجب طيب اردوغان مؤخرا بـquot;المقاومة المجيدةquot; للمحتجين المناوئين للنظام السوري.

وليس لقطر الصغيرة حضور تركيا المادي والعسكري ولكن لديها طموحات تفوق حجمها وحنكة دبلوماسية وثروة طائلة وقوة شعبوية في قناة الجزيرة، على حد وصف صحيفة لوس انجيليس تايمز مشيرة الى ان قطر اصبحت صوتاً قائداً ومثيراً للجدل في بعض الأحيان من أجل تغيير النظام في ليبيا، وهو دور تمارسه الآن في سوريا. وتضيف الصحيفة أن قطر تستثمر أهم لحظة تحويلية في المنطقة منذ صعود القومية العربية في الستينات، وهي لحظة تهدد باكتساح الأسد ايضا.

ومن بعض النواحي فان نفوذ قطر أخذ يطغي على نفوذ قوى تقليدية في المنطقة مثل مصر المنشغلة حاليا بهمومها السياسية الداخلية في اعقاب الاطاحة بالرئيس حسني مبارك.

وكثيرا ما تذهب طموحات قطر أبعد من نزاعات المنطقة وتحالفاتها. فهي فازت، مثيرة حسد جاراتها، باستضافة نهائيات كأس العالم لكرة القدم عام 2022 لأسباب منها تعهدها الجرئ بنصب مكيفات هواء تعتمد أحدث التكنولوجيات في الملاعب خلال صيف الخليح اللاهب.

وتبدي قطر مهارة في لعب جميع الأطراف. فهي موطن قاعدة عسكرية أميركية كبرى لكنها تبقى قريبة من نبض الشارع العربي عن طريق قناة الجزيرة وتحافظ على علاقات ودية مع إيران، العملاق الاقليمي على الضفة الأخرى من الخليج، كما تلاحظ صحيفة لوس انجيليس تايمز.

ولعل قرار الجامعة العربية يوم السبت ينبئ بتحولها من منبر للخطابات الى حلف اقليم فعال. ولا يفوت دمشق ان قرار تعليق عضويتها قد يكون نذير شكل من اشكال التدخل بموافقة من الأمم المتحدة، على النحو الذي ايدته الجامعة العربية في ليبيا. ولم تستبعد الجامعة التوجه الى الأمم المتحدة وطلب مساعدتها على حماية المدنيين السوريين، ربما بارسال مراقبين دوليين، كما طالب ناشطون سوريون معارضون.

وهذا هو الطريق الذي تسعى دمشق باستماتة الى تجنبه عاقدة الأمل على حدوث تغير في اللحظة الأخيرة قبل ان يكتسب تعليق عضويتها صفته القطعية يوم الأربعاء وتدخل حيز التنفيذ عقوبات اقتصادية وسياسية جديدة.

وبدأ يوم الأحد ان النظام السوري تراجع عن شجبه الأول لقرار التعليق بوصفه قرارا غير قانوني يخدم quot;أجندات أميركية غربيةquot;. وقالت وكالة الأنباء السورية الرسمية quot;ساناquot; ان مبادرة الجامعة العربية التي تدعو من بين ما تدعو اليه، الى انسحاب قوات النظام من الشوارع وانهاء جميع المظاهر العسكرية وفتح حوار مع المعارضة، ما زالت تشكل quot;إطارا صالحاquot; لحل الأزمة السورية بعيدا عن أي تدخل خارجي.

وكانت المعارضة السورية رحبت بموقف الجامعة العربية في استنكار حملة النظام السوري ضد المحتجين معتبرة ان هذا الموقف هو بمثابة بداية نهاية النظام. ولكن مراقبين يشيرون الى ان الأسد ما زال يتمتع برصيد لا يستهان به من الـتأييد وخاصة بين الأقليات القلقة من اشتعال فتنة طائفية، وبين سكان دمشق وحلب ومدن أخرى. وتحدثت وكالة الأنباء الرسمية يوم الأحد عن quot;نزول ملايين الى الشوارعquot; لشجب قرار الجامعة العربية.

في هذه الأثناء قال ناشطون إن 30 شخصاً على الأقل قتلوا يوم الأحد في حملة الاحتجاجات المستمرة منذ نحو ثمانية اشهر بينهم 24 في محافظتي حمص وحماة. وكانت الأمم المتحدة اعلنت ان حملة البطش التي يواصلها النظام ضد المحتجين اسفرت عن مقتل نحو 3500 شخص غالبيتهم من المدنيين منذ اندلاع الاحتجاجات في منتصف آذار/مارس.