في السودان وجنوب السودان، أصبحت الحرب أمراً اعتاده الناس، لا سيما وأن الدولتين لم تتوصلا حتى اليوم إلى حلول للعديد من القضايا الشائكة والرئيسة.


لميس فرحات: تصاعدت الاشتباكات الحدودية في أواخر شهر آذار/مارس الماضي، مما أسفر عن مقتل المئات وتبديل السيطرة على حقول النفط الإستراتيجية. ودعت الولايات المتحدة والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة كلا الجانبين إلى وقف القتال، مؤكدين أن المنطقة لا تحتمل نزاعاً كبيراً.

في هذا السياق، أشارت صحيفة الـ quot;نيويورك تايمزquot; إلى أن السودان وجنوب السودان اتفقتا مبدئياً في الأيام الأخيرة على العودة إلى طاولة المفاوضات، على الرغم من إشارة المسؤولين في جنوب السودان إلى مواصلة السودان قصف المناطق على طول الحدود.

ولفتت الصحيفة إلى أن كلا الجانبين يستعدان لنزاع كبير، إذ إن السودان منحت صلاحية بأن يتم تحويل جزء من رواتب الموظفين إلى الجيش، كما فعل جنوب السودان، مشيرة إلى أن مناطق جنوب السودان الحدودية مثل بلدة (مايوم ويل) هي التي تحمل وطأة الحروب الأهلية بين شمال وجنوب السودان.

كان من المفترض أن تنتهي أزمات جنوب السودان، بعدما حصل على استقلاله من السودان في يوليو/ تموز الماضي، بعد سنوات من القتال مع الشعب في الشمال. لكن الابتهاج بالاستقلال سرعان ما خبا، وتبدو البلاد أمام حرب جديدة بعد أسابيع من الانتقادات اللاذعة والمناوشات على الحدود.

الحرب الجديدة ستكون طاحنة، على الرغم من أن الناس اعتادوا عليها، إذ سيضطر البعض من أفقر الشعوب على وجه الأرض لدفع ثمنها، بكل ما لديهم في متناول اليد.

يعمل القرويون على تقديم التبرعات، وجمع ما يمكن توفيره من مساعدات، سواء أكانت حزماً من التبغ، أو أكياساً من الطحين، أو الفول السوداني، أو الماعز، أو ربما 2 دولار، وهذا المبلغ لا يعتبر زهيداً في هذه الدولة الفقيرة.

في الوقت نفسه، يتم تجنيد العشرات من الشبان من مختلف أنحاء المنطقة ليكونوا ضمن المشاة وليخوضوا الحرب المحتملة دفاعاً عن دولتهم.
وعلى الرغم من أن السودانين اتفقا على العودة إلى المفاوضات، إلا أن الجنوب يتوقع ضربة عسكرية مؤكدة من الجانب الآخر. ويقول نائب رئيس جنوب السودان ريك ماشار إن quot;الخرطوم ستقوم بالتأكيد بمهاجمتنا. هذا هو تاريخنا، هذه هي طريقتنا في التعامل مع المشاكلquot;.

وفي جوبا، عاصمة جنوب السودان، ينتقل ممثلون عن الحكومة من فندق إلى آخر، ويقنعون المديرين بالتبرع بقيمة 370 دولاراً، أو تقديم الضروريات، مثل الفحم والفاصوليا.

واعتبرت الـ quot;نيويورك تايمزquot; أن كلا الجانبين يستعدان لصراع كبير، سواء من خلال جمع التبرعات والدعم، أو من خلال تجنيد الشباب وتحفيز القاعدة الشعبية على دخول الحرب وتقديم الأشياء الثمينة من أجل الدفاع عن الأمة.

من جهته، يقول غرانغ وول كون، الذي يعمل على تجنيد الشباب للدخول في الحرب، إنه يجول على المناطق للتحدث إلى الشباب وإقناعهم بالعودة إلى الحرب. ويقول إن الرقم الذي كان يتوقعه هو نحو ألف متطوع، لكن المفاجأة كانت أنه استطاع تجنيد ثلاثة أضعاف هذا العدد. ويضيف: quot;إن أبناء وبنات المحررين السابقين هم الذين يندفعون إلى التطوع. إن القتال لديهم في الدمquot;.

ومن المتوقع أن يخضع المجندون لتدريب لأسابيع عدة، قبل أن ينتقلوا إلى الجبهة لتحصين الحدود. لكن العديد من مرافق التدريب مليئة - لأن الكثير من الشبان وافقوا على القتال ndash; ويركز المسؤولون الآن على جمع العتاد. ويقول المجندون إن ما لا يقلّ عن 8 آلاف شاب ونحو 10 فتيات قد انضموا في الشهر الماضي.

وسلطت الصحيفة الضوء على القرى الواقعة في شمال بحر الغزال، حيث الأرقام الحكومية تشير إلى أن 79 في المئة من سكان الولاية من الأميين، و 76 في المئة يعيشون تحت خط الفقر.

ونقلت الصحيفة عن اي. جي. هوغندرون المحلل في مجموعة الأزمات الدولية، التي تعمل على نزع فتيل الصراعات، قوله: quot;إذا اندلعت الحرب الشاملة بين البلدين، فإن الجانبين سيفقدان المال في وقت قصير، وسرعان ما سنحصل على واحدة أو اثنتين من الدول الفاشلةquot;.

لكن يبدو أن المال ليس ما يفكر فيه الجنوبيون، ففي بلدة مايوم، وافق العديد من الشبان على الإنضمام إلى المشاة من دون أية وعود بالحصول على رواتب أو مبلغ من المال، وهذا تماماً ما حصل في السابق.

وقال غابريال بول دوث، أحد القادة الذي يعمل على تجنيد الشباب: quot;عندما حملنا السلاح ضد حكومة الخرطوم، لم يكن هناك أي راتب، لم يكن هناك طعام، لم يكن هناك ماء. لقد قاتلنا لأننا أردنا الحريةquot;.