القاهرة: بعد مرور أربعة أشهر كاملة على الواقعة التي استهدف فيها الجيش التركي قافلة، كان يظن أنها مكونة من مجموعة مقاتلين انفصاليين أكراد، وتبين لاحقاً أنها لمدنيين كانوا يحاولون تهريب شحنة من البنزين على الحدود التركية ndash; العراقية، مازال الناجون من هذا الهجوم ومعهم أقرباء من لقوا حتفهم بانتظار الحصول على إجابات شافية للتساؤلات التي تدور بأذهانهم عن سر استهداف هؤلاء الضحايا المدنيين.

وهي الواقعة التي جاءت لتمثل خطأً فاضحاً مأساوياً في الحملة التي تشنها تركيا منذ قرابة 3 عقود على المتمردين. كما أنها تسببت في نشوب تظاهرات بجميع أنحاء البلاد ودفعت نحو فتح تحقيقات رسمية على نطاق واسع. فضلاً عن دقها ناقوس الخطر في البنتاغون، نظراً لأن طائرة آلية أميركية هي التي حددت هؤلاء الرجال المدنيين ومعهم بغالهم المحملة، وأن مسؤولين أميركيين أخطروا تركيا بذلك.

فوفقاً لتقييم داخلي أعدته وزارة الدفاع الأميركية، وتحصلت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية على تفاصيله، فقد غادرت تلك الطائرة الآلية الأميركية بعد إبلاغها عن تحركات تلك القافلة، تاركةً قرار الهجوم للجيش التركي. وقال مسؤول كبير بوزارة الدفاع الأميركية: quot;قام الأتراك بالهجوم، وذلك لم يكن قراراً أميركياًquot;.

وقالت الصحيفة في هذا الصدد إن الدور الأميركي في هذا الهجوم الذي أثار جدلاً واسعاً أواخر العام الماضي، والذي لم يتم التحدث عنه من قبل، قد كشف عن حجم المخاطر التي تحدق بالإستراتيجية الجديدة التي ترمي إلى زيادة نفوذ أميركا حول العالم. كما أنه جاء ليطرح تساؤلاً مهماً على البيت الأبيض والكونغرس: وهو متعلق بمدى الدرجة التي يمكن أن نأتمن بها حلفائنا على تكنولوجيا طائراتنا الآلية المميتة.

ومضت الصحيفة تنوه إلى الدور الذي تقوم به تلك الطائرات في بلدان مثل باكستان والصومال، حيث لا تستطع السلطات المحلية أن تدخل في مواجهات مع الميليشيات، وهو نفس الأمر في اليمن، حيث تشن أميركا هجمات بعد موافقة الحكومة.

وتساءل هنا النائب عن الحزب الجمهوري مايك روغرز، وهو رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس النواب، قائلاً:quot; ما الذي كان سيحدث إن وقعت تلك المعلومات في أيدي حكومة ( أجنبية ) وارتكبت بها ثمة شيء خطأ، أو إذا وقعت في أيدي ثمة شخص وارتكب بها ثمة شيء خطأ ؟ quot;. وبسؤاله عن الهجوم، قال جورج ليتل، السكرتير الصحافي في البنتاغون:quot;دون التعليق على أمور ذات طبيعة استخباراتية، فإن الولايات المتحدة تثمن بشدة علاقتها العسكرية الدائمة مع تركياquot;.

ومن الجدير ذكره أن الصراع بين تركيا وحزب العمال الكردستاني قد تسبب في حصد أرواح ما يقرب من 40 ألف شخص منذ بدء أعمال العنف في ثمانينات القرن الماضي.

ومنذ أن أعلن أوباما عن اعتزامه توسيع أوجه التعاون مع الجانب التركي، بتكثيفه جهود تقاسم المعلومات الاستخباراتية وبدعمه طلب أنقرة شراء طائرات آلية أميركية مسلحة وغير مسلحة، وهذا الموضوع يحظى بحساسية من كلا الجانبين. فتركيا لا تريد أن يُنظَر إليها باعتبارها مرتكزة على الولايات المتحدة، في حين توجد معارضة لمسألة بيع طائرات آلية إلى تركيا من جانب أعضاء بارزين في الكونغرس.

ثم نوهت الصحيفة إلى حالة الجدال التي لا تزال محتدمة بين مؤيدي ومعارضي بيع تلك النوعية من الطائرات لتركيا. وانتقلت الصحيفة عندها لتسرد تفاصيل الهجوم الذي استهدف القافلة وهي في طريق عودتها لتركيا يوم الـ 28 من كانون الأول (ديسمبر) الماضي.

وأشار ناجون من هذا الهجوم إلى أن الضربات استمرت على مدار ما يقرب من 40 دقيقة. وهو الهجوم الذي أشعل صدامات بين مئات المتظاهرين الحاملين حجارة في أياديهم وبين قوات الشرطة في مناطق كردية بتركيا. وفي بلدة أولوديري، قال العمدة فهمي اليمان، إن هذا الهجوم جاء ليشكل آخر حلقة في سلسلة الجهود الحكومية التي ترمي لتخويف السكان المحليين الذين يدعم معظمهم التشدد الكردي.

هذا ولم يعلق الجيش التركي على تساؤلات من الصحيفة بخصوص هذا الموضوع، واكتفى مسؤولون أتراك بتأكيدهم أنهم لن يعلقوا على الحادثة ولا على التساؤلات المرتبطة بنطاق التعاون العسكري القائم بين الولايات المتحدة الأميركية وتركيا. وأضافت الصحيفة أن هذا الهجوم جاء ليهدد بإفساد الجهود الرامية للتوصل لإجماع تركي كردي بخصوص التخطيط لوضع دستور جديد من المتوقع أن يتعامل بشكل جزئي مع مسألة الحقوق التي يرى أفراد الأقلية الكردية أن الوقت حان للظفر بها.

وقالت إحدى قريبات أحد الضحايا الذين سقطوا في الهجوم:quot; أنا لا أريد أية تعويضات، وكل ما أريده هو أن يتم ضبط الجناة الذين ارتبكوا تلك الواقعة وأن تتم معاقبتهمquot;. فيما قال رئيس هيئة الأركان العامة التركية، نجدت أوزيل، إن الجيش يتبادل معلومات بهذا الصدد مع المحققين، وأنهم لا يخفون أي شيء يفيد سير التحقيقات.