تمكن الدبلوماسي المعسول الكلام، كوفي أنان، الأمين العام السابق للأمم المتحدة، من الإبحار بهدوء في الكثير من الحروب العاصفة، سواء في الشرق الأوسط، وتفكك دول البلقان، والإبادة الجماعية الأفريقية، وفضيحة الفساد التي مسّت عائلته ومجموعة من الأزمات الأخرى، على مدى مشواره الدبلوماسي، الذي يمتد الى أكثر من خمسة عقود، إلى جانب فوزه بجائزة نوبل للسلام. لكن الأصدقاء والنقاد على حد سواء يقولون إن سوريا يمكن أن تهدد إرث أنان لتقضي على كل إنجازاته المشرقة على مر الأعوام.
لميس فرحات: بعدما تم تعيين كوفي أنان ليكون بمثابة مبعوث خاص إلى سوريا عن كل من الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية في فبراير/ شباط الماضي من قبل خلفه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، قال العديد من المراقبين إن أنان (74 عاماً) وضع جانباً ما بدا واضحاً للجميع بأن الصراع المستعصي في سوريا معقد جداً، وغير قابل للحل عن طريق الدبلوماسية وحدها.
ونقلت صحيفة الـ quot;نيويورك تايمزquot; عن إدوارد مورتيمر، مدير الاتصالات السابق في الأمم المتحدة، الذي كان مسؤولاً عن إعداد خطابات أنان بدءاً من العام 1998، قوله إنه quot;عندما سمعت نبأ تعيينه، أول ما فكرت فيه هو أن هذه المهمة مستحيلة. وأعتقد أن أنان قال في نفسه: على شخص ما المحاولةquot;.
حتى وقت قريب، كان أنان يتحدث بقدر من الأمل عن تحقيق نوع من التلاقي بين الخصوم في سوريا، إذا أبدت كل الاطراف استعدادها للتقيد بخطة السلام التي وضعها. لكن مجزرة الحولة، التي وقعت خلال عطلة نهاية الأسبوع، والتي خلفت أكثر من 100 شخص، نصفهم من الأطفال، واعتبرت واحدة من أسوأ الفظائع التي ارتكبت في الصراع المستمر منذ 15 شهراً، أدت إلى توجيه انتقادات جديدة لخطة أنان، على اعتبار أنها ليست غير فعالة فقط، بل أيضاً تمكّن الحكومة السورية من الاستمرار في ممارساتها، من خلال موافقتها على الخطة علنياً، وتجاهل العديد من أحكامها.
بعدما اجتمع يوم الثلاثاء مع الرئيس السوري بشار الأسد في سوريا، حضّ أنان الرئيس على اتخاذ الخطوة الأولى لإنهاء النزاع من خلال تنفيذ الخطة، وأعطى تلميحات في تصريحات للصحافيين في دمشق بأن الوقت بدأ بالنفاذ.
يتحدث زملاء أنان عن شخصيته، التي تتميز بصفات المشاركة، والقدرة على نقل التعاطف والدعوة القوية إلى حقوق الإنسان الأساسية خلال مسيرته في الأمم المتحدة، إضافة إلى مواقفه في منظمة الصحة العالمية ومكتب المفوض السامي لشؤون اللاجئين، وفي وقت لاحق في الأدوار التي مارسها في مقر الأمم المتحدة في نيويورك كوكيل الأمين العام لعمليات حفظ السلام.
من جذور متواضعة في غانا، أصبح أنان الأمين العام الأول، الذي ينتخب من بين موظفي الأمم المتحدة في يناير/ كانون الثاني عام 1997، لولايتين (كل منها 5 سنوات).
في هذا السياق، يقول مورتيمر: quot;إنه ديبلوماسي محنك وجيد جداً في التواصل مع الناس، فهو شخص من الصعب التنازع معه، حتى إنه علّق شعاراً في مكتبه يقول: الدبلوماسية هي فن جعل الرجل الآخر يقوم بالأمور على طريقتكquot;.
شملت نجاحات أنان الدبلوماسية محاولة إعادة مئات من الموظفين الدوليين ومواطني الدول الغربية من العراق بعد غزو الكويت عام 1990، وأشرف خلال منصبه كوكيل الأمم المتحدة لعمليات حفظ السلام من عام 1995 إلى عام 1996، على مرحلة انتقالية صعبة في البوسنة والهرسك من الأمم المتحدة إلى منظمة حلف شمال الأطلسي. ويعتبر أنان مسؤولاً عن نزع فتيل عدد من النزاعات في أفريقيا، لا سيما اتفاق عام 2008 الذي أوقف الحرب الأهلية في كينيا.
يصرّ أنان والعديد من زملائه في الأمم المتحدة على أن خطتهم للسلام في سوريا، التي تنص على وجوب إلقاء جميع الأطراف السلاح، هي الخيار الواقعي الوحيد. لكن لا يبدو أن أحداً منهم قد وضع خطة بديلة أو احتياطية في حال فشل الخطة الحالية.
وتواجه خطة أنان للسلام انتقادات، لا سيما أولئك الذين يقولون إنه من الضروري على الأمم المتحدة أن تتبع نهجاً في سوريا أكثر قوة من الولايات المتحدة وحلفائها، وذلك لأن الأسد يحتمي بروسيا المؤيدة له، ولا يشعر بأنه مهدد بشكل كبير.
يقول دانييل بليتكا، نائب رئيس الجامعة للدراسات السياسية الخارجية والدفاعية في معهد أميركان إنتربرايز: quot;لماذا سيقبل الأسد عرضاً من هؤلاء الأشخاص، طالما أنه تحت انطباع يومي بأنه يفوز؟quot;، مشيراً إلى أن اللوم لا يقع على أنان quot;لقد تم وضعه في موقف مستحيل تماماًquot;.
من جهته، قال أندرو تابلر، وهو خبير في الشؤون السورية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: quot;كان هناك بعض الأمل في أن الخطة التي تنص على نشر 300 مراقب لوقف اطلاق النار في سوريا، سوف تنجح. لكن العيوب شابت هذه الخطة منذ البداية جزئيًا، بسبب التوقعات بأن إدخال مراقبين غير مسلحين إلى سوريا من شأنه أن يقلل من مستوى العنف فيهاquot;.
لم يكن باستطاعة المراقبين الدخول إلى أسوأ المواقع الساخنة في سوريا، في الوقت الذي استخدمت فيه القوات الحكومية الأسلحة الثقيلة في الأحياء المدنية المكتظة بالسكان، ما يعتبر خرقاً واضحاً لخطة أنان، ويؤدي إلى تقويض الكثير من مصداقيتها.
وأضاف تابلر: quot;إذا كان السيناريو هذا في الولايات المتحدة الأميركية، وقوات الحكومة الاتحادية تقوم بقصف شيكاغو، هل سنسمّي ذلك وقفاً لإطلاق النار؟quot;، مشيراً إلى أنه quot;في نهاية المطاف، مشكلة خطة أنان هي أن الهدف النهائي في حد ذاته ليس واضحاً. وهذا أمر ليس باستطاعة أحد رؤيتهquot;.
التعليقات