المحكمة تنطق اليوم بحكمها على الرئيس السابق حسني مبارك

تأتي محاكمة الرئيس المصري السابق حسني مبارك ونجليه علاء وجمال ورموز نظامه لتنهي فترة طويلة من حكم مستبد مارسه على المصريين، عاشوا خلالها أسوأ حالاتهم الاجتماعية والصحية واعتبر خلاله من أسوأ السيئين بحسب بعض التقارير الصحافية، واليومنطقت المحكمة بالحكم عليه.


القاهرة: يعتبر الرئيس السابق حسني مبارك الرئيس رقم أربعة بعد ثورة 23 تموز (يوليو) 1952، بعد محمد نجيب جمال عبد الناصر وأنور السادات، وتولى الحكم في 14 تشرين الأول (أكتوبر)، 1981، عقب اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات في السادس من الشهر نفسه، على أيدي مجموعة إرهابية. وتأتي محاكمة مبارك ونجليه علاء وجمال ورموز نظام حكمه لتنهي بذلك نحو سبعة آلاف عام من تاريخ المصريين، كان فيها الحكم بمثابة الفرعون الذي يستمد بعضاً من صفات الإله، الذي لا يُسأل عما يفعل، ولا يمكن محاكمته على الإطلاق، لدرجة أن الدستور خلا من أية مواد تبيح محاكمته في حال ارتكابه أية مخالفات، باستثناء تهمة الخيانة العظمى، التي تستوجب موافقة ثلثي أعضاء مجلسي الشعب والشورى، وهو شرط يستحيل تحقيقه في ظل خلو البرلمان من الوجوه المعارضة.

3 عقود استبداد

حكم مبارك مصر بقانون الطوارئ، لفترة امتدت لنحو ثلاثة عقود متتالية، وكان يقيم ديمقراطية شكلية، فكان هناك برلمان بغرفيته الشعب والشورى، إضافة إلى المجالس المحلية الشعبية، وهامش من حرية الصحافة، لكنه في الواقع كان يدير البلاد بقبضة من حديد، وديكتاتورية واسعة، فالأمن له مطلق الحرية في الإعتقال والتعذيب في سبيل حماية نظام الحكم، وكان المصريون طوال الثلاثين عاماً الماضية، يشكون من تحول الأمن في مصر إلى أمن سياسي وليس جنائياً، فراجت تجارة وتعاطي المخدرات، وزادت معدلات الجريمة، إضافة إلى توحش ظاهرة البلطجية التي لم يألفها المصريون من قبل، وهي انتشار مجموعات من محترفي الإجرام في أنحاء البلاد، وارتكاب كافة الجرائم الجنائية، وكانت الشرطة تغض الطرف عنهم، مقابل استغلالهم في ترويع المعارضين السياسيين أو الناشطين الحقوقيين أو تزوير الإنتخابات سواء البرلمانية أو المحليات أو الرئاسية.

ووفقاً لتقرير نشر في مجلة باردي الأميركية أوائل عام 2009، فإن مبارك الديكتاتور رقم 20 الأسوأ، بينما حل في المركز السابع عشر في عام 2008 على القائمة نفسها. فيما صنفته مجلة فورين بوليسي في المركز الخامس عشر ضمن قائمة quot;أسوأ السيئينquot; للعام 2010، ووصفته بأنه quot;حاكم مطلق مستبد، يعاني داء العظمة، وشغله الشاغل الوحيد أن يستمر في منصبهquot;، وأضافت: quot;مبارك يشك حتى في ظله وهو يحكم البلاد منذ 30 عاما بقانون الطوارئ لإخماد أي نشاط للمعارضة ويجهز ابنه جمال لخلافتهquot;.

التوريث

في العام 2000، بدأ ظهور نجله الأصغر جمال يكون علنيا، وبدأ مبارك يتحدث عن إمكانية مساعدته له في إدارة شؤون البلاد على طريقة إستعانة الرئيس الفرنسي جاك شيراك بابنته في سكرتارية قصر الإليزيه، ثم سرعان ما بدأ بتطبيق خطة ليأتي جمال خليفة له في حكم مصر، لاسيما بعد نجاح تجربة توريث الحكم من حافظ الأسد إلى نجله بشار. وأجرى مبارك سلسلة من التعديلات الدستورية، التي رأى المصريون أنها تصب في خانة توريث الحكم لجمال، خاصة في ظل رئاسته للجنة العليا للسياسيات في الحزب الوطني الحاكم في ذلك الوقت، وقصر الترشح على أعضاء الهيئات العليا في الأحزاب الممثلة بالبرلمان، ولم تكن هناك أية أحزاب لها ثقل سياسي ممثلة فيه.

التزوير والتعذيب

كانت الإنتخابات البرلمانية التي أجريت نهاية عام 2010 هي الأسوأ في تاريخ مصر، وكانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، إضافة إلى انتشار ظاهرة التعذيب في مقار ومراكز الشرطة، وأدى تزوير تلك الإنتخابات على نطاق واسع، بالتزامن مع مقتل الشاب خالد سعيد على أيدي الشرطة نتيجة التعذيب، إلى اندلاع الإحتجاجات على نطاق واسع، وتشكيل برلمان موازٍ، لكنه استخف بها قائلاً وهو يضحك أثناء افتتاح جلسات البرلمان quot;خليهم يتسلواquot;، غير أن تلك التسلية تحولت إلى ثورة عارمة لم تقف إلا بعد إسقاطه من الحكم، ليكون الفرعون الأخير في سلسلة الفراعين الذين حكموا مصر على مدار أكثر من سبعة آلاف عام بقبضة من حديد، دون أن يختار الشعب أيًا منهم سوى مرة واحدة، في أعقاب قيامه بثورة شعبية طرد خلالها الحملة الفرنسية في العام 1805، وأجبر السلطان العثماني على تولية محمد علي باشا حاكماً عليها.

إستفحلت في عهد مبارك العديد من الظواهر السلبية، ومنها التعذيب في مراكز الشرطة، والإعتقال العشوائي، وبلغ عدد المعتقلين نحو 23 ألف معتقل بقرار إداري، وفقاً لتقديرات المنظمة العربية للإصلاح الجنائي، وبلغ عدد قوة جهاز الشرطة في عهده نحو 3 ملايين فرد برتب مختلفة بدءا من وزير الداخلية وانتهاء بالمخبرين، إضافة إلى نحو 1.3 مليون بلطجي كانوا يستخدمون في التنكيل بالمعارضين السياسيين.

الفقر والمرض

تفاقمت في عهد مبارك ظاهرة الفقر، وبلغت 47% من إجمالي تعداد المصريين البالغ 82 مليون نسمة، في العام 2010، فيما قدر الدكتور محمد عوض تاج الدين وزير الصحة النسبة ب75% غير قادرين على توفير تكاليف العلاج، وهناك نحو 14% يعشيون تحت خط الفقر، منهم 12 مليونا يعيشون في مناطق عشوائية من دون خدمات أو مرافق. في حين أن 2% من المصريين المنتمين إلى الحزب الوطني ورجال الأعمال التابعين للنظام يتحكمون ب 40% من الدخل القومي، ويتحكم 18 آخرون في 40% من هذا الدخل، بينما يعيش باقي المصريين على 20% منه.

تدهورت في عهد مبارك صحة المصريين، وانتشرت الأمراض بشكل مخيف، وبلغ إجمالي المصابين بمرض السرطان نحو 150 ألف حالة سنوياً، وهناك 14 مليون مصري يعانون الفشل الكلوي، بينما يعاني 12 مليوناً من الفشل الكبدي، وفي المقابل كانت ميزانية وزارة الصحة هزيلة جداً، بل تم تخفيضها بمعدل ثلاثة مليارات جنيه، لصالح شراء سيارات ومعدات أمنية في ميزانية العام المالي 2009/ 2010.

الثورة والمحاكمة

ساهمت كل هذه العوامل في زيادة الإحتقان لدى المصريين، وأدت إلى انفجار ثورة 25 يناير، التي أطاحت به من الحكم في 11 شباط (فبراير)، وترك القصر الجمهوري في حي مصر الجديدة، وانتقل للإقامة في منتجع شرم الشيخ حتى صدر قرار من النائب العام المصري بتاريخ 13 نسيان (أبريل) 2011 بحبسه خمسة عشر يوما على ذمة التحقيق معه في اتهامات تتعلق بالتربح واستغلال النفوذ وإصدار أوامر بقتل المتظاهرين أثناء الثورة. وفي 15 من الشهر نفسه صدر قرار آخر بنقله إلى مستشفى شرم الشيخ الدولي. وفي 22 نيسان (أبريل)، جدد النائب العام حبسه خمسة عشر يوما. وأجري التحقيق معه في المستشفى. وفي تموز 31 (يوليو)2011، أعلن وزير العدل السابق المستشار عبد العزيز الجندي أنه سيتم محاكمة مبارك في أكاديمية الشرطة في القاهرة.

محاكمة الإله

بدأت أولى جلسات محاكمة مبارك ونجليه ووزير داخليته حبيب العادلي وستة من كبار مساعديه يوم الأربعاء 3 آب (أغسطس) 2011، ونقلت على الهواء مباشرة لجميع أنحاء العالم، وظهر هو مستلقياً على سرير نقال، بينما أحاط به نجلاه علاء وجمال، وحاولا إخفاءه عن عدسات كاميرات المصورين، ولكن باءت محاولاتهما بالفشل. ووجه القاضي أحمد رفعت إليه تهما بالقتل العمد والفساد، وأنكر ولم ينطق مبارك إلا بكلمات معدودة منها quot;أفندم موجودquot;، عندما نادى القاضي عليه، للتأكد من وجوده في قفص الإتهام، وقال في مرة أخرى quot;أنكرها جميعاًquot;، عندما طلب القاضي رده على الإتهامات الموجهة إليه. في تلك اللحظات، عرف المصريون أنه بشر مثلهم، وأن الحاكم ليس إلهاً، وأن الالهة يمكن أن تخضع للمحاكمة أيضا، وها هم يرونه للمرة الأولى في صورة بشر ضعيف ومريض ويخضع للمحاكمة مع أبنائه ورموز نظام حكمه.

نهاية حكم الفرد

إستغرقت محاكمة مبارك 45 جلسة، بدأت علانية وسمح القاضي لعدسات التلفزيون بنقلها على الهواء مباشرة، ثم أصدر قراراً بمنع البث التلفزيوني نهائياً، كان أبرز الشهود الذين حضروا المحاكمة المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، والفريق سامي عنان رئيس الأركان ونائب رئيس المجلس، واللواء عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية السابق، اللواء منصور العيسوي وزير الداخلية السابق، اللواء محمود وجدي وزير الداخلية الأسبق.

علقت المحكمة جلساتها بدءا من 24 تشرين الثاني (نوفمبر) حتى 28 كانون الأول (ديسمبر)، بسبب إقامة أحد المحامين دعوى قضائية ضد القاضي أحمد رفعت، لرد هيئة المحكمة، وانتهت الدعوى بالرفض، وجرى استئناف المحاكمة مرة أخرى في 2 يناير 2012. واستمعت المحكمة إلى مرافعات الدفاع بالحق المدني عن أهالي القتلى والمصابين، ثم استمعت إلى دفاع مبارك وباقي المتهمين، وانتهت المرافعات في 22 شباط (فبراير) 2012، وقرر القاضي أحمد رفعت تحديد يوم 2 حزيران (يونيو) 2012 للنطق بالحكم، وأجاز نقل وقائع الجلسة على الهواء مباشرة. وبالنطق بالحكم يكون المصريون قد أنهوا نحو سبعة آلاف عام من حكم الفرد، لاسيما أن الحكم يتزامن مع الجولة الثانية من الإنتخابات الرئاسية.