إذا كانت ثمة حاجة إلى دليل آخر على طبيعة نظام الرئيس بشار الأسد فإن رعب المجازر الأخيرة والمستمرة كفيل بتقديمه. فمن أصل 108 مدنيين قُتلوا في مجزرة الحولة في الشهر الماضيكان هناك49 طفلاً و34 امرأة. كما كان أكثر من نصف القتلى الـ 78 في مجزرة القبير في الأسبوع الماضي من النساء والأطفال.


إعداد عبد الاله مجيد: تشير مثل هذه الوحشية الى نظام في حالة يأس من عجزه عن استعادة السيطرة على بلد وشعب يرفض الاستسلام امام حملة لا تعرف الرحمة. وفي حين أن زمرة الأسد لم تفقد سيطرتها على السلطة فإن موقعها يستمر في التآكل.

إذ فشلت حملات عسكرية متكررة في إخماد ما بدا على أنه انتفاضة مدنية، ثم اكتسب جناحًا عسكريًا، يبدو الآن وكأنه حملة مسلحة منسقة، على حد تعبير صحيفة فايننشيال تايمز، مشيرة الى أن العربية السعودية وقطر quot;شرعتا في مد الثوار بالمال والسلاح، فيما تقوم الولايات المتحدة بدور المنسقquot;.

طفل معارض من أطفال مدينة حمص يندد بالنظام

في غضون ذلك، ما زال نظام الأسد يعتمد على عدد محدود من الوحدات الموالية والشبيحة، الذين غالبيتهم من العلويين، بما يكفي للتسبب في حمام دم مروع، ولكن لا يكفي لاستعادة السيطرة على الوضع.

وأخذت علائم انهاك وحتى انهيار المعنويات تظهر على قوات الجيش التي دُفعت الى تنفيذ عمليات محلية وتكرارها بصورة متتالية في انحاء سوريا. وأظهر شريط فيديو بثته قناة quot;العربيةquot; في نيسان/ابريل الماضي قائدًا عسكريًا يطمئن ضباطه إلى أن التعزيزات آتية قريبًا. ويجري تدريب قوات جديدة داخل سوريا وخارجها. وسواء أكان هذا صحيحًا أو لم يكن فإنه ليس هو العلاج لما آل اليه وضع النظام.

وكان عدد القتلى في صفوف الجيش ارتفع في ايار/مايو الى أعلى مستوياته منذ اندلاع الانتفاضة. ويتكبد النظام خسائر كبيرة في الأرواح بمقتل العشرات من جنوده في كل عملية ينفذها الثوار بتكتيكات الكر والفر. الأكثر من ذلك أنه مع حصول الثوار الذين ما زالوا مشتتين على أسلحة أكثر تطورًا فإن دروع النظام، التي يقودها ماهر الأسد شقيق الرئيس، بدأت تبدو مكشوفة، حيث فقدت 20 دبابة وعربة مصفحة في القتال في الاسبوع الماضي.

لا تفقد أسرة الأسد شرعيتها بين الغالبية السنية فحسب، بل في اوساط طائفتها العلوية أيضًا، كما تلاحظ صحيفة فايننشيال تايمز ناقلة عن سياسي لبناني واسع الاطلاع على الوضع في سوريا قوله quot;إن بشار ما فتئ يقول لهم إنه سيفرض حلاً عسكريًا ثم يعجز عن فرضه. إنه يفقد مصداقيته داخل طائفته نفسهاquot;.

في غضون ذلك تصدعت دعائم العقد الاجتماعي المفروض بالإكراه على السوريين بوصفه اساس الدولة الأمنية السورية. وكانت الصفقة القديمة التي تنطوي على حرمان المواطنين من الحرية مقابل التعامل بتسامح مع التعدد المذهبي في سوريا، حققت استقرارًا حقيقيًا، وإن كان خانقًا، وتقاسم ما يكفي من الكعكة الاقتصادية لإبقاء الطبقات الوسطى السنية في إطار الوضع القائم.

لكن زمرة الأسد امتشقت الآن سكين الطائفية، وأطلقت العنان للفوضى، ومع تداعي الاقتصاد والمالية العامة لم يبقَ من الكعكة الكثير مما يمكن تقاسمه، بحسب صحيفة فايننشيال تايمز، مشيرة الى أن مجازر الحولة والقبير تفجّر الآن موجات من الاضرابات التي يعلنها التجار واصحاب المتاجر بعدما كانوا يقفون على السياج متفرجين.

قد تشي المجازر الأخير بقدر حتى أكبر من اليأس. فهي كانت بلا مبرر عسكري سوى التطهير الطائفي لمناطق علوية وسنية مختلطة في شمال غرب سوريا. والحق أن قصف الحفة استهدف بلدة سنية في عمق المنطقة العلوية.

ومنذ اندلاع الانتفاضة كانت هناك دلائل واضحة على أن النظام يفتح خطوطًا للانكفاء الى هذه المنطقة. ويساعد هذا في فهم المحاولات المتكررة لإخماد مدينة حمص، التي تشكل بوابة الوصول الى الملاذ العلوي الآمن، كما ترى صحيفة فايننشيال تايمز، مشيرة الى أن لاجئين من المنطقة يتحدثون عن نشر وحدات هندسة من الجيش لتحديث البنية التحتية في المنطقة.

هذه كلها مؤشرات لا توحي بنظام واثق من مستقبله. وما تنم عنه أن هدف المعارضة الأقرب الى الواقعية هو ليس الحاق الهزيمة بالجيش، وانما شق صفوفه ببناء مقاومة مسلحة ذات مصداقية كافية لإحداث المزيد من الانشقاقات وتقويض معنويات النظام بتدفيعه ثمنًا أبهظ من بطشه.