بعد أكثر من 16 شهرًا على اندلاع الثورة الشعبية ضد الرئيس السوري بشار الأسد، لا تزال الطائفة العلوية في البلاد محافظة على ولائها للنظام في قلب المعركة التي تهدف إلى إسقاطه.


بيروت: من غير المرجح أن تبتعد الطائفة العلوية عن تأييدها للأسد، لأنها تشكل بيئة حاضنة لاستمراره. وهذا الموقف العلوي يغذيه اعتقاد بأن الأحداث التي وقعت في سوريا تشكل تهديداً وجودياً على العلويين، الذين عانوا تاريخاً طويلاً من الاضطهاد والتمييز. وبدلاً من إعلان رفضهم لممارسات النظام، تزداد الطائفة العلوية في دعمها للأسد كلما ازداد الأخير تعنتاً.

هذه الحال ليست اتهاماً للطائفة العلوية، بل هي تحليل تقدمه صحيفة الـ quot;غارديانquot;، التي تعتبر أن ولاء العلويين للأسد نابع من ثقافة التخويف التي لطالما استخدمها من أجل ضمان التفاف أبناء طائفته حول النظام، ودعم ممارساته الوحشية بحق المعارضين.

عناصر من الجيش السوريداعمة للرئيس بشار الأسد

يقول ديبلوماسي بريطاني في بيروت إن quot;القوى المعارضة تقوم بتوجيه رسائل إلى العلويين في البلاد، ليعرفوا أن مستقبلهم يجب ألا يرتبط بالأسد وعصابته. لكن سيكون من الإنصاف أن نقول إن الغالبية العظمى منهم لا تزال ترى نفسها مرتبطة إلى الأبد بالزمرة الحاكمةquot;.

في الوقت الذي يتخبط فيه المجتمع الدولي حول كيفية إدارة أعمال العنف في سوريا، إضافة إلى تصاعد الأزمة مع تداعياتها الخطرة على المنطقة، تصبّ الجهود اليوم على محاولة إغراء العلويين بعيداً عن النظام، وهي خطوة من شأنها أن تؤدي إلى سقوط دمشق في غضون ساعات.

من جهته، يعتبر المسؤول السياسي لـ quot;الحزب العربي الديمقراطيquot; رفعت علي عيد أن هذه المحاولات quot;هي مجرد تمنيات من جانب الغرب. ويقول زعيم الطائفة العلوية في لبنان إن quot;سفارات العالم تأتي إلينا منذأشهر عدة لتقنع العلويين بالتمرّد على الأسد، لكن خيبة الأمل تكون دائماً من نصيبهمquot;. quot;سنقاتل من أجل الأسد حتى النهايةquot;، يقول عيد مردداً ما يقوله الجزء الأكبر من الطائفة العلوية في لبنان وسوريا على حد سواء.

طوال 42 عاماً، اتخذ العلويون في سوريا مركز الصدارة في الشؤون الوطنية، وذلك بسبب الدعم الكبير الذي أمّنه لهم quot;عراب العصر الحديث للبلادquot;، الرئيس السابق حافظ الأسد، الذي استولى على السلطة في عام 1970.

وعلى الرغم من أن هذه الأقلية تشكل 12 % فقط من سكان سوريا، إلا أنها بمثابة نواة السلطة الحاكمة، والتي كانت تتمتع بسلطة شبه مطلقة في البلاد. واعتبرت الـ quot;غارديانquot; أن الأسد يلعب على وتر هذه المخاوف، فأصبح العلويون في البلاد quot;أسرىquot; النظام، حتى باتت عملية خروجهم عنه مهمة مستحيلة، حتى لو أرادوا ذلك.

يقول الدكتور مصعب العزاوي، شخصية سورية معارضة، عاش في المنفى، ويدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، إن quot;نظام حافظ الأسد شبيه بجهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية، إذ إنه يعتمد على ضباط من القرى، وليس في المدن، وكان هذا مبدأ عبد الناصرquot;. ويضيف أن الأسد غرس أيديولوجية في نظامه، تقول إن الطائفة العلوية تشكل quot;محور المقاومة والدفاعquot;.

من جهة أخرى، تحافظ إيران وسوريا وحزب الله على اتفاق أمني منذ العام 1982. ويبدو هذا جلياً في محاولة إيران دعم دمشق، إضافة إلى المحاولات التي تقوم بها روسيا لتعزيز مستقبل حليفتها.

وتعتمد العلاقات بين هذه الأنظمة على شخصيات من دائرة الأسد القريبة، فعلى الرغم من أن الأسد يحضر اجتماعات منتظمة مع قوات الأمن، ويقال على نطاق واسع إنه المؤثر الأول والأخير في القرارات المهمة، يعتقد البعض أن القوة الوازنة تعود إلى شقيقه الأصغر ماهر، وصهره آصف شوكت، وأبناء عمومه حافظ ورامي مخلوف.

quot;هؤلاء هم اللاعبون في السلطةquot;، كما يقول توفيق دنيا، وهو عضو العلوية للجنة التنفيذية للمجلس الوطني السوريquot;، مشيراً إلى أن النظام السوري هرمي للغاية، حتى إن المحافظات والمدن تتحدث مع السلطات العليا عن طريق ممثل أو اثنين. ويعتبر البعض أن الأسد لا يملك مجالاً للمناورة، أو إنه quot;سجين القصر الرئاسيquot;، لكن حتى أولئك الذين تعاملوا معه بشكل منتظم يجدون أنه من الصعب التأكد من ذلك.

quot;أنا أعرف الرجل، وأعلم أنه يخون كل من يتقرب منهquot;، وفقاً لأحد السياسيين اللبنانيين البارزين. وأضاف quot;لكن ما زلت لا أعرف ما إذا كان هذا بسبب ضعف، أو لأنه هو حقاً رجل شريرquot;.

ويعتبر دنيا أن النظام يوهم العلويين بأن لديهم الكثير ليخسروه إذا قفزوا عن سفينة الأسد، مضيفاً إن quot;النظام يعتمد على عامل الخوف، فأتى بالفلاحين إلى السلطة، واستخدم العلويين كأدوات، عبر إعطائهم الفتات من المال والمناصب في الجيش والشرطة، فنجح في تقسيم المجتمعات من الناحية الاستراتيجيةquot;.

واعتبرت الصحيفة أن الحراك الديبلوماسي في إطار احتواء الأزمة السورية أصيب بالشلل، بينما يستمر نظام الأسد في مكافحة ما يسميه بـquot;مؤامرة جهادية مدعومة من الخارجquot;، الأمر الذي يرجّح أن الحرب الطاحنة التي تعبر الخطوط الطائفية ستهيمن على البلاد هذا الصيف، وربما لفترة أطول.