وسط جدل واسع يشهده العراق حاليًا بشأن حرية الإعلام في البلاد والاتهامات الموجهة للحكومة بتكميم الأفواه ونفيها لذلك، فقد كشفت وثيقة رسمية عراقية أن قوات الامن تلقت أوامر من السلطات بوقف عمل 44 وسيلة إعلام بينها محطات تلفزيون وإذاعات بارزة محليًا مثل قناتي البغدادية والشرقية وأخرى معروفة على نطاق دولي مثل البي بي سي وراديو مونت كارلو وراديو سوا واذاعة صوت أميركا.


يتصاعد الجدل بين رئيس الحكومة نوري المالكي واحد ابرز معارضيه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، حول تهديدات وضغوط يقول الصحافيون إنهم يتعرضون لها وسط أقوى ازمة سياسية تمر بالبلاد. وقال مرصد الحريات الصحافية العراقي في بيان صحافي حصلت quot;إيلافquot; على نسخة منه إن وثيقة رسمية عراقية كشفت أن قوات الامن تلقت أوامر من السلطات بوقف عمل 44 وسيلة إعلام.

وقال المرصد إن الوثيقة صادرة عن هيئة الاتصالات والإعلام وموقعة من قبل مديرها بالوكالة صفاء الدين ربيع الذي قام بتوجيهها إلى وزارة الداخلية توصيها بمنع 44 مؤسسة إعلامية عراقية وأجنبية بارزة من العمل في مناطق متفرقة من البلاد بما فيها إقليم كردستان. وتضمنت الوثيقة أوامر بمنع عمل مصوري ومراسلي فضائية الديار والبابلية واذاعة نوا واذاعة المربد ووسائل إعلام أخرى مختلفة.

وتقول الوثيقة التي وافق على تنفيذها وكيل وزارة الداخلية عدنان الاسدي طالباً من قسم العلاقات والإعلام في الوزارة اتخاذ اللازم بشأن ذلك أن quot;سيادته أمر بعدم التعاون الإعلامي معها وتوجيه الشرطة بعدم السماح لهذه القنوات وضرورة اشعار تلك القنوات بمراجعة هيئة الإعلام والاتصالاتquot;.

وفي قرارات سابقة اثارت هيئة الاتصالات والإعلام العراقية حفيظة الصحافيين ووسائل الإعلام والمراقبين المحليين والدوليين من خلال ممارسة أساليب ضغط خارج اطار الشرعية وأنها وبدلاً من تنظيم خدمات البث صارت تقوض جهود حرية التعبير وترمي في أفعالها وقراراتها إلى ترهيب الإعلاميين ووسائل الإعلام المختلفة، التي واجهت قرارات غلق وتهديد وفرض رسومات مالية غير مسبوقة ما أدى إلى خشية متنامية من دور سياسي تقوم به الهيئة لحساب جهات حكومية وبعيدًا عن نظم البث والقوانين المرعية في هذا الاتجاه، كما قال المرصد.

الوثيقة التي عممتها وزارة الداخلية على قواتها المنتشرة في بغداد مؤخرًا تفاوتت فيها المناطق التي يمنع فيها عمل المؤسسات الإعلامية المحلية والاجنبية، في حين ابلغت الهيئة وزارة الداخلية انها علقت رخصة عمل كل من قناة البغدادية وقناة الديار وقناة البابلية وراديو المربد. ووفقًا للوثيقة فإن قنوات ووسائل إعلام أخرى قالت عنها الهيئة إنها غير مرخصة وطلبت من الداخلية العراقية اتخاذ الاجراءات القانونية تجاهها.

ثغرات في لائحة إعلامية

وكانت هيئة الاتصالات والإعلام العراقية بدأت في تطبيق لائحة جديدة صادرة قبيل الانتخابات البرلمانية السابقة التي جرت في آذار (مارس) عام 2010 بحجة إسكات المنافذ الإعلامية التي تشجع على العنف الطائفي. ولاحظ الخبراء الدوليون أن اللائحة المذكورة تعاني من عدة ثغرات أدت إلى التضييق على حريات المنافذ الإعلامية العراقية.

وقال الإعلامي سرمد الطائي إن اللائحة تبين أن القيود على المحتوى الإعلامي بدائية ومبهمة وفضفاضة ويسهل إساءة استخدامها. ويطالب الطائي بفتح حوار عاجل بين الوسط الإعلامي العراقي وهيئة الإعلام والاتصالات لإعادة النظر جذريًا في العلاقة الغامضة والفضفاضة بين الهيئة والمؤسسات الإعلامية الاهلية.

وتنص اللائحة أن على المؤسسات الإعلامية quot;الامتناع عن بث أي محتوى يحرض على العنف أو الطائفيةquot;، وذلك دون توفير أدلة إرشادية واضحة على ما يشمله تعريف العنف والطائفية. كما تنص على أن جميع منافذ البث الإعلامي والصحافيين التماس التصريح من الهيئة قبل العمل في العراق، لكنها لا توفر معلومات كافية عن المعايير التي تلجأ إليها الحكومة أثناء منح التصاريح.

وتمنح اللائحة الهيئة سلطة إغلاق أو تجميد أو تغريم أو مصادرة المعدات على المخالفات الصغيرة التي تُرتكب للمرة الأولى لشروط الترخيص بالعمل. وفرضت هيئة الإتصالات، مبالغ مالية كبيرة العام الماضي على المؤسسات الإعلامية العاملة في البلاد، كأجور لإستخدام الطيف الترددي، وتراوحت هذه المبالغ المفروضة في حدها الأعلى، بين مليار و 600 مليون دينارعراقي أي ما يعادل المليون و نصف المليون دولار أميركي، فيما كان المبلغ الأقل هو 180 ألف دولار أميركي.

ودعا مرصد الحريات الصحافية هيئة الاتصالات للاحتكام إلى القضاء العراقي بدلاً من الاعتمادعلى لوائحها الخاصة التي تتعارض مع مواد الدستور العراقي التي ضمنت حرية الصحافة، وطالبهاباعتماد قانون جديد ينظم علاقتها مع وسائل الإعلام بدلاً من القانون الذي سنه لها الحاكم المدني الأميركي السابق بول بريمر... كما ناشد المرصد رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي العمل على إيقاف تلك الأوامر حيث أنه من عين مسؤولي هيئة الاتصالات والإعلام بالوكالة.

تجمع كردي: القرار سابقة خطيرة في تكميم الافواه

من جانبه، اعتبر تجمع quot;داعمون للتغييرquot; الكردي قرار هيئة الإعلام والاتصالات quot;سابقة خطيرة وإجراء غير صائب يصب في خانة تكميم الأفواهquot;. وقال الأمين العام للتجمع محمد الأفندي في بيان اليوم إن منع هيئة الإعلام والاتصالات بالتعاون مع وزارة الداخلية 44 مؤسسة إعلامية من العمل داخل العراق إجراء غير صائب يصب في خانة تكميم الأفواه. ودعا نقيب الصحافيين مؤيد اللامي إلى التدخل العاجل وكافة المنظمات الإعلامية المحلية والعالمية إلى التصدي للمشروع.

واشار الى أن الهيئة تحاول من خلال هذا المشروع خنق الحريات الإعلامية وقطع أرزاق الصحافيين الذين حرموا كبقية شرائح المجتمع من حقهم في التعيين . ووصف الاجراء بأنه سابقة خطيرة علينا التصدي لها لأنه لا يعبر عن عملية ديمقراطية بل هو يصب في بناء الدكتاتورية وسلب حرية الإعلام.

وطالب الأفندي مجلس النواب بالعمل على quot;وقف هذه الهيئة عند حدها لأنها بدأت بالفعل تخرق الدستور وتسلط سيفها على رقاب وسائل الإعلام المستقلةquot; .. وقال إنها باتت شبيهة بدائرة التوجيه السياسي أيام النظام السابق . وأكد على ضرورة تطبيق هيئة الإعلام والاتصالات القانون على نفسها وعلى أعضائها قبل تطبيقه على السلطة الرابعة إذا كانت مبرراتها هي تطبيق القانون.

وشدد الأفندي على أن الهيئة غير شرعية وغير مصوت عليها من قبل مجلس النواب وتعمل دون أن يشرع لها قانون بل هي معتمدة على قانون الحاكم المدني بول بريمر حتى يومنا هذا، مؤكدًا ضرورة خضوع هذه الهيئة لسلطة البرلمانquot;.

اتهامات متبادلة

ويأتي الكشف عن هذه الوثيقة في وقت تصاعدت فيه قبل ايام قليلة حدة الاتهامات المتبادلة بين رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، حيث اتهم كل منهما الآخر بتكميم الافواه وقمع وسائل الإعلام وتهديد الإعلاميين والتحريض ضدهم، فيما نظم التيار الصدري الاربعاء تظاهرة وسط بغداد للمطالبة بحرية الإعلام في البلاد وابعاده عن سيطرة الحكومة.

وقالت الحكومةحول التصريحات التي اتهمت المالكي بما وصفته بتكميم الأفواه، في إشارة إلى الصدر، إن quot;من يمارس تكميم الأفواه هو الذي ينتهج اسلوب التهديد ضد المنتقدين وخصوصًا وسائل الإعلام ويحشد الأجواء ويحرض ضدهمquot;.

وأضافت الحكومة في بيان صحافي اصدره المكتب الإعلامي لرئيسها اليوم أنه quot;لا ينبغي الدفاع عن وسيلة إعلامية معينة صدرت بحقها أحكام قضائية لمخالفات تتعلق بتحريض أو غيره ومهاجمة وسائل وقنوات أخرى لمجرد الاختلاف معها رغم عدم ارتكابها أي مخالفة قانونيةquot;، في إشارة إلى اغلاق السلطات لقناة البغدادية العراقية التي تبث من بغداد وعرفت بإنتقاداتها الحادة لأداء الحكومة العراقية.

وأكدت الحكومة quot;دفاعها عن حرية التعبير وحمايتها لوسائل الإعلام ضد أي جهة تتعرض لها بالتهديد أو التجاوز وستقف بحزم ضدهاquot;، كما قالت. وجاء الموقف الرسمي العراقي هذا بعد ساعات من اتهام الصدر للمالكي بممارسة سياسة تكميم الأفواهquot;، معتبرًا أن سكوت الجميع عن ذلك سيكون quot;بداية لما هو أشد وأظلمquot;.

وفي رده على سؤال لاحد أتباعه حول quot;غلق المؤسسات الإعلامية العراقية التي تطرح في برامجها إخفاقات وسلبيات إدارة الدولة وتشخيص الخلل وفضح وكشف الفساد الحكومي المتستر عليه، وانطباعه على ما يقوم به رئيس الوزراء من تسخير بعض وسائل الإعلام بما يخدمه شخصياً وحزبياًquot;.. قال الصدر: quot;هو (المالكي) يدافع عن قناة الاتجاه وقد منع قناة البغدادية من العمل داخل العراق، فالأولى تابعة والثانية تقول الحقquot;.

وتساءل الصدر قائلاً: quot;أين ذلك من الحريةquot; مشددًا على أن ذلك يعتبر quot;سياسة تكميم الأفواهquot; محذرًا بالقول quot;إن سكت الجميع فسوف تكون هذه بداية لما هو أشد وأظلمquot;. وانتقد الصدر قرار غلق مكتب قناة البغدادية في بغداد معتبرًا اياه تكميمًا للافواه، مشيرًا إلى أنّ quot;قناة البغدادية تقول الحقquot;. ووصف الإعلام العراقي بأنه quot; لعبة بيد السلطة quot; داعيًا إلى quot;وضع ميثاق إعلامي يحفظ للجميع استقلاليته وعدم تبعيته للحكومات والاحزابquot;.

وقال: quot;وجب علينا التنويه لامور عدة بما يخص الإعلام العراقي وهي أن الإعلام العراقي وقنواته عبارة عن لعبة بيد السلطة، وهذا أمر قبيح ومستهجن ويجب أن يرفض وينبذ فوراً فلذا على البرلمانيين والمختصين العمل من اجل جعل الإعلام والقنوات الفضائية الداخلية، المرئيسة والمقروئة والمسموعة، ولاسيما قناة العراقية الموقرة والاذاعات العراقية، حيادية quot;.

وأضاف أن quot;غلق أو منع قناة البغدادية الموقرة هو قمع للحريات والاصوات المعارضة وعلى الجميع العمل من اجل عدم سيطرة فرد من أفراد الحكومة على الإعلام الحر وعموماً فانا أرفض منع القنوات بسبب كشف اوراق معارضة للحكومةquot;. وشدد على ضرورة quot;وضع ميثاق إعلامي يحفظ للجميع حريته واستقلاليته وعدم تبعيته للحكومات والاحزاب، وذلك عبر البرلمان العراقي إن اجتمع والا فعلى مسؤولي الإعلام العراقي إما الرفض أو الاستقالة من شبكة الإعلام العراقيquot;.

وكانت السلطات العراقية اغلقت قناة البغدادية في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2010 بعد أن نشرت مطالب مسلحين هاجموا كنيسة في بغداد انذاك حيث قتل ثمانية وخمسون شخصاً خلال حصار الكنيسة من قبل مسلحي تنظيم دولة العراق الاسلامية التابع للقاعدة. ثم قامت قوات أمنية بإغلاق مكاتب القناة في البصرة وبغداد.

وقد أصدرت هيئة الإعلام والاتصالات وهي هيئة مسؤولة عن تنظيم الإعلام بياناً أعلنت فيه عن قرارها بإغلاق مكاتب قناة البغدادية. وقالت quot;إن اتصال الخاطفين بالقناة واختيارها دون سواها منبراً للممارسات غير الإنسانية من شأنهما شق الصف الوطني العراقي وإثارة الفتن الدينية، وإن بث القناة لمطالب المسلحين quot;يعد بمثابة ترويج للعنفquot;، وإن التغطية الإخبارية التي تبثها قناة البغدادية تتجافى مع الموضوعية مما يشكل تهديداً للعمليات العسكرية من خلال تزويد المهاجمين بمعلومات حول العمليات الجارية لإنقاذ الرهائن.

لكن لجنة حماية الصحافيين اعتبرت أنظمة هيئة الإعلام والاتصالات بأنها quot;لا ترقى بتاتاً إلى مستوى المعايير الدولية الخاصة بحرية التعبيرquot;. وأشارت إلى عدم ملاءمة التعريفات الغامضة في هذه الأنظمة لعبارات مثل quot;التحريض على العنفquot;، وقالت بأن مثل هذه المعايير الفضفاضة وغير المحددة تستخدم من قبل الحكومات الاستبدادية لإسكات التغطية الصحافية الناقدة.

وكان مجلس النواب العراقي قرر العام الماضي اعادة فتح مكاتب البغدادية واستئناف نشاطها في العراق لكن هيئة الإعلام والاتصال العراقية أكدت مؤخرًا على استمرار تنفيذ قرارها السابق بمنع البغدادية من العمل في العراق، الامر الذي اثار استياء شعبيًا وإعلاميًا واسعًا.