يرفض غالبية الأتراك تدخّلاً عسكريًا لبلدهم في الأزمة السورية، رغم اقرار كثيرين بضرورة مواصلة الجهود الدبلوماسية وتجنيب المنطقة حربًا. ويستبعد كتاب ومحللون أتراك الاحتمال القائل بتدخل عسكري تركي وشيك في سوريا.


إسطنبول: العلاقات التركية السورية المتوترة بُعيد اسقاط دمشق للطائرة الحربية التركية، والتصريحات شديدة اللهجة الصادرة عن كلا الجانبين تثير في الأذهان سؤالاً حول الخطوة التي تعتزم تركيا القيام بها في المرحلة المقبلة، وهي التي تستضيف على أراضيها نحو 50 ألف لاجئ سوري فروا من العنف المتصاعد في بلادهم.

وفي وقت يتّقد فيه النقاش في تركيا على أشده بشأن السيناريوهات المحتملة، يتساءل البعض حول احتمال انتقال أنقرة ـ التي أدلت حتى الآن بأشد تصريحات بوسعها الإدلاء بها بشأن سوريا، والتي كانت قبل نحو عام واحد فقط تتمتع بعلاقات طيبة للغاية مع النظام السوري وعائلة الأسد ـ في المرحلة المقبلة من الحيز النظري إلى حيز التطبيق العملي.

وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو الذي تبنى القضية السورية كما لو كانت قضيته الخاصة أكد مرارًا وبمنتهى الوضوح أن بلاده لن تقف مكتوفة الأيدي حيال المظالم المرتكبة في سوريا.

تركيا في صميم الأزمة السورية... لكنّ احتمالات التدخّل العسكري غير واردة

من جهته، قال رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان إن بلاده لن تغض الطرف عن ارتكاب النظام السوري مجزرة مشابهة لمجزرة حماة، مشيرًا إلى أن الموقف التركي مما يجري في سوريا لن يقتصر على مجرد التصريحات فقط وهو ما أثار في الأذهان الكثير من علامات الاستفهام ذات الدلالة.

في الآونة الأخيرة ازدادت حدة الموقف التركي من نظام الأسد فهل يعتبر ذلك مؤشرًا على عزم تركيا التدخل في سوريا أو على أنها في مرحلة الإعداد لذلك؟

استطلاع رأي

في خضم النقاشات الجارية في هذا الصدد، نشرت الصحف نتائج استطلاع رأي أجراه مركز البحوث الاقتصادية والسياسات الخارجية (EDAM). وأشارت النتائج إلى أن 11.3% ممن شملهم الاستطلاع يؤيدون تدخلاً تركيًا عسكريًا مباشرًا ضد نظام الأسد في حين أعرب 40.3% عن عدم تأييدهم لأي تدخل في سوريا بما في ذلك التدخل بالطرق الدبلوماسية أو العسكرية.

وأظهرت نتائج الاستطلاع الذي شمل خمسة آلاف شخص في 18 محافظة من كبرى المحافظات التركية بينها اسطنبول وأنقرة أن نسبة 15.9% تؤيد مواصلة تركيا مبادراتها السياسية والدبلوماسية، وبذلك تكون الأغلبية من معارضي التدخل التركي المباشر بسوريا بنسبة تبلغ 52.2%.

بلغت نسبة مؤيدي تشكيل منطقة آمنة داخل سوريا تتولى قوات تركية حمايتها 15.4% وكانت النسبة الأقل هي نسبة مؤيدي تقديم دعم مسلح للمعارضة السورية حيث بلغت 7.9%.

ومن المفارقات أن 40% من الناخبين الذين منحوا أصواتهم لحزب العدالة والتنمية، والذي يُعتقد أنه مؤيد للتدخل في سوريا قد أعربوا عن رفضهم للتدخل المباشر.

كما وجه استطلاع الرأي بعض الأسئلة لخبراء في العلاقات الخارجية شددوا بدورهم على ضرورة مواصلة الجهود السياسية والدبلوماسية بشأن سوريا.

وفي حين أعرب 67.5% ممن شملهم الاستطلاع عن تأييدهم لهذا الخيار بلغت نسبة مؤيدي عدم التدخل بسوريا بأي شكل من الأشكال 21% وبالنتيجة تكون نسبة معارضي التدخل المباشر قد بلغت 88.5%.

مواقف أحزاب المعارضة

في وقت بلغت فيه النقاشات بشأن التدخل في سوريا حد الذروة، صدرت عن نائب كتلة الحزب القومي أوكتاي فورال تصريحات لافتة. إذ قال في مؤتمر صحافي عقده في البرلمان إن quot;ما يجري من ألاعيب يهدف إلى حماية أمن إسرائيل ويصب في المصالح القومية لها وللولايات المتحدة الأميركية. إن إسرائيل تدعم سياسة تشكيل رقعة جغرافية كردية في سورياquot;.

التدخل يعني quot;الحربquot;

علي بولاتش أحد أبرز الكتاب الأتراك قال في تصريح خص به (إيلاف) إن تركيا باتت تغرد منفردة بشأن سوريا وبأن احتمال تغيير النظام السوري ضئيل دون اتفاق القوى الكبرى، مشيرًا إلى أنه من الأصوب أن تلجأ تركيا إلى الوسائل اللينة كالحلول الدبلوماسية والحوار بدلاً من الوسائل القاسية.

كما يوجه بولاتش في معرض حديثه بعض الانتقادات لحزب العدالة والتنمية شارحًا تبعات تدخل عسكري محتمل كما يلي: quot;إن أمرًا من هذا القبيل سيجعلنا بوضع quot;طفل الحي الهزيل الذي يجعل أشقاءه الغربيين الكبار يضربون شعوب المنطقةquot; ويذكر نوعًا ما بـ quot;الثقة الكاذبة بالنفس التي تتمتع بها إسرائيلquot;، وبالتالي فإن شعوب المنطقة لن تسامحنا قطquot;.

وأشار الكاتب بولاتش إلى الانعكاسات الداخلية الكبيرة التي سيحدثها تدخل من هذا القبيل داخل تركيا نفسها مواصلاً: quot;الديمقراطية في تركيا ديمقراطية هشة تعطلت أربع مرات خلال النصف قرن المنصرم والحرب تزيد من هشاشة النظام الديمقراطي وتجعل quot;الهواجس الأمنيةquot; تحل محل الحقوق الأساسية والحريات. يخطئ من يعتقد أن quot;خطر الوصاية العسكريةquot; قد ولى تماما.

بولاتش المعروف بكتاباته اللافتة في الشأن السوري يشير إلى أن تدخلاً محتملاً في سوريا من شأنه جعل الاقتصاد التركي الهش أصلاً أكثر هشاشة، ويضيف: quot;أن الحرب تخلف دمارًا مروعًا على الاقتصاد الحقيقي وعلى الفقراء والطبقة المتوسطة، يجب ألا ننسى أننا ندين بهذا quot;الانتعاش الاقتصادي النسبيquot; إلى عدم خوضنا حروبًا كبرىquot;.

ويقول الكاتب التركي إنه في حال حصول تدخل عسكري فإن تركيا ستجد أمامها الجيش السوري البالغ قوامه 330 ألف جندي. وفي إشارة إلى الحرب العراقية الإيرانية التي دامت ثماني سنوات وأودت بحياة مليون شخص، يؤكد بولاتش أن دول المنطقة لن ترحب بتدخل تركي في سوريا كما يلفت إلى أن حربًا محتملة ستعرض السلام الاجتماعي في تركيا إلى quot;الخطرquot;.

ويضيف قائلاً: quot;يصعب التكهن بالمسار الذي ستدخله المشكلة الكردية (في حال حصول تدخل عسكري في سوريا) كما يجب أن يوضع في الحسبان التأثير الذي سيخلفه تدخل من هذا النوع على العلويين في تركيا والبالغ تعدادهم نحو عشرين مليون نسمةquot;.

جان: تركيا لا تفكر بالتدخل في سوريا

من جهته يرى رئيس تحرير صحيفة quot;رايكالquot; ذات التوجه اليساري أيوب جان أن أحدًا لا يرغم تركيا على التدخل، ويشير إلى أنه ورغم التقدير الذي تكنه الولايات المتحدة الأميركية للجهود التركية (بشأن سوريا) إلا أنها تتابع بقلق ـ من حيث سياستها الخارجية ـ التصريحات شديدة اللهجة الصادرة عن أنقرة مشيرًا إلى أن quot;الرئيس الأميركي باراك أوباما لا يريد بأي شكل من الأشكال تدخلاً عسكريًا في سوريا قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في تشرين الثاني/نوفمبر المقبلquot;.

كما يصف جان الموقف التركي من المعارضة (السورية) بالمبالغ والملتزم زيادة عن الحد قائلا: quot;رغم ذلك فإنه ليس ثمة عاقل في أنقرة يعتقد أن تركيا ستقوم منفردة بالتدخل العسكري في سورياquot;.

ويرى أيوب جان أن أكثر ما بوسع تركيا القيام به الآن هو تشكيل منطقة عازلة في المنطقة الحدودية مع سوريا، مشيرًا إلى أن الأسد ينتقد تركيا من جهة ويواصل حملاته الأمنية من جهة أخرى لعلمه بمدى أقصى حد يمكن لتركيا الذهاب إليه.