الإخوان يحكمون مصر

في أقل من عام ونصف العام من التطورات السياسية العاصفة حقق أقوى تنظيم إسلامي في مصر إنجازًا مرّ زمن ما كان حتى ليخطر على بال أن يحدث فيه كهذا. إذ انتقل الأخوان المسلمون من جماعة ممنوعة اعضاؤها ملاحقون الى تسلم مقاليد السلطة في أكبر بلدان العالم العربي سكانًا.


لندن: فاز إسلامي بأول انتخابات رئاسية ديمقراطية في مصر. وبعد أسبوع من التأخيرات المصحوبة بالتوتر وكلمة ألقاها رئيس اللجنة الانتخابية العليا لمدة ساعة تقريبًا يوم الأحد أعلنت اللجنة فوز محمد مرسي مرشح الإخوان المسلمين بالرئاسة متقدمًا على منافسه أحمد شفيق آخر رئيس وزراء في عهد حسني مبارك، بفارق بسيط.

واحتشد آلاف من مؤيدي الاخوان المسلمين في ميدان التحرير وسط القاهرة يوم الأحد بانتظار الاعلان عن فوز مرسي، فيما توعد كثيرون منهم باحتجاجات واسعة في حال فوز شفيق. ولكن عندما جاء الاعلان لصالح الاخوان المسلمين انطلقت موجة عارمة من الهتافات والالعاب النارية والدموع والمعانقات.

وكانت الانتفاضة الشعبية التي انهت 30 عاما من حكم مبارك دشنت ايضا أشهرا من الاضطراب السياسي في ظل حكم المجلس العسكري المؤلف من ضباط مبارك نفسه، وقال كثير من مؤيدي مرسي يوم الأحد إن فوزه يشكل انتصارا كبيرا لثورتهم. ونقلت مجلة تايم عن محمد عبد العال الذي يعمل سمسار أسهم في بورصة القاهرة انه حضر الى ميدان التحرير quot;للاحتفال بفوز مرسيquot; الذي quot;يعني انتصار الثورة والتيار الاسلاميquot;، على حد تعبيره.

والحق أن أول رئيس منتخب ديمقراطيًا في مصر استحضر رواية النظام السابق بالكامل تقريبا عندما وضع النظام العسكري ممثلا بمنافسه شفيق في مواجهة المعارضة التقليدية ضده ممثلة بجماعة الاخوان المسلمين فيما تفتح الحقيقة الماثلة في أن مدنيا حل محل النظام العسكري في رئاسة دولة عربية فصلا جديدا بالغ الدلالة في القصة المتواصلة للربيع العربي، على حد تعبير مجلة تايم.

ولكن محللين سياسيين ومراقبين دوليين يرون ان نظرة أكثر تفحصا على هذه الانعطافة التي لا سابق لها في السياسة المصرية تكشف ان الجيش ما زال يمسك مقاليد السلطة الى حد بعيد.

فقبل ايام على جولة الاعادة في الانتخابات الرئاسية هذا الشهر قررت المحكمة الدستورية العليا، التي كانت لفترة طويلة أداة بيد النظام السابق، حل أول برلمان منتخب ديمقراطيا في البلاد كان الاخوان المسلمون يشكلون أكبر كتلة فيه.

وبعد ذلك بفترة قصيرة، بل عشية فرز الأصوات، اصدر المجلس العسكري الحاكم قرارا آخر يتولى فيه دور السلطة التشريعية التي حلتها المحكمة الدستورية ويحتفظ بالسيطرة الكاملة على شؤون القوات المسلحة ويمنح لنفسه صلاحية تعيين لجنة كتابة الدستور الجديد.

ومع اتساع الحشد المحتفل في ميدان التحرير الى مئات الألوف مساء الأحد حذر مسؤولون في جماعة الاخوان المسلمين انصارهم من العودة الى بيوتهم قبل الأوان داعين الى مواصلة الاعتصام حتى يتراجع المجلس العسكري عن اعلانه الدستوري المكمل. وقال المهندس أحمد جمعة quot;إن هذا منعطف في حياة مصر ولكنه لا يعني اننا انجزنا المهمة وسنعود الى بيوتناquot;.

واضاف جمعة quot;نحن نريد استعادة البرلمان ونريد ان يمارس الرئيس سلطاته كاملةquot;. ومثل هذه الخطابية يمكن ان تؤدي الى مواجهة عنيفة مع العسكر في الأيام المقبلة، كما ترى مجلة تايم.

ولكن محللين قالوا إنه من المستبعد ان تذهب جماعة الاخوان المسلمين بعيدا في الرهان على الثقة المكتسبة حديثا بنفسها. فان مرسي فاز بهامش يقل عن مليون صوت من اصل 50 مليون صوت ادلى بها الناخبون المصريون وان هذا يترك لدى عدد كبير من المصريين بينهم نحو 48 في المئة من الذين شاركوا في جولة الاعادة، إحساسا بالقلق والتهميش في حال مجيء حكم اسلامي.

وقال المحلل الاستراتيجي والسياسي سامح سيف اليزل ان الحكم quot;سيكون نظاما اسلاميا، ادارة دينيةquot; وان مرسي quot;سيكون محاطا بالاخوان المسلمينquot;. ويردد الضابط المتقاعد سيف اليزل مخاوف روّجتها وسائل الاعلام الرسمية وحملة شفيق محذرة من ان مرسي سيفرض الشريعة الاسلامية.

ولكن جوشوا ستاكر العالم السياسي والخبير في شؤون مصر في جامعة كنت الاميركية يرى ان من المستبعد ان يكون مرسي قادرا على فرض أي شيء في وقت تقع السلطة التشريعية والقوات المسلحة وربما حتى قوة الشعب خارج سيطرته، وان العسكر لم يجردوا السلطة الرئاسية من عناصر اساسية فيها فحسب بل ان الجهاز البيروقراطي الضخم الذي سيرثه مرسي ما زال quot;يرتبط ارتباطا وثيقاquot; بالنظام السابق وقد يكون عقبة كأداء في طريق أي مبادرات يحاول مرسي ان يتخذها في الأشهر المقبلة، كما يضيف ستاكر.

ويتابع الخبير الاميركي قائلا ان ذلك quot;جعل المجلس الأعلى للقوات المسلحة أشبه بالملك. فهو يمنح العسكر هذه الرافعة الكبيرة من السلطة التنفيذية والتشريعة فيما يُنحى باللائمة على آخرين انبثقوا من صندوق الاقتراع. وهو يجعل الاخوان المسلمين وخاصة مرسي مسؤولين في كل مرة لا تُحل فيها مشاكل مصر البنيوية المستمرة مثل الاقتصاد والسياحةquot;.

وبالتالي ان فوز مرسي في الوقت الذي عمل على تفادي مواجهة كارثية في الشوارع فان الاخوان المسلمين ربما وقعوا في مصيدة ذكية للغاية. وكان مرسي الذي درس الهندسة في الولايات المتحدة وعد في كلمته مساء الأحد بالعمل من اجل الوحدة الوطنية ومد غصن زيتون الى العسكر.

ويقول الخبير بالشؤون المصرية ستاكر ان مرسي سواء أكان تصالحيا تجاه الجيش أو لم يكن فانه وُضِع في موقف يؤدي به الى الفشل. فهو إذا أذعن قد يسمح له العسكر بالبقاء ولكنه سيفقد مصداقيته في الشارع. ومن الجهة الأخرى quot;إذا استخدم مرسي مؤسسة الرئاسة لحشد التأييد الدولي وبناء ائتلاف داخل مصر فان هذا سيهدد المجلس الأعلى للقوات المسلحة وهم سيبحثون عن فخ قانوني من نوع ما للايقاع بهquot;.

انه مأزق ينتظر الرئيس الجديد ولكن حل البرلمان المصري المنتخب ربما قدم مثالا مفيدا. وعلى حد تعبير القاضي المصري المعروف سامح السروجي فان مشكلة البرلمان تتمثل في انه تحدى القضاء. ونقلت مجلة تايم عن السروجي quot;ان بعض اعضاء البرلمان حاولوا توجيه الرأي العام ضد القضاءquot; وخاصة بعد اعتراض النواب على الحكم المتساهل الذي صدر على مبارك.

واضاف السروجي ان مرسي يبدو اكثر استعدادا للالتزام بقواعد اللعبة. ومن شأن ذلك ان يجعله رئيسا بلا اسنان ولكن كما ذهب بعض المصريين فانه على الأقل رئيس منتخب، وهذا أمر لم يحدث من قبل.