وصل اليسار إلى الحكم في فرنسا بعد فوزه في محطتين سياسيتين أساسيتين في الحياة السياسية الفرنسية، ويتعلق الأمر بكل من الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وهذا كان معناه تحولاً كبيرًا ينتظر طريقة تدبير العديد من الملفات، وعلى رأسها ملف الهجرة.


وزير الداخلية الفرنسي مانويل فالص

بوعلام غبشي من باريس: اليسار الفرنسي عرف بتعاطيه الإنساني مع سؤال الهجرة، وذلك بجميع مكوناته، التي تتقاسم الرؤية نفسها في هذا الشأن، وإن كان بدرجات متفاوتة بين صفه المعتدل ونظيره المتشدد، كما إن الغالبية الساحقة من الفرنسيين المنحدرين من أصول أجنبية، خاصة مغاربية وأفريقية، تتعاطف معه، وتصوّت لمصلحته بكثافة.

وللمرة الأولى يطرح وزير الداخلية الجديد مانويل فالص إلى العلن الرؤية التي ستعتمدها حكومة جان مارك هيرو لفتح ملف الهجرة. رؤية حافظت على صبغتها اليسارية ذات الكنه الإنساني، وإن كانت لم ترق جميع أطراف اليسار، وخصوصًا اليسار الراديكالي، الذي انتقد أحد رموزه الوزير الشاب بشدة.

أوليفييه بزونسنو، أحد قياديي هذا الصف السياسي، والذي سبق له أن خاض معركة الانتخابات الرئاسية، وصف وزير الداخلية الفرنسي الاشتراكي بكونه رجل quot;ساركوزيquot; نسبة إلى الرئيس اليميني السابق نيكولا ساركوزي الذي عرف بسياسته المتشددة تجاه الهجرة.

وكان رد الشرطي الأول في فرنسا واضحًا على أنه لا يطبّق quot;سياسته الخاصةquot;، وإنما quot;سياسة الرئيس فرانسوا هولاند ووزيره الأول جان جاك هيروquot;، نافيًا في الوقت نفسه أن يعتمد سياسة متراخية تجاه الهجرة، كما اتهمه بعض أطراف اليمين بذلك.

أما منظمة quot;فرنسا أرض المنفىquot; فرأت في موقف فالص quot;الحجرة الأولى في تحول كثيرًا ما انتظرتهquot;، فيما كان لأولفييه بزانسنو، quot;القيادي في الحزب الجديد المعادي للرأسماليةquot;، رأي مخالف، حيث اعتبر تصور الحكومة في معالجة ملف الهجرة quot;أول خطأ سياسي كبير لهاquot;.

تدابير جديدة لتسوية وضعية المهاجرين من دون أوراق
أكد وزير الداخلية الفرنسي أن عدد المهاجرين من دون أوراق، الذين ستعتمد في تسوية وضعية البعض منهم منهجية quot;حالة بحالةquot;، سوف لن يتعدى العدد المتعارف عليه منذ أن كان اليمين في الحكم، أي 33 ألف شخص سنويًا، مستثنيًا بذلك أية تسوية مكثفة لوضعية هذه الشريحة.

وأعلن الوزير الفرنسي أن مرسومًا يحدد شروط تسوية وضعية المهاجرين من دون أوراق هو في طور الإعداد، وسيتمحور حول عدد السنوات التي قضاها المهاجر المعني في فرنسا والشغل وعلاقاته العائلية، كما أوضح أنه ستستمر الحكومة اليسارية في عمليات إبعاد المهاجرين غير الشرعيين نحو بلدانهم من دون أن يعلن عن أي رقم بهذا الخصوص.

من جانب آخر، وقع فالص أخيرًا مرسومًا يوقف وضع أسر مهاجرين من دون أوراق في مراكز الاعتقال وفقًا لضوابط معينة، كما يرتقب أن يمضي مرسومًا ثانيًا سيمنح مضمونًا جديدًا لعملية الحصول على الجنسية الفرنسية للراغبين في ذلك، والذين قدر عددهم بأربعين في المئة سنتي 2011 و 2012.

في الشق التشريعي، سينكب وزير الداخلية الفرنسي على مشروع قانون يهدف إلى خلق بطاقة إقامة جديدة مدتها تحدد في ثلاث سنوات، ومشروع قانون ثانٍ يمنع وضع المهاجر من دون أوراق تحت الحراسة النظرية بتهمة أنه يقيم في فرنسا بطريقة غير شرعية.

الحكومة اليسارية ترفض أن تتحدث عن أي هدف بالأرقام في هذا الخصوص عكس ما تعودت عليه الحكومات اليمينية السابقة معتبرة إياها متناقضة مع منهجية تسوية وضعية المهاجرين من دون أوراق quot;حالة بحالةquot;.

وقال مانويل فالص: quot;أن نكون من اليسار لا يعني تسوية وضعية الجميع ونلقي بأنفسنا في مأزق. يجب اتباع سياسة جمهورية تنسجم مع القيم الفرنسية، وتأخذفي الاعتبار الوضعية الاقتصادية والاجتماعية التي يوجد فيها بلدنا ووضع كذلك مجموعة من الشروطquot;.

المرابط: من الطبيعي أن يعرف قطاع الهجرة مقاربة جديدة في عهد اليسار
يرى عمر المرابط، وهو إطار جمعوي في قطاع الهجرة، أنه من quot;الطبيعي، بل ومن الضروري، أن يعرف ملف الهجرة مقاربة جديدة في ظل حكومة اليسار. فجوهر الخلاف بين اليمين واليسار هو هذا الموضوع بالضبطquot;.

ويعتقد quot;أن اليسار لن يقوم بتغيير الوضع تمامًا، لكنه سيكون أكثر واقعية لعوامل عدة منها، أن مصلحة الدولة الفرنسية يعرف الداني والقاصي أنها ليست بحاجة إلى يد عاملة، بل إلى أدمغة مهاجرة، تساهم في التطور التكنولوجي لفرنسا، واليمين الفرنسي يعرف هذا أيضًا، لكنه تعامل مع هذا الملف بشعبوية مفرطة لجلب أصوات اليمين المتطرفquot;.

الأكثر من ذلك أن هذا اليمين، يقول المرابط، quot;وسم المسلمين بشتى الصفات القبيحة، وبنى حملته على ذلك، وحمدًا لله هزم الجمع الذي كان يحيط بساركوزي، ونحن نسمع الآن أن حزبه سيراجع تموقعه السياسي في هذا الباب خاصةquot;.

ويؤكد بشأن اليسار أنه quot;سيحاول احترام المواثيق الدولية المرتبطة بحقوق الإنسان، كعدم تجريم المقيمين بصفة غير شرعية، والتعامل معهم بشكل غير لائق، وكأنهم أصحاب جنايات يسجنون مع أخطر المجرمينquot;.

بخصوص رأيه حول التدابير التي أعلنها وزير الداخلية الجديد مانويل فالص بشأن سؤال الهجرة، يجيب المرابط، quot;مانويل فالص، وهو الإسباني المجنس في سن العشرين، عيّن في هذا المنصب لأنه اليساري الأكثر تشددًا في هذا الموضوع، لكنه سيغيّر حتمًا أخطاء اليمين الكبرى في هذا المجالquot;.

ويعتبر في الإطار نفسه أن بعض التدابير التي اتخذها تسير quot;في الاتجاه الصحيح، ونتمنى أن تكتمل. وأذكر على سبيل المثال اقتراح إعطاء توصيل لكل شخص تراقبه الشرطة، وهو ما سيبيّن ما يتعرّض له أبناء المهاجرين من مضايقات طيلة اليومquot;.

وعبّر في الأخير عن أمله في quot;أن تسير الحكومة الحالية في الطريق الصحيح، وتكون لديها الجرأة الكافية لتحقيق وعودها، ومنها إشراك المهاجرين في الانتخابات البلدية المقبلةquot;.