بابتسامتها كانت تحرك كل شيء حولها، بل إن كل من عاشرها وجلس معها كان يتحدث عنها، لم تتخيّل يومًا أن يلقيها المرض طريحة الفراش بل ولم تسعفها ذاكرتها في تصديق أن ورمًا كبيرًا يتغلغل داخل رأسها، وهي التي كانت تعاني آلام المخاض منتظرة ولادة طفلها الأول وخروجه الى الحياة . ايلاف كشفت الغطاء عن أكثر القصص إنسانية ونجاحاً في عالم المرض وأعدّت هذا التحقيق.


صداع ، وقيء، من مستشفى إلى أخرى بحثًا عن سبب الصداع الذي لا يفارقها إلى أن استقر بها الحال في إحدى مستشفيات غزة لتكتشف أنها تعاني من كتلة سرطانية كبيرة في الرأس، وبالخط الأحمر العريض يتوجب عليها إجراء عملية سريعة لاستئصالها .

لكن كان يمنعها أنها حامل في الشهر التاسع وأنها بعد الولادة يتوجب أن تجري العملية .
بأمل وصبر تلقت الأخبار والصدمات المتوالية، لم تثنِها عزيمتها أن تضعف أمام المرض بل واصلت بكل إصرار ونجحت في كسر حاجز الخوف، بأمل كبير في الحياة

اكتشفت أن لديّ quot;ورمًاquot; كبيرًا في الدماغ..

ليندا على سرير الشفاء

تقول ليندا: quot;أنا متزوجة وعندي طفل صغير بدأت أعراض المرض أشعر بها كثيرًا أثناء حملي كنت أشعر بالصداع الفظيع وكنت أتقيء من وقت إلى آخر، في البداية كنت أعتقد أن هذه الأعراض ناجمة عن الحمل ، لكن بعد اشتداد الصداع ذهبت إلى المستشفى وطلبوا مني صورة للرأس
علمًا أن الأطباء أخفوا عني المرض خوفًا منهم على صحة الجنين إلى أن تمت عملية ولادتي في الشهر التاسع، بعدها اكتشفت أن لدي ورمًا كبيرًا في الدماغ ناجم عن كتلة سرطانية وأنني يجب أن استأصل الورمquot;.

وتتابع ونبرة الحزن بدأت تشق طريقها لم أكن أعلم نتائج العملية التي أجريتها لكن بعدما استيقظت من العملية اخبرني الطبيب أني مكثت ثلاثة أيام في الغيبوبة، وأن الجزء الأيسر وبشكل طولي قد تأثر بالعملية ونجم عنه شلل رباعي.

وتضيف:quot; بعد ذلك تم تحويلي إلى مستشفى الوفاء دخلت المستشفى ووضعي صعب للغاية وفاقدة للحركة تمامًا ، وبدأ مشوار علاجي ، هذا التحسن كان بشكل تدريجي ، أولاً شعرت بالاتزان ثم بدأت أقف على قدميّ وصولاً إلى تحريك يديّ واعتمادي على نفسي في ممارسة الأنشطة الحياتية اليومية ثم بعد شهرين أصبحت أمشيquot; .

رحلة علاج محفوفة بالإرادة ...

وتواصل حديثها لمراسلة ايلاف والابتسامة لا تفارقها بأنها quot;في البداية كنت أشعر بالضيق لعدم سهولة مرضي لكنني وبفضل الله وبإرادتي تأقلمت مع المرض واستطعت بمساعدة الطبيب وفريق مستشفى الوفاء للتأهيل أن انتصر على مرضي واليوم ها أنا أعود الى الحياة من جديد وأنا غير مصدقة هذاquot;.

وتتابع:quot; أولاً شعرت بالصدمة لكن تطمينات الأطباء هي من أرجعتني إلى توازني، ولا أخفيكم أنني كنت فاقدة الأمل بأن أعود إلى حياتي السابقة فمرض السرطان ثم الشلل الرباعي اللذان أصاباني قد يجعلان أي إنسان يصاب بالإحباط لكن حينما رأيت حالات مماثلة لي كان ذلك يعطيني إصرارًا على المواصلة والشفاءquot;.

مبسوطة والحمد لله ..

محاولات للمشي بعد رحلة العلاج
مرة جديدة تعود الابتسامة ترتسم على شفتيها حينما سألتها مراسلة ايلاف ما بعد المرض ؟ فهي تقول: quot;أطمح أن أواصل حياتي السابقة وأن أعود إلى أهلي وبيتي وطفلي الرضيع ، سأكمل مشواري وألتحق بسلك التعليم لأصبح مدرسة وأربي الأجيالquot;.

وتابعت:quot;أهلي ساندوني ووقفوا إلى جانبي وطاقم المستشفى لا أنسى فضله ، كنت أشعر وأنا في المستشفى كأنني أعيش في بيتي وأنني لست مريضة بالمطلق وهذا ضمن العلاج النفسي الذي تلقيته وجعلني أتحسن تدريجيًا quot;.

ايلاف زارت الطاقم المرافق لحالة ليندا وتعرفت على الحالة عن قرب ...
د. أيمن عنبر الأخصائي المشرف على حالة ليندا يقول: quot;جاءتنا ليندا وهي في حالة يرثى لها فقد كانت تعاني من شلل ، ولعثمة في الكلام وازدواجية في الرؤيةquot;.
وتابع:quot; بعد العملية بأسبوعين تم تحويلها من مستشفى المقاصد في القدس إلى الوفاء للتأهيل الطبي على إثرها أصيبت بشلل رباعي في الجزء الأيسر quot;.

وأضاف:quot;تم إعداد خطة علاجية متكاملة تشمل العلاج الوظيفي والدعم النفسي والاجتماعي ذلك تم من خلال استشاري العيون والتواصل مع المستشفى التي أجرت فيها عملية استئصال السرطانquot;.

وتابع:quot; تحسنت ليندا وقد ظهر ذلك واضحًا من خلال استعادة الكلام واختفاء اللعثمة التي كانت مصاحبة لها ثم بدأت بالتحرك إلى أن وصلت إلى استعادة قدرتها على المشي بعد فقدان الأملquot;.

آراء الأخصائيين ...
أم أسامةquot;الممرضة التي تابعت حالة ليندا تقول:quot;المريضة كانت متجاوبة وكانت لديها إرادة قوية ، كانت تساعد نفسها من أجل إكمال العلاجquot; .

وتشاركها الرأي quot;فاطمة كرسوعquot; أخصائية العلاج الطبيعي: quot;ليندا دخلت طريحة ، لا تتحرك بالمطلق بدأنا معها رحلة علاجية طويلة اشتملت على تمارين علاجية في السرير وتمارين لاستعادة النشاط ، أيضا كانت تقوم بمساعدتنا بإجراء تمارين للوقوف عن طريق جهاز التوقيف .

ما ميز حالة ليندا أنها وطوال رحلة العلاج كانت ترفض في البداية برنامجها العلاجي لكن بعد إصرار الممرض المشرف اصبحت لديها إرادة قوية لتخطي المرض وتقوم بالعلاج على أكمل وجه .

وضع اقتصادي سيىء .....
الأخصائية quot;انتصار الدهيني quot;تتحدث عن حالة ليندا من جانب اجتماعي فتقول لمراسلة ايلاف: quot; ليندا إنسانة متزوجة وهي أم لطفل واحد ،تتحدث بطريقة جيدة ولها علاقات اجتماعية واسعة .
عندما دخلت إلى المستشفى كانت لا تتحدث إلا القليل جدًا ،كانت مصابة بحالة اكتئاب ناتجة عن الوضع العلاجي وكذلك عن مرضها ،وبعد خضوعها لبرنامج التفريغ الانفعالي بدأت تستجيب لبعض الحديث إلى أن كانت تجلس لساعات تتحدث مع الطاقم المرافق لحالتهاquot;.

وتابعت:quot; يوم الخميس كان مخصصًا لزيارة أهل زوجها أو أهل أمها ذلك كان يعطيها الدافع الكبير والإرادة القوية من أجل مواصلة العلاج ، فعندما كانت تعود من بيتها كنا نلمس تحسنًا واضحًا في صحتها الجسدية وكذلك النفسيةquot;.

وتختم حديثها لمراسلة ايلاف أن الوضع الاقتصادي سيىء للغاية، وأنها تحتاج حتى بعد الخروج من المستشفى إلى متابعة من أجل الاطمئنان على صحتها بين الفينة والأخرى وهذا الأمر يتطلب الكثير من المال الذي تفتقده عائلتها .

وتأمل الدهيني أن تكون هنالك بعض المساعدات لحالة ليندا على المستوى الصحي والاقتصادي من أجلأن تواصل حياتها بشكل أكبر.

ومن الجدير بالذكر أن مستشفى الوفاء للتأهيل الطبي تقوم باستقبال حالات تحتاج إلى تأهيل حركي ونفسي لكنها تفتقد في كثير من الأحيان إلى الدعم المالي من أجل مواصلة الاعتناء بالمرضى .

غادرت ليندا المستشفى وهي تحلم بأمنيات كبيرة كحجم الفرحة التي ملأت قلبها ، وسط أجواء الدهشة من قدرتها على تخطي مرض السرطان وانتصارها على الشلل الرباعي، بلهفة تنتظر رؤية طفلها الذي وضعته أثناء مرضها ، وبأمل كبير تحلم أن تتلقى الدعم المالي والصحي الذي يجعلها تواصل حياتها.