بيتر أراد أن يعيش حياة إسلامية في وزيرستان

يعتقد أن أكثر من 200 من الاسلاميين قد غادروا المانيا للانضمام الى quot;الجهادquot; في باكستان. لكن بعد أن رأوا ما هي الحياة التي يعيشها quot;الجهاديونquot; هناك، تخلى معظمهم عن القضية وعادوا أدراجهم ليقعوا في يد القانون الذي لا يرحب بهم.


لسنوات طويلة، كانت المنطقة الجبلية على الحدود بين أفغانستان وباكستان بمثابة محجة لهذا النوع من النشطاء الإسلاميين. وغادر أكثر من 200 متطوع من ألمانيا، ليسافروا وحدهم أو مع عائلاتهم إلى وزيرستان. اولئك الذين ذهبوا أول ما ظهرت بعد ذلك في أشرطة فيديو الإنترنت لتجنيد المزيد من المتطوعين.

في هذا السياق، أشارت صحيفة quot;دير شبيغلquot; الألمانية إلى أن الذين سافروا إلى وزيرستان، عادوا ليظهروا في أشرطة الفيديو المصورة واعدين من يلحق بهم بـ quot;جنة على الأرضquot;، أو على الأقل تمهيداً لذلك. ويعتبر المسؤولون عن إنفاذ القانون الألماني، أن المقاتلين الإسلاميين هم quot;كابوس وأكبر تهديد للأمن الداخليquot;.

لكن على الرغم من الوعود الكثيرة، بدأت هذه الموجة تشهد حركة عكسية، فعدد المتطوعين في صفوف المقاتلين آخذ في الانخفاض، في حين العديد من الذين رحلوا إلى وزيرستان يريدون العودة إلى الوطن. الظروف المعيشية في الجبال هي أكثر صرامة مما تصوره لقطات الفيديو التي تعد المقاتلين بجنة على الأرض، فالموت يمطر باستمرار من السماء على شكل صواريخ من طائرات أميركية من دون طيار.

طريق العودة تمر عادة بتركيا وتحديداً الطرق الخلفية لمدينة اسطنبول. ويحتشد ضباط المخابرات التركية والاميركية والالمانية داخل اسطنبول التي تحولت إلى واحدة من أكثر المدن المرصودة المراقبة في العالم.

واعتقل توماس ش. على خلفية مشاركته في شريط فيديو مصور في اسطنبول. أما فاتح ت. فيعتقد انه رئيس جماعة مجاهدي طالبان الألمانية المنشقة عن طالبان، واعتقل أيضاً في مطلع تموز/يونيو. أما (بيتر ب.)، فهو جهادي آخر اعتقل بعد أن أصدر مكتب المدعي العام في مدينة شتوتغارت مذكرة توقيف بحقه متهماً إياه بأنه عضو في منظمة إجرامية، وبتجنيد مقاتلين للجهاد.

اعتقل وكلاء مكافحة الارهاب الأتراك بيتر يوم 27 تموز/يونيو، وتم تسليمه إلى ألمانيا في مطلع الأسبوع الماضي. رحلة بيتر ب. وزوجته تعتبر نموذجية لجيل من الشباب المسلمين المتطرفين في ألمانيا الذين رحلوا عن بلادهم ليختاروا الجهاد، ثم عادوا ليجدوا أنفسهم في قبضة السلطات. بيتر ب. (31 عاماً) يختار اسم quot;عمارquot;، ظهر منذ سنة في شريط فيديو على الانترنت ليعلن إسلامه، وذلك بعد أن توفي صديقه.

ويعمل بيتر في محل للهواتف الخلوية وأخذ دروساً في الليل للحصول على شهادة تؤهله الدخول إلى الجامعة. في ذلك الوقت، كان بيتر يعيش في مدينة أولم النابضة بالحياة. لكن سرعان ما شهدت المدينة موجة أسلمة قوية، فتم إنشاء quot;مركز أولم الإعلام الإسلاميquot;، حيث عمل بيتر كسكرتير الجماعة وأمين الصندوق.

وفي عام 2004، بدأ مكتب المدعي العام في ميونيخ تحقيقًا أوليا ضد بيتر على خلفية اتهامه بتشكيل منظمة اجرامية وبتجنيد مقاتلين. لكن التهمة أسقطت في نهاية المطاف، ليظهر مكانها اسم بيتر في التحقيق ضد خلية ساورلاند وهي مجموعة من الارهابيين الذين كانوا يعدون لهجوم في ألمانيا.

العودة من وزيرستان إلى ألمانيا

ويقول بيتر إنه أراد أن يعيش حياة إسلامية هناك، مشيراً إلى أن الأشهر الأولى كانت صعبة للغاية إذ انتقل وعائلته إلى وزيرستان ليسكن في إحدى الشقق، لكنه طرد من قبل أعضاء تنظيم القاعدة، وذلك لأن quot;عمارquot; رفض الانضمام الى المقاتلين.

quot;هناك 30 منظمة مختلفة في المنطقة، وجميعها على خلافquot;، يقول بيتر، مضيفاً أنه وعائلته اضطروا إلى النوم في الشارع لعدة أيام ثم جاء الخلاص من والدته في ألمانيا التي بعثت له مبلغاً من المال ليستأجر منزلاً من الطين ودراجة نارية.

وكانت سارة (زوجة بيتر) تشعر بالحنين إلى الوطن فيصطحبها سيراً على الأقدام إلى المحلات التجارية التي تبيع المنتجات الألمانية، مثل شوكولا quot;نوتيلاquot; ومستحضرات quot;نيفياquot;، والشوكولا الساخنة للأطفال والـ quot;بيبسيquot;. ويقول بيتر إن الفتاة التي تعمل في المتجر أرادت أن تقول له إن ثمن مشترياته يبلغ 20 روبية، فعمدت أولاً إلى عد أصابع يديها ثم قدميها، مضيفاً: quot;لم أرد أن يكون ابني غبياً هكذاquot;.

وشعر بيتر أن الحياة في وزيرستان صعبة وفوضوية، quot;فعندما ينكسر صنبور الماء، لا أحد يصلحه. ويقولون انه من المفترض أن تأتي الحافلة يومياً عند الساعة الثامنة صباحاً، وهذا أيضاً لا يحدث. انهم لا يحترمون النظام مثلنا في ألمانياquot;.

وعلى الرغم من شعورهم بعدم الارتياح في البلدة، إلا أنهم مكثوا فيها لمدة عام، إذ يقول بيتر quot;لو غادرت على الفور، كانوا سيعتقدون اني جاسوسquot;. وفي وحول بلدة مير علي، لا يسمع سوى هسيس الطائرات من دون طيار التي تضرب صواريخها المنازل المجاورة فيهتز المنزل ببيتر وزوجته. وكانت سارة تشعر بالخوف من أن هذه الصواريخ ستصيب منزلها يوماً ما.

في ذلك الوقت، كانت سارة حاملا، فأخذها بيتر إلى غرفة يسمونها المستشفى. وكان جناح الولادة عبارة عن رواق طويل بأبواب مفتوحة يتصاعد منها صراخ النساء حيث quot;يتم غسل الأغطية المتسخة بالسائل الذي يحيط بالجنين المختلط مع الدم والبراز إلى مزراب المفتوحة على الطريق العامquot;. quot;لقد كان مثل العصور الوسطىquot;، وتقول سارة مضيفة quot;عندما رأيت ذلك، قلت في نفسي إنني من المستحيل أن ألد طفلاً هناquot;.

الهروب وتسليم المجرمين

وقبل وقت قصير من الولادة - وعلى الرغم من مذكرة التوقيف بحق بيتر - قرر الزوجان مغادرة وزيرستان. وبدأت رحلة العودة إلى وطنهم في حافلة صغيرة متهالكة مستعملة من قبل مهربي المخدرات. لم يكن بيتر يرغب في العودة إلى ألمانيا، حيث يخشى من أن الناس سيصرخون quot;ارهابيquot; في وجههن أو يلقبون زوجته بـ quot;البطريقquot; إذا تجولت في السوبر ماركت في حجابها.

أما اليوم فينتظر بيتر نتيجة التحقيقات التي من الأرجح أن تنتهي لعدم كفاية الأدلة ضده. ويقول: quot;أنا لا أريد أن أكون مشكلة بالنسبة لألمانيا، ولا أريد ألمانيا أن تكون مشكلة بالنسبة ليquot;.