لم تنجح الاحتجاجات في السودان في زعزعة اركان النظام في هذا البلد، وذلك بسبب جملة عوامل، منها ضعف المعارضة وتفككها، وتنبه قوات الأمن مبكراً إلى التجمعات الجماهيرية وتفريقها بالقوة.


الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها السودان مؤخراً من أجل المطالبة بإسقاط نظام الرئيس عمر البشير الذي يحكم منذ 23 عاماً، تراجعت على خلفية النهج الذي اتبعته الحكومة في تضييق الخناق على المعارضة.

لكن سيطرة الحكومة على الموقف لا تعني أن الأوضاع في البلاد قد استقرت، ولا سيما أن الإقتصاد في البلاد في وضع سيئ ومعاناة يبدو أنها مستمرة.

في هذا السياق، أشارت صحيفة الـ quot;كريستيان ساينس مونيتورquot; إلى أن الشرطة السودانية قامت بمناورات ذكية لاختراق المتظاهرين الذين تجمعوا في أحد مساجد الخرطوم، استعداداً لتنظيم مسيرة إحتجاجية عقب صلاة الجمعة.

ارتدى رجال الشرطة السرية الزي الإسلامي (جلباب طويل) وتسللوا إلى المسجد حيث سيطروا على المحتجين وأفسدوا خطتهم في تنفيذ المسيرة.

وقال أحد الشهود إن رجال الشرطة السرية تسللوا إلى المسجد وهم يرتدون الملابس التي يرتديها المصلون من المعارضة وأدوا معهم الصلاة. لكن قبل أن تنطلق المسيرة الإحتجاجية، تحرك رجال الشرطة تزامناً مع انتشار عربات الأمن والخيالة خارج المسجد، فتم تفريق المتظاهرين بسهولة.

التظاهرات التي بدأت قبل شهر في الجامعات، وانتشرت في الخرطوم ومدن اخرى، كانت بمثابة quot;حلم يتحققquot; بأن ثورات الربيع العربي قد وصلت إلى السودان، إسوة بما حدث في مصر وتونس وليبيا.

هناك العديد من العوامل التي ساعدت على تحوّل احتجاج الطلاب إلى بداية لانتفاضة شعبية، من ضمنهافصل جنوب السودان عن الشمال منذ العام الماضي وحرمان حكومة الخرطوم من 75 % من دخلها الذي يأتي معظمه من النفط. إضافة إلى ذلك، تخوض السودان صراعات وتوترات على عدة جبهات.

في الوقت ذاته، تضاعف معدل التضخم في العام الماضي إلى 37% على خلفية العقوبات الغربية، فيما يواجه البشير تهماً بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية من قبل المحكمة الجنائية الدولية.

وعلى الرغم من أن التظاهرات كانت كبيرة وفي العديد من الأماكن، إلا أن المسؤولين السودانيين وصفوا الاحتجاجات بأنها quot;تافهةquot;، زاعمين أن من خرجوا إلى الشوارع لا يبلغ عددهم أكثر من 1000 شخص، في بلد يضم 34 مليون نسمة.

انطلقت الإحتجاجات بعد قرار الحكومة باتخاذ سلسلة من التدابير الاقتصادية، منها رفع أسعار البنزين. واعتقلت الشرطة السودانية أكثر من 2000 من النشطاء حتى الآن، وتعرض بعضهم للتعذيب من ضمنهم قادة بارزون، الأمر الذي أدى إلى إخماد حماس المتظاهرين.

ويعتبر بعض المتظاهرين والنشطاء أن النظام السوداني لديه قدرة كبيرة على التعامل مع الازمات، فهو مستعد لفعل أي شيء، فقط من أجل ضمان البقاء في السلطة.

وأشارت الـ quot;ساينس مونيتورquot; إلى أنه على الرغم من أن السلطات السودانية نجحت في مواجهة الانتفاضة الشعبية ضدها حتى الآن، إلا أن حاجز الخوف لدى السودانيين قد سقط، وصار لدى الشعب الشجاعة للنزول إلى الشارع بهدف الإعتراض والمطالبة بحقوقه.

لكن الحكومة أيضاً لعبت أوراقها بشكل جيد، كما يقول نشطاء. فالحكومة وضعت الشعب أمام سؤال: quot;ما هو البديل؟quot;، محذرة من أن التغيير سوف يجلب الفوضى والمزيد من الفساد.

وقدم مسؤولون سودانيون مسألة انفصال جنوب السودان في العام الماضي على أنها خطوة جيدة أزالت quot;الحشراتquot; من وسطهم. حتى مذكرة التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية للبشير بارتكاب جرائم حرب، تم استغلالها من قبل الحكومة السودانية من الناحية العاطفية، إذ وصفتها بمثابة quot;محكمة للأجانب تحاول إضعاف الرئيس الذي اختاره الشعبquot;.

ولجأت قوات الحكومة إلى قمع الاحتجاجات باستخدام الهراوات والطلقات المطاطية في بعض الأحيان، على الرغم من أن الناشطين يقولون إن quot;مجموعات البلطجية الموالية للنظام قد استخدمت أيضاً السكاكين والفؤوس والقضبان المعدنيةquot;.

على الرغم من اللجوء إلى القوة والعنف، إلا أنه لم يحصل أي إطلاق نار على المتظاهرين ليؤدي إلى مقتل أحد منهم، حتى يتجمهر الناس حول الجنازة فتكبر الإحتجاجات، إسوة بما يحدث في سوريا.

ونقلت الصحيفة عن طالب في الدراسات العليا قوله: quot;وكلاء النظام في السودان يسيطرون على البلاد من كافة النواحي. نحن نكره الحكومة لكن لا نملك حزباً أو إطاراً نتوحد فيهquot;.

quot;الحكومة تملك جميع مزايا البقاء في السلطة: السيطرة على قوات الأمن والجيش، ووسائل الإعلام. لكنها أيضاً تملك عيوباًquot;، وفقاً لما يقوله حسن الترابي، زعيم المعارضة الاسلامية الذي أسهم في ايصال البشير إلى السلطة ثم تحول ضده وقضى سنوات في السجن.
quot;التفكك في البلاد، واستكمال قمع سياسي جعل الناس تعترض. نحن لا نريد فراعنة مثل مصرquot;، يقول الترابي في إشارة إلى الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، مضيفاً: quot;نحن شعب حر تاريخياً، عاش في الصحراء ولا يحتمل أية رقابة أو احتكار للسلطةquot;.

وأضاف: quot;أنا واثق تماماً ان كل أنحاء السودان تخوض حرباً من أجل الحصول على الحرية ضد الدكتاتورية. الحكومة ستواصل اتخاذ إجراءات صارمة وسيتم سجن عدد أكبر من الناس، الأمر الذي سيجعل الناس أكثر غضباًquot;.