مصرية تبكي عمر سليمان

أكد الخبير أحمد عز الدين لـ quot;إيلافquot; أن نائب الرئيس المصري السابق عمر سليمان لم يكن محسوباً على مبارك، وأنه كان يترفع عن الرد هاتفياً على وزراء في النظام السابق، وأن سوزان ثابت شكلت quot;رأس الرمحquot; لإقصائه، كاشفاً النقاب عن أن سليمان أعلن أنه سيقاتل إسرائيل.


لا يزال الغموض يكتنف شخصية مدير الاستخبارات المصرية العامة السابق اللواء عمر سليمان، وجاءت وفاته لتضع المزيد من علامات الاستفهام حول طبيعة علاقته بالنظام المصري السابق، وما اذا كان محسوباً عليه، وفقاً لتأكيدات المراقبين، وهل كان من الضروري عزله سياسياً لفساده، أم أنه بات الشخصية المفترى عليها؟

هذه الاسئلة وغيرها يجيب عنها الخبير الاستراتيجي والكاتب المصري احمد عز الدين في حوار مع quot;إيلافquot;، مشيراً الى أن مصر فقدت شخصية سياسية وأمنية من الطراز الأول، باعتراف قادة وخبراء دول العالم، فكان اللواء الراحل عمر سليمان quot;رجل ظلquot;، وغير مسموح له أو لغيره بالإفصاح عن اسرار عمله الوطني، ولعل ذلك كان سبباً في quot;تجاسر العملاء والخونة عليه واتهامه بما ليس فيهquot;، غير أن هناك بعض اللقطات التي يمكن من خلالها القاء الضوء على وطنية سليمان.

الوطنية في رأيك هي ولاء عمر سليمان ومدى تنفيذه لأوامر نظام مبارك؟

يجب أن نزن الأمور اولاً، ونضع دائرة حول الشخصية التي نتحدث عنها، لنعرف من هي وما الدور الذي كانت تقوم به لنتمكن من الحكم عليها جيداً، فاللواء الراحل عمر سليمان مدير الاستخبارات العامة السابق، كغيره من القيادات الاستخباراتية على مستوى العالم، كانت مهمته تنحصر في حماية امن بلاده القومي، بمعنى أن مسؤوليته المباشرة كانت تقتصر على كشف وإحباط ومواجهة التهديدات التي تمس أمن البلاد داخلياً وخارجياً، وليس لمدير الاستخبارات أية مسؤولية في اتخاذ القرار السياسي عند الحديث عن أي هدف، فالمسؤول عن ذلك هو رأس النظام (رئيس الجمهورية)، فمدير الاستخبارات يطرح على رئيس الجمهورية ما بين 1 الى 6 خيارات تدريجية للتعامل مع الهدف، تبدأ من تحديد طبيعة التهديد وحجمه وآثاره، ووضع اليات مواجهته، ويفاضل رئيس الجمهورية بين تلك الخيارات.

كأنك تحاول اقناعنا بأن اللواء سليمان كمدير للاستخبارات العامة المصرية، لم يكن له دور أو وصايا على الاقل بشأن العديد من القرارات السياسية والأمنية التي اتخذها النظام السابق؟

اؤكد لك هنا الحيادية التامة التي كان سليمان وجهاز الاستخبارات المصرية العامة يتعامل بها مع قرارات النظام السابق، وتقتضي الامانة في هذا الصدد أن اؤكد على واقعة موثقة، تترجم طبيعة العلاقة بين اللواء عمر سليمان وجهاز الاستخبارات العامة بشكل عام والرئيس المصري السابق، إذ كان مبارك تلقى من الاستخبارات العامة تقريراً حول تعرض امن البلاد القومي للتهديد من خلال مجموعة تمارس نشاطاً استخباراتياً داخل إحدى السفارات العربية في القاهرة، وتضمن التقرير التحذيري معلومات حول نشاط هذه السفارة، وأهداف المجموعة التابعة لها، ومساعيها الرامية الى تجنيد شباب مصري، وبناء حزب سياسي في مصر مدعوماً من تلك الدولة، لتفعيل مخططها الرامي الى المساس بأمن البلاد القومي.

عز الدين مع مراسل إيلاف

رغم وصول تلك المعلومات الى مؤسسة الرئاسة ولرئيس الجمهورية السابق، إلا أنه لم يحرك ساكناً، فاضطر الجهاز الى التعامل مع الهدف باستراتيجية (المراقبة المكشوفة)، وهو إشعار الهدف بأنه مراقب وكافة تصرفاته واضحة، الأغرب من ذلك أن رئيس الدولة العربية التي ابلغتها سفارتها في القاهرة بإنكشاف مخططها، اتصل بمبارك واعرب عن تذمره من تعامل الاستخبارات المصرية العامة مع سفارة بلاده، وادعى أن ذلك يهدد العلاقات الوطيدة بين بلاده ومصر، من ذلك يتضح أن الفصل في الامور والقرار السياسي، يعود الى رئيس الدولة وليس لمدير الاستخبارات العامة.

حديثك عن اللواء عمر سليمان ينُم عن دفاع مستميت؟

انا لا أدافع عن أشخاص، لكن الحقيقة التي لا يعلمها الكثيرون أن سليمان لم يكن محسوباً على نظام مبارك، وكان مبعداً رغماً عنه عن تلك الدائرة التي تدير البلاد، فلم يكن اللواء الراحل في يوم من الايام بعيداً عن وطنه الام، ومن يشيع عكس ذلك هو في الحقيقة ظالم لبلده قبل ظلمه لعمر سليمان.

ما تعليقك، اذن، على تهليل وسائل الاعلام العبرية إبان ترشح اللواء عمر سليمان للرئاسة، ونعي قادة اسرائيل له بعد وفاته؟

نعي اسرائيل لسليمان يدخل في اطار البروتوكولات المتعارف عليها بين الدول، فاللواء عمر سليمان لا يفتقر الى المزايدة على وطنيته، فمدير الاستخبارات العامة السابق تسلم الملفين الفلسطيني والإسرائيلي من الخارجية المصرية في فترة متأخرة بعدما شابهما من عوار، صحيح أن وسائل الاعلام العبرية تسابقت بالتهليل إبان ترشح سليمان للرئاسة، الا أنها كانت تعلم أن ذلك يسيء اليه ويقلل من شعبيته، وهذا هو ما كانت ترغب فيه تل ابيب بالفعل، فإذا كانت وسائل الاعلام الاسرائيلية حيادية، فكان من الواجب عليها في المقابل أن تبرز في تقاريرها الموسعة دور سليمان في مساعدة المقاومة الفلسطينية على إدخال الاسلحة عبر الانفاق من مصر الى قطاع غزة، لدرجة أن اسرائيل استعانت بأجهزة بالغة الدقة والتقنية من الولايات المتحدة لإحباط هذه العمليات، كما أنه على اسرائيل إبراز دور عمر سليمان في اعلانه الواضح امام التنظيمات الفلسطينية خلال اجتماع مبكر بها في القاهرة، أنه سيقاتل الى جانب المقاومة ضد اسرائيل، على تل ابيب ابراز الوثائق التي اكد فيها سليمان على حتمية الاستعداد لخوض مواجهة مسلحة ضد اسرائيل، وتكفي الاشارة الى أن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، قام بتهنئة اللواء عمر سليمان شخصياً إبان ترشحه لرئاسة الجمهورية، واعتبر مشعل في حينه أن ترشح سليمان للرئاسة سينقذ مصر والمنطقة من أزمتها السياسية والأمنية.

قصور سليمان كان واضحاً في إدارة ملف السودان؟

اتحفظ على تعبيرك quot;قصورquot;، فإذا عرف الرأي العام الحقيقة لأشفق على هذا الرجل، فالاستخبارات المصرية العامة لم تحمل ملف السودان والقرن الأفريقي ودول حوض النيل الا منذ سنوات وجيزة، وكان الملف بكامله بما في ذلك المشروعات الزراعية في السودان موكلاً للوزير الاسبق يوسف والي، وما فعلته الاستخبارات العامة واللواء الراحل عمر سليمان تحديداً مع هذا الملف الشائك هو علاج القصور بل التخريب الذي الحقه به يوسف والي.

برأيك كيف كانت علاقة عمر سليمان بأطراف النظام السابق؟

الحديث في تلك الاشكالية يطول جداً، الا أن ما يمكنني قوله وأود ايضاحه، أن سليمان كان يترفع عن الرد هاتفياً على قادة بارزين في نظام مبارك، وكان في طليعة هؤلاء وزير الزراعة الاسبق يوسف والي، واقتصرت الاتصالات بينهما على مدير مكتب سليمان فقط، على خلفية اعتراض واستنكار سليمان لممارسات والي غير المشروعة، كما أن سليمان لم يكن راضياً على الاطلاق عن أداء عدد ليس بالقليل من دوائر صنع القرار، ولعل ذلك هو ما ابعده عن دوائر الحزب الوطني المنحل، خاصة لجنة السياسات التي كان جمال مبارك اميناً عاماً لها، واود أن اتطرق هنا الى واقعة بعينها، فعندما دعت بعض القوى السياسية الى حل مجلس الشعب القديم، نظراً لما شاب انتخاباته من تزوير صارخ، طلب الحزب الوطني المنحل ايجاد ثغرة للخروج من تلك المعضلة، فاقترح احد الفقهاء القانويين في حينه نفس الطرح، الذي حاول الإخوان المسلمون تفعيله حالياً، وهو حل المحكمة الدستورية العليا على اعتبار أنها الجهة الوحيدة، المخولة حق حل المجلس والبت في انعدام شرعيته، على أن تتحول المحكمة وفقاً لهذا الطرح الى غرفة في اطار محكمة النقض، الا أن اللواء عمر سليمان تدخل شخصياً واقنع مبارك بأن هذا الحل سيكون على حساب سمعة مصر الدولية، الامر الذي حال دون وضع الاقتراح موضع التطبيق.

تناقلت وسائل الاعلام روايات حول تردي العلاقة بين اللواء عمر سليمان وزوجة مبارك، ما مصداقية هذه الروايات، وما مرد هذا الخلاف؟

عقيلة الرئيس المصري السابق سوزان ثابت كانت quot;رأس الرمحquot;، وكانت تتبنى مشاعر كراهية فياضة للواء سليمان، خاصة أنه كان حجر عثرة مع القوات المسلحة، امام وصول مبارك الابن (جمال مبارك) لخلافة والده في حكم البلاد، وأؤكد هنا أن رأس النظام السابق كان يتعرض لضغوطات مستميتة، لابعاد سليمان عن الأضواء، خاصة أن الأخير كان حتى آخر يوم في حياته يتمتع بمصداقية على المستويين الاقليمي والدولي.

بعض الدوائر السياسية في القاهرة رأت أن هبوط شعبية سليمان قبل وفاته يعود الى انعدام الثقة في ضمانه للحريات وترسيخها على الساحة السياسية في مصر؟

هذا الكلام يتنافى تماماً مع الحقيقة، فسليمان كان درعاً للحرية الاعلامية، وكان يتدخل شخصياً لدى رأس النظام السابق، للحيلولة دون قصف قلم أو تكميم كاتب، أو احالة صاحب فكر على المحاكمة، واعتقد أن بعضاً من هؤلاء الكتاب يعلم ذلك جيداً، كما لا اعتقد أن تكون هناك قضية فساد واحدة لم تقدمها الاستخبارات المصرية العامة الى قمة الدولة.