منذ اندلاع الثورة السورية ضد نظام حكم الرئيس بشار الأسد، وهو لا يكفّ عن الترويج لفكرة أنه يقاتل مجموعات إرهابية، ومنها القاعدة، وتنامى الحديث عن وجود القاعدة في سوريا مع إشتداد الضربات الموجهة للأسد، ولاسيما بعد تفجيرات مبنى الأمن القومي، ومقتل أربعة من كبار القادة الأمنيين، ومع اشتداد المعارك في مدينة حلب ثاني أكبر المدن السورية.


انتشار الجماعات الجهادية في سوريا المنبثقة من رحم القاعدة

صبري عبد الحفيظ من القاهرة: لم يعد الحديث عن تنامي دور القاعدة في سوريا صادراً من الداخل فقط، بل صار حديثاً شبه يومي في وسائل الإعلام الغربية، التي لا تنفك تعبّر عن قلق قادة وساسة دول أميركا وأوروبا من تسرّب بعض ترسانة الأسلحة الكيميائية والبيولوجية السورية إلى أيدي هذا التنظيم، الذي يحمّله الغرب مسؤولية ما يعرف بـquot;الإرهابquot; في شتى أرجاء البسيطة. ولكن السؤال الحقيقي يبقى: هل القاعدة موجودة فعلياً على الأراضي السورية، وتقاتل ضد نظام بشار الأسد؟، هل القاعدة موجودة كـquot;تنطيمquot;، أم موجودة كـquot;فكرquot;؟.

القاعدة الأصلية
أيمن فايد المستشار الإعلامي لزعيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن، ينفي مطلقاً أن يكون للقاعدة وجود في سوريا، وقال لـquot;إيلافquot; إن الحديث عن quot;القاعدةquot; في سوريا عار تماماً من الصحة.

وأضاف أن تنظيم القاعدة الذي وصفه بـquot;الأصليquot;، موجود في باكستان وأفغانستان فقط، منوهاً بأن القادة الأصليين الذين تربوا على يدي أسامة بن لادن أو تلاميذه لم يقيموا أية فروع لـquot;القاعدةquot;، إلا في العراق بعد تعرّضه للغزو في العام 2003، وفي اليمن في وقت لاحق.

القاعدة المزيفة
وتابع فايد: ما دون ذلك من تنظيمات تطلق على نفسها اسم quot;القاعدةquot; يمكن تقسيمها إلى صنفين: الأول quot;القاعدةquot; المزيفة، التي تصنعها المخابرات الأميركية من أجل اتخاذها ذريعة لإحتلال دولة عربية أو إسلامية أو توجيه ضربات لأية دولة إسلامية أو عربية، حيث تبدأ في الترويج بأن القاعدة موجودة في هذه الدولة، ويتم التوسع في الحديث عنها في وسائل الإعلام الغربية والعربية في الوقت نفسه، ثم تبدأ عمليات التهديد، ثم ضربات عسكرية، كما حدث في العراق.

أيمن فايد المستشار الإعلامي لزعيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن

مثلاً رغم أن القاعدة ومؤسسها أسامة بن لادن كانوا على خلاف شديد مع صدام حسين، ولم تدخل القاعدة العراق إلا بعد تعرّضه للغزو، ودخل اليهفي ذلك الوقت عشرة رجال من القادة الذين تربوا على يدي بن لادن، وأنشأوا quot;القاعدة في بلاد الرافدينquot;، وإنضم إليهم قادة وضباط جيش صدام حسين الذي حله بول بريمر الحاكم العسكري للعراق بعد الغزو مباشرة.

ضرب الثورة
ووفقاً لوجهة نظر فايد، فإن القاعدة التي يتحدث عنها الإعلام في سوريا، هي قاعدة وهمية من صنع أميركا ونظام بشار الأسد، وكلاهما يختلف في الهدف في صنع القاعدة عن الآخر.

ولفت فايد إلى أن الأسد يروّج لنظرية القاعدة لدفع الغرب إلى مساندته والوقوف إلى جواره، وهي الحيلة نفسها التي لجأ إليها القذافي، ولم تنطلِ على الغرب.

وأشار فايد إلى أن القاعدة التي تصنعها أميركا حالياً في سوريا سوف تستخدمها في ما بعد لضرب الثورة السورية بعد نجاحها في إسقاط نظام بشار الأسد، بحيث تدخل سوريا في دوامة من العنف، بما يبرر لها إجتياح الأراضي السورية، إما بشكل مباشر أو من خلال الجيش التركي أو من خلال الجيش الإسرائيلي أو من خلال الجيش العراقي بحجة حماية الحدود ومحاربة الإرهاب.

فكر القاعدة
ينفي علي عبد العال الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية أن يكون للقاعدة تواجد في سوريا، وقال لـquot;إيلافquot; إن القاعدة كتنظيم غير موجودة في سوريا، مشيراً إلى أن هناك تنظيمات أو مجموعات تسير على خطاها وتنتهج فكرها، وتقاتل إلى جانب الجيش السوري الحر، معتبراً أن تلك المجموعات يقدر عددها بالعشرات، وكلها تؤمن بفكر القاعدة، وتعمل وفقاً لمنهجها، إضافة إلى المجموعات الجهادية التي وصلت إلى سوريا من مختلف أنحاء العالم العربي والإسلامي.

وأضاف عبد العال أن الإعلام الغربي يضخّم من الحديث عن quot;القاعدةquot;، ويبالغ في التهويل من شأنها أو شأن المجموعات المرتبطة بها فكرياً، ويرجع عبد العال ذلك إلى أهداف سياسية تبيح له التدخل مثلاً بحجة حماية الأسلحة الكيميائية من التسرّب إلى أيدي تلك المجموعات، ويكون المبرر أن القاعدة يمكن أن تستخدمها ضد الغرب، ولفت إلى أن هناك حديثاً حالياً عن حصول quot;القاعدةquot; في سوريا على سلاح متقدم، وأنها حصلت على أسلحة كيميائية.

وشدد على ضرورة عدم تحميل الثورة السورية أوزار القاعدة أو المجموعات الجهادية، فقد بدأت ثورة سلمية، وتعرضت للقمع بقسوة باستخدام الأسلحة الثقيلة، فإضطرت للدفاع عن نفسها.

تجنيد ذاتي
حسب وجهة نظر الدكتور ضياء رشوان الخبير في شؤون القاعدة والجماعات الإسلامية، فإنه لا توجد منظمة جامعة لـquot;القاعدةquot;. وأوضح في تصريحات سابقة لـquot;إيلافquot; أن هناك منظمات عدة تحمل اسم القاعدة. ويعتبر الدكتور أيمن الظواهري الممثل لـquot;القاعدةquot; الأم، والوجه الإعلامي لها، وهذا الرجل مصري، ويخرج من حين إلى آخر، ليلقي خطابات أو رسائل.

أسامة بن لادن

مشيراً إلى أن غالبية المجموعات التي تتبنى نهج القاعدة تشكلت بما يعرف بـquot;التجنيد الذاتيquot;، وبدأت ذلك بـquot;القاعدةquot; في العراق بزعامة أبي مصعب الزرقاوي، الذي كان يتزعم جماعة تدعى quot;التوحيد والجهادquot;، ووجّه دعوة إلى أسامة بن لادن في ديسمبر/كانون الأول من العام 2004، طلب فيها أن يقبله عضوًا في تنظيم القاعدة، وتكرر السيناريو نفسه مع quot;القاعدةquot; في الجزائر التي كانت يطلق عليها quot;الجماعة السلفية للدعوة والقتالquot;، حيث وجّهت خطاباً إلى أسامة بن لادن في العام 2006، كي يقبلها عضواً في القاعدة.

ولفت رشوان إلى أن غالبية الجماعات التي تحمل اسم quot;القاعدةquot; في العالم، يضع البعض منها اسم القاعدة على أعماله من دون أن يكون هناك اتصال مباشر أو غير مباشر مع القاعدة الأم، وتتم عمليات التجنيد الذاتي، بسبب الأوضاع السيئة في الدول التي تولد فيها تلك التنظيمات أو بسبب الفراغ الأمني أو حدوث إضطرابات واسعة تخلق بيئة مثالية لنمو مثل تلك المجموعات الجهادية.

لا أثر قوي لها
وزارة الدفاع الأميركية المعروفة بـquot;البنتاغونquot;، ترى أن القاعدة ليست موجودة فعلياً في سوريا. وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية جورج ليتل: quot;على الرغم من احتمال وجود بعض المتطرفين بين الثوار السوريين، إلا أن quot;القاعدةquot; لم تترك أثراً قوياً في البلادquot;.

وأضاف في تصريحات له بتاريخ 27 يوليو/ تموز الماضي: إنه قد تكون للقاعدة عناصر في سوريا، quot;لكن لا يجب أن يظن أحد.. أن لديها موطئ قدم مهماً وكبيراً أو حتى قوياًquot;. وقال quot;لا يمكنني استبعاد احتمال وجود عناصر من القاعدة هناك، لكنني لا أريد أن أفرط بالقلق حول القاعدة في سورياquot;، مشيراً إلى أن quot;الولايات المتحدة تعمل عن كثب مع العراقيين والحكومات الأخرى في المنطقة لإعاقة وهزيمة وتفكيك quot;القاعدةquot;، متوعداً بأن quot;أميركا ستستمر بملاحقة هذه المجموعة quot;الإرهابيةquot; حيثما وجدتquot;.

وكلاء القاعدة
أما اللواء محمود سعيد الخبير الإستراتيجي فيرى أن القاعدة لم تعد في حاجة إلى التحرك بنفسها في المناطق أو الدول المشتعلة أو التي تعاني فراغًا أمنيًا.

وأوضح سعيد لـquot;إيلافquot; أن هناك وكلاء لـquot;القاعدةquot; في العديد من الدول منها العراق واليمن وسوريا وليبيا ومصر والسودان والجزائر موريتانيا، مشيراً إلى أن من أسماهم quot;وكلاء القاعدةquot; أغنوها عن القتال بنفسها، لاسيما في ظل حالة الحصار التي يعانيها التنظيم والضربات القاصمة التي تلقاها بمقتل أسامة بن لادن.

ونبه سعيد إلى أن هناك الكثير من الجماعات الإسلامية والأشخاص الذين يرون في فكر القاعدة الخلاص من الإستعمار والتبعية للغرب، ويستهويهم رفع راية القاعدة، كما هي الحال في سوريا، وكما حدث في ليبيا، بل حدث ذلك في مصر أيضاً في شبه جزيرة سيناء، لاسيما في ظل ارتكاب الغرب بقيادة أميركا خطايا لا حصر لها بحق الدول الإسلامية والعربية، مشيراً إلى أن أميركا والغرب كانوا يشكون من quot;القاعدةquot; بقيادة أسامة بن لادن والظواهري. أما الآن فهناك آلاف التنظيمات التي تحمل اسم القاعدة.