المصريون يدعمون اللاجئين السوريين رغم الانشغال بالثورة

وصل الآلاف من السوريين منذ العام الماضي الى مصر التي وجدوها ملاذاً أكثر أمانًا من وطن مزقته الحرب. لكنّ معاناتهم لم تنتهِ بخروجهم من ساحات القتال.


بيروت: مازالت الحكومة المصرية غارقة في مرحلة انتقال سياسي مضطرب، وغير قادرة على فعل الكثير للاجئين السوريين الذين اعتقدوا أن وصولهم إلى مصر، هربًا من الحرب سيحسن من أوضاعهم ويعوضهم عن معاناة ابتعادهم عن وطنهم.
بدلاً من ذلك، يعتمد السوريون الذين لجأوا إلى مصر على إحسان الآخرين ومهاراتهم الخاصة للبقاء على قيد الحياة. وقد تجمع هؤلاء معاً لتشكيل المجتمعات الصغيرة التي تؤمن الحاجات الأساسية مثل الغذاء والمأوى والخدمات الطبية.

وعلى الرغم من المعاناة، يأمل السوريون بأن عودتهم إلى بلادهم ستكون قريبة ما إن تتحسن الأوضاع الأمنية، ويحاولون التغلب على الإحباط الجماعي الذي تعاني منه المعارضة في الخارج.
في هذا السياق، تحدثت صحيفة الـ quot;فورين بوليسيquot; عن عائلة سورية أتت إلى مصر هرباً من الحرب في سوريا، مشيرة إلى أن الأشهر القليلة الأولى في مصر خلال صيف عام 2011 كانت صعبة للغاية.

مثل كثير من السوريين الذين قدموا إلى مصر، أنفقت عائلة أبو براء كل ما بحوزتها تقريباً لتمويل الرحلة، تمكنوا من استئجار شقة غير مؤثثة في ضاحية القاهرة غير المكلفة، وتحديداً مدينة 6 أكتوبر. ولكن كالزائرين ايضاً، فرضت قيود على أبو براء وزوجته اللذين منعا من العمل أو تسجيل أطفالهم في المدارس.
واضطرت العائلة إلى التقشف في مدخراتها الضئيلة للبقاء على قيد الحياة، فكانوا ينامون على الأرض الجرداء، ويعيشون من حقائب السفر التي أحضروها معهم. وعند المرض، تحصل العائلة على الرعاية الطبية المجانية من quot;أطباء التحريرquot;، وهي مؤسسة خيرية خرجت من المستشفيات الميدانية أثناء الثورة المصرية.

بعد أن غادروا بلادهم على عجل، وتماستضافتهم كلاجئين لوقت غير محدد، أصبح السوريون في طي النسيان، وبموارد قليلة أو معارف تضطرهم إلى الاعتماد على عطف الغرباء ومساعدة بعضهم البعض.
عائلة أبو براء افترضت أن وجودها في مصر كان موقتاً، وأن عودتهم إلى سوريا وشيكة. وخلال الأشهر التي مرت، تلاشى الأمل في عودة السوريين إلى بلادهم. وبدلاً من السماح لليأس بالسيطرة عليهم، يوجه اللاجئون طاقاتهم إلى مهمة أكثر فائدة وهي مساعدة لاجئين آخرين.

يلتقي أبو براء وزوجته بالوافدين الجدد في المظاهرات والمسيرات، وعملوا على تطوير شبكة غير رسمية من المغتربين. ومن خلال الشراكة مع ذوي المناصب الرفيعة من الناشطين السوريين والمنظمات المحلية مثل أطباء التحرير ونقابة الأطباء المصريين، بدأت الجهود لتشكيل شبكة أمان متواضعة لتدفق اللاجئين الفارين من سوريا مع تصاعد النزاع.
وتدفقت التبرعات من المجتمع السوري المغترب، فضلاً عن بعض الجمعيات الإسلامية الخيرية المحلية.

بحلول شهر حزيران (يونيو) عام 2012، تمكن أبو براء وزوجته من تأمين السكن لنحو 30 عائلة في مدينة 6 أكتوبر وكانوا يخططون للحصول على مبنى آخر للاجئين. في كثير من الأحيان، يتصل القادمون الجدد بعائلة أبو براء قبل وصولهم الى مصر، ويذهبون مباشرة إلى ضاحية القاهرة عند وصولهم.
ترك محمد، وهو طالب (26 عاماً،) عائلته في حلب في نهاية عام 2011 بعد أن أرسله والده إلى القاهرة للالتحاق بكلية طب الأسنان، لكنه كان يعرف أن السبب الحقيقي هو إبعاده عن الصراع المتصاعد في سوريا.

واليوم بعد مرور سبعة أشهر على وجوده في مصر، لم يبدأ محمد دراسته الجامعية وليس مسروراً بوجوده في القاهرة، فيقول: quot;أحلم بالعودة الى سوريا والانضمام الى الجيش السوري الحرquot;.
على بعد خطوات قليلة من مبنى جامعة الدول العربية، تنتصب خيمة بيضاء كبيرة في ميدان التحرير في القاهرة منذ بداية عام 2011، عندما أرسلت الجامعة وفداً من المراقبين وفشلت في تطبيق خطة وقف اطلاق النار في سوريا.

يتم تمويل وإدارة الخيمة من قبل معتز شقلب، وهو رجل أعمال من حمص ومؤسس حركة الكرامة التي تضم المهاجرين السوريين إلى مصر منذ ما يقرب من 25 عامًا مضت.
ونقلت الصحيفة عن شقلب قوله: quot;يتمثل دور هذه الخيمة في شرح القضية السورية للدبلوماسيين المصريين والعرب والأجانب الذين يدخلون إلى الجامعة العربية، ولتوجيه رسالة إلى العالم بأن المواطنين في سوريا يذبحون ويريدون الديمقراطية في بلادهمquot;.

شقلب يعمل بالتعاون مع محمد وسبعة لاجئين آخرين يعيشون في القاهرة على تنظيم النشاطات في الخيمة، التي تضم مكتبة من الصور المروعة عن مجازر النظام وترعى المظاهرات تكريماً لضحايا الثورة.
ويقدم شقلب رواتب متواضعة للشبان للمساعدة في تغطية نفقاتهم في مصر، في حين توفر هذه الوظيفة متنفساً للشباب للمشاركة في الثورة.

وأشارت الـ quot;فورين بوليسيquot; إلى أن المصريين يقصدون ساحة التغيير لفترة وجيزة لإلقاء نظرة على عدد قليل من الصور أو تقديم عبارات التشجيع لشقلب ويدعون بالنجاح للثورة السورية.
مفهوم الأخوة العربية يدفع المجتمع المصري إلى التعاطف مع السوريين في محنتهم، على الرغم من أن الشعب المصري منهمك باستكمال ثورته الخاصة.

في ساحة التحرير، يركض الصبية حاملين الأعلام المصرية ويهتفون ضد حكم مبارك. ما إن وصلوا إلى خيمة شقلب ولاحظوا وجود العلم السوري خارج الخيمة، حتى غيروا الهتاف بسرعة: quot;مصر وسوريا يد واحدةquot; تضامناً مع اخوانهم العرب.
صيحات الفتيان كانت معدية واجتذبت عشرات الأصوات المصرية والسورية. وبعد لحظات، خفتت الهتافات وتصافح الأولاد مع نظرائهم السوريين قبل مغادرة ساحة التحرير.