تحليلات أميركية حول واقع مصر بعد وصول مرسي إلى الرئاسة

لندن: كتب المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط في إدارة بيل كلينتون ومستشار وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون لشؤون منطقة الخليج سابقا والمستشار حالياً في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى دنيس روس مقالاً في صحيفة واشنطن بوست يوم الاثنين، يتناول فيه التطورات الأخيرة في مصر موجها أكثر من رسالة إلى القيادة المصرية الجديدة. وجاء في المقال:

تشهد مصر تشكُّل واقع جديد وواقع آخر بديل. إذ يبدو ان الرئيس محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين أحكما سيطرتهما بعد أن اغتنم مرسي مقتل 16 جنديا مصريا في سيناء، وما سببته الواقعة من إحراج للجيش وخاصة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، لعزل كبار القادة العسكريين. كما قام مرسي أحاديا بتعديل الإعلان الدستوري الصادر في آذار (مارس) 2011 ومنح نفسه سلطات تنفيذية وتشريعية. باختصار إن مرسي، من دون بارقة مقاومة من الجيش، فرض قيادة مدنية على مصر.

وإزاء بعض الخطوات الأخرى التي اتخذها مرسي ومن حوله، فإن هناك سببا للقلق. إذ أقدم مرسي على تعيين وزير إعلام جديد هو صلاح عبد المقصود الذي أيضا ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين ويدعم بقوة التحرك لاستبدال 50 رئيس تحرير وصحافيا في كبرى المطبوعات القومية المصرية. وأُحيل على القضاء رئيس تحرير جريدة الدستور المستقلة بتهمة إهانة الرئيس. وقد لا يكون مصادفة أن وسائل الإعلام الرسمية غيّرت نبرتها بصورة لافتة خلال الأسبوع الماضي، وهي الآن نبرة أشد تأدييا للرئيس مرسي.

لا شيء من هذا يعني أن مسار التغيير في مصر حُسم نهائيا. ولكنه يعني أن الرئيس الذي أحاط نفسه بطاقم غالبيته أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين أو من المتعاطفين معهم، يتحكّم بكل رافعات السلطة في مصر. وسيجد مرسي ومعه جماعة الإخوان المسلمين صعوبة في التملص من مسؤولية كل ما يحدث في مصر.

فالبلاد تواجه تحديات إقتصادية جسيمة وستحتاج إلى مساعدات واستثمارات كبيرة من الخارج. ويبحث مرسي وجماعة الإخوان المسلمين عن دعم خارجي لتنفيذ مشروعهما quot;النهضويquot; الذي يهدف إلى إنعاش الاقتصاد. وبعد أن قاوما شروط صندوق النقد الدولي للتوصل إلى اتفاق معه على قرض حين لم يكونا في السلطة فان مرسي وجماعة الإخوان المسلمين يبدوان الآن في لهفة لا للحصول على القرض فحسب بل واستلاف أكثر من 3.2 مليارات دولار كان الصندوق مستعدا لتقديمها بشروط.

وفي هذا الشأن يبدو أن مرسي وجماعة الإخوان المسلمين يعترفان بالواقع. ولكن يبدو انهما ينكرانه في شأن مهم آخر. فان مرسي نفى إرسال رد إلى الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز على رسالة بعثها إليهالأخير بعد أن أثار نبأ الرد ردود أفعال رافضة لمثل هذا الإتصال الذي قام به مرسي مع إسرائيل في أوساط الإخوان المسلمين. وما يجعل هذه الواقعة جديرة بالذكر على نحو خاص أن مكتب بيريز لم ينشر رسالة مرسي إلا بعد الاتصال بالمصريين للتوثق من أن لا ضير في نشرها.

ودفع الغضب في أوساط الإخوان المسلمين رئيس مصر إلى نفي الواقعة علنا. وعلى الغرار نفسه، اتهمت جماعة الإخوان المسلمين على الفور جهاز الاستخبارات الإسرائيلي الموساد بالوقوف وراء هجوم سيناء الذي أسفر عن مقتل الجنود المصريين، الأمر الذي كانت جماعة الإخوان المسلمين تعرف أنه ليس صحيحا. فما هي الخلاصات التي يتعين الخروج بها عن تنظيم لا يستطيع ان يعترف بالحقيقة ويصر على العيش في واقعه الخاص.

من الواضح ان جماعة الإخوان المسلمين ملتزمة بايديولوجيتها ولا تستطيع ان تعترف بأي شيء قد يضع فلسفتها الأساسية موضع تساؤل. ولكن على الولايات المتحدة والدول الأخرى ألا تسلِّم بواقع الإخوان البديل. ولا يعني هذا أننا يجب أن نكون متفقين على كل شيء. فالخلافات السياسية مسألة مفهومة ولكن ليس مقبولا أن يُنكر الواقع وأن تُنمَّى سردية وسياسات تقوم على لا حقائق وأوهام.

وعلى مرسي والإخوان المسلمين أن يعرفوا ذلك. وليعلم رئيس مصر وشعبها أن الولايات المتحدة مستعدة لتعبئة المجتمع الدولي والمؤسسات المالية من أجل مساعدة مصر، ولكننا لن نفعل ذلك إلا إذا كانت الحكومة المصرية مستعدة للعب وفق قواعد محدَّدة تقوم على الواقع وعلى مبادئ أساسية. وعليها أن تحترم حقوق الأقليات والمرأة وأن تقبل التعددية السياسية وفضاء التنافس السياسي وعليها أن تحترم التزاماتها الدولية، بما في ذلك بنود معاهدة السلام مع اسرائيل.

السجل ليس جيدا حتى الآن. إذ تشير الأنباء إلى أن اكثر من 100 الف مسيحي قبطي غادروا مصر وأن محاولات جديدة بُذلت لتخويف وسائل الإعلام وأن مرسي حرك قوات مدرعة إلى سيناء من دون إشعار الإسرائيليين، كما تقتضي معاهدة السلام. ويتعين أن يكون موقف الادارة واضحا. فإذا استمر هذا السلوك لن يأتي دعم الولايات المتحدة الذي سيكون ضروريا للحصول على مساعدات اقتصادية دولية وتشجيع الاستثمار. وأن تخفيف ردنا أو تضبيبه في هذه المرحلة قد يكون من مصلحة الإخوان المسلمين ولكنه ليس من مصلحة مصر.