فاجأت مجلة دير شبيغل الألمانية قرّاءها اليوم الخميس بإفشائها أسرارًا حكومية، تؤكد اتصال السلطات الألمانية سرًا بالفلسطينيين منظمي العملية التي وقعت أثناء دورة الألعاب الأولمبية في ميونخ في العام 1972، وأسفرت عن مقتل 11 إسرائيليًا وضابط شرطة ألماني.


مذبحة ميونخ التي جرت في العام 1972

أشارت مجلة quot;دير شبيغلquot; إلى أن السلطات الألمانية أبقت على تلك الاتصالات على مدار سنوات بعد ذلك، وأنها استرضت الفلسطينيين لمنع سفك المزيد من الدماء على الأراضي الألمانية.

وبعدما استهلت المجلة الحديث بسردها تفاصيل تلك المذبحة التي وقعت في ميونخ، وكذلك العملية الانتقامية التي نفذها الموساد بالتنسيق مع الجيش الإسرائيلي في الساعات الأولى من صباح يوم 10 من نيسان / أبريل عام 1973 في إحدى ضواحي العاصمة اللبنانية، بيروت، وراحت ضحيتها قيادات فلسطينية بارزة، من أمثال أبي يوسف وكمال ناصر وكمال عدوان، وثلاثة مسؤولين آخرين كبار في منظمة التحرير الفلسطينية، إضافة إلى مقتل زوجة أبو يوسف، وكذلك إحدى الجارات، قالت المجلة إن تلك العملية كانت جزءًا من حملة انتقامية شنّها الإسرائيليون ضد مَن ساعدوا على تنفيذ مذبحة ميونخ التي وقعت في أيلول/ سبتمبر عام 1972.

وبعد رد إسرائيل على تلك العملية بتلك الانتقامية التي نفذتها في بيروت، استقبلت حكومة تل أبيب أفراد قوات النخبة الإسرائيليين العائدين من تلك المهمة استقبال الأبطال.

أدان حينها السفير الألماني لدى لبنان تلك العملية الإسرائيلية، بقوله إن الفلسطينيين الذين سقطوا قتلى كانوا من بين أكثر أفراد منظمة التحرير الفلسطينية تعقلاً ومسؤولية.

وبعد يوم واحد فقط من تنفيذ العملية، بعث السفير بخطاب إلى السلطات الحكومية في العاصمة الألمانية آنذاك، بون، يقول فيه إنه لا يمكن استبعاد احتمالية قيام إسرائيل بتصفية أبي يوسف وآخرين لعرقلة عملية السلام في الشرق الأوسط.

ثم تحدثت المجلة عن تلك المقابلة التي جمعت بين السفير وأبي يوسف، قبل وفاته بأسبوع، وأنه عرض عليه وعلى باقي مدبري عملية ميونخ إمكانية أن يضعوا quot;أساساً جديداً للثقةquot; بينهم وبين الحكومة الألمانية. وترددت أقاويل وقتها عن عقد اجتماع سري في القاهرة بين وزير الخارجية آنذاك، والتر شيل، والفلسطيني أبو يوسف.

وأضافت المجلة أن تلك الاجتماعات تمت بعد وقوع هجوم ميونخ بحوالي 6 أشهر فقط، مؤكدةً أن اتصالات دبلوماسية سرية ونشطة كانت موجودة بالفعل بين الألمان والفلسطينيين.

وأعقبت بقولها إن ممثلين عن ألمانيا الغربية كانوا يجرون محادثات مع أشخاص من أمثال أبي يوسف وعلي سلامة وأمين الهندي، وجميعهم هم العقول المدبرة لهجوم ميونخ.

الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات

لم يقتصر الأمر عند هذا الحد فحسب، بل تم الكشف أيضاً عن أن مكتب الشرطة الجنائية الفيدرالية الألماني، الملزم بالتحقيق مع المجرمين، قد شارك هو الآخر في الاجتماعات، طبقاً لما ورد في الوثائق الموجودة في الأرشيف السياسي لوزارة الخارجية الألمانية والأرشيف الفيدرالي في مدينة كوبلنز الغربية، التي تقوم المجلة الآن بتحليلها.

وتابعت المجلة بقولها إن الدوافع التي ارتكز عليها الطرفان في هذا الصدد كانت واضحة. فقد كانت تدرك العاصمة الألمانية بون أن الفلسطينيين يسعون الى نيل الاعتراف الدولي بدولتهم. وأي اتصال بممثلي ألمانيا الغربية، حتى إن كان في السر، كان سيحدث ويطور وضعية منظمة التحرير الفلسطينية ليجعلها ترقى لأن تكون مؤسسة.

السؤال الذي يتوقع أن يفرض نفسه مجدداً خلال الأسابيع المقبلة، بالتزامن مع حلول الذكرى السنوية الأربعين لهجوم ميونخ، هو: لما لم يَمْثُل أي من مدبري مجزرة ميونخ أمام المحاكم الألمانية؟، وقد حددت الوثائق المتاحة الآن إجابة واحدة تحديدًا عن هذا السؤال، وهي أن ألمانيا الغربية لم تكن تريد أن تحمّلهم المسؤولية.

وأشارت دير شبيغل في سياق حديثها إلى أنه وفي الأسابيع الأولى التي تلت الهجوم، كانت مكاتب الحكومة الألمانية في بون تعجّ بروح الاسترضاء، ونوهت كذلك بأن بعض المسؤولين في وزارة الخارجية، على وجه الخصوص، كانوا متعاطفين تماماً بصورة واضحة مع الفلسطينيين. وصدرت حينها بعض التعليقات التي خلقت انطباعاً بأن الجهة التي وقفت وراء الهجوم لم تكن منظمة سبتمبر الأسود وحدها، بل كان هناك أيضاً الجانب الإسرائيلي، الذي شارك بشكل أو بآخر في ما حدث.