عناصر من الجيش التركي في منطقة هاجمها الأكراد في أغسطس

تتصدر الحكومة التركية التحرك الدولي لحمل الأسد على التنحي، فتواجه بسبب ذلك انتقادات في أوساط الرأي العام التركي بسبب سياستها تجاه سوريا، التي أخذت تداعيات حربها الأهلية المستعرة على الأعتاب التركية تفيض عبر الحدود.


كانت الأسابيع الأخيرة والتطورات المتسارعة في المناطق السورية المتاخمة للحدود مع تركيا قد أثارت قلقًا عميقًا لدى الأتراك، خصوصًا مع إعلان أنقرة لجوء أكثر من 82 ألف لاجئ سوري إلى الأراضي التركية، ومع إشارة المراقبين إلى الكلفة الاقتصادية العالية التي دفعتها تركيا حتى الآن تأثرًا بالأزمة السورية، إذ تكبّدت زهاء 300 مليون دولار حتى الآن، بسبب انحسار النشاط الاقتصادي وارتفاع البطالة في مدن حدودية تركية كانت تعتمد على التجارة مع سوريا.

إلى الخسارة الاقتصادية، يشعر الأتراك أنهم مهددون في أمنهم أينما حلّوا، خصوصًا بعدما عرض التلفزيون السوري أشرطة مصورة تظهر مواطنين أتراكا خطفتهم في سوريا ولبنان جماعات موالية لنظام الأسد تستهدف الاتراك بسبب موقف أنقرة المنحاز إلى الثوار السوريين ضد نظام دمشق.

صفر مشاكل؟

بموازاة ذلك، عاشت تركيا صيفًا كرديًا ساخنًا، يعتبر الأكثر دمويةً منذ أوائل سبعينات القرن الماضي، بعدما صعّد حزب العمال الكردستاني هجماته ضد قوى الأمن التركية، متشجعًا بالأزمة السورية كما يقول نواب ومعلقون أتراك.

وأثارت كل هذه التطورات موجة عارمة من الانتقادات في وسائل الاعلام التركية ومن قبل أحزاب المعارضة، أذكت قلق الأتراك من أن تغرق بلادهم أعمق فأعمق في وحول النزاع السوري بسبب سياسة حكومتهم المتشددة تجاه نظام الأسد، واستضافتها المجلس الوطني السوري المعارض، وتوفير ملاذات آمنة لقيادة الجيش السوري الحر، وإرسال دبابات إلى الحدود.

وتركزت انتقادات نواب المعارضة التركية على وزير الخارجية أحمد داود اوغلو، الذي يعتبر مهندس السياسة الخارجية التركية. فقبل عام، كان أوغلو يقدم الأسد دليلًا قاطعًا على نجاح سياسة quot;صفر مشاكل مع الجيرانquot;، التي سعت تركيا في اطارها إلى تعزيز العلاقات مع البلدان الاسلامية وخفض مستوى علاقاتها مع اسرائيل. كما أعلن حزب الشعب الجمهوري المحافظ يوم الثلاثاء مطالبته مجددًا التصويت بحجب الثقة عن وزير الخارجية.

لا ملاذ آمن الآن

لكن هذه الانتقادات لم تثن الحكومة التركية عن جهودها لإسقاط نظام الأسد. وفي الاسبوع الماضي، دعا أوغلو الأمم المتحدة مجددًا إلى إقامة ملاذ آمن للاجئين السوريين داخل سوريا بدلًا من تدفقهم الى تركيا. ولم تلق دعوته استجابة، فالغرب ليس مستعدًا بعد للعمل العسكري الذي تتطلبه حماية مثل هذا الملاذ في سوريا، وفرص التفويض به بناء على قرار من مجلس الأمن الدولي معدومة من الناحية العملية نظرًا لمعارضة روسيا والصين هذه الخطة.

من جانب آخر، تنادى المسؤولون الاتراك للدفاع عن سياستهم تجاه سوريا، مؤكدين أن الحكومة لا يمكن أن تقف متفرجة فيما ينزلق بلد جار الى أتون حرب تهدد بتقويض استقرار المنطقة.

وقال نائب وزير الخارجية التركي ناجي كورو إن من الطبيعي أن تكون هذه القضية موضع اهتمام كبير من تركيا، ليس بوصفها قضية تتعلق بالسياسة الخارجية فحسب بل ولأنها قضية تتعلق بالسياسة الداخلية أيضًا، quot;ولكن سياستنا صائبةquot; كما قال. وأعاد كورو التذكير بأن هدف تركيا يتمثل في quot;صفر مشاكلquot; مع الجيران قائلًا: quot;نحن لا نريد القتال ولا نريد الحربquot;.

ويستبعد محللون إقالة أوغلو بسبب الشعبية الواسعة التي يتمتع بها حزب العدالة والتنمية بقيادة إردوغان. ولكنهم يؤكدون أيضًا أن عدم الارتياح المتزايد إلى سياسة الحكومة المتشددة تجاه سوريا يمكن أن يفجر سجالات داخلية بين قادة الحزب في مرحلة حرجة من النزاع السوري.

تأييد متراجع

وفي هذا السياق، انقلبت نتائج استطلاعات الرأي التي أظهرت قبل الصيف تأييدًا شعبيًا واسعًا لسياسة الحكومة التركية تجاه سوريا. وأظهر استطلاع أجراه مركز أندي ـ آر للأبحاث الاجتماعية في الاسبوع الماضي أن 67 بالمئة من الناخبين الأتراك لا يوافقون على طريقة أنقرة في تعاطيها مع الأزمة السورية. كما بيّن استطلاع منفصل أجراه معهد التفكير الاستراتيجي في انقرة في تموز (يوليو) الماضي أن 49 بالمئة من الأتراك يعارضون السياسة التركية بالمقارنة مع 32 بالمئة في آذار (مارس).

ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن سنان أولغن، الدبلوماسي التركي السابق والباحث حاليًا في مؤسسة كارنيغي للسلام العالمي في بروكسل، قوله quot;إن حزب العدالة والتنمية يقف وجهًا لوجه أمام تحدٍ شعبي لما يتمتع به من تأييد لأول مرة منذ سنواتquot;. وأضاف أولغن أن هناك تصورًا بأن سياسة الحزب تجاه سوريا لا تخدم المصلحة الوطنية وانها في الحقيقة زادت الخطر الأمني، مشيرًا إلى أن إعادة تقييم ستجري في الحكومة معتبرًا أن هذه العملية quot;لا مناص منها ولكني لا اعرف إن كان بمقدور الحكومة ان تتراجع عن سياستها فهي غارقة فيها عميقًاquot;.

على الرغم من هذه النتائج، يبقى حزب العدالة والتنمية الحاكم أكثر الأحزاب شعبية وبفارق كبير عن الأحزاب الأخرى في تركيا، وليس هناك ما يشير إلى نيته في تغيير السياسة المتبعة تجاه سوريا.

سوريا والأكراد واحد

يبدي الأتراك قلقًا متزايدًا أيضًا إزاء قوة حزب العمال الكردستاني غير المعهودة في صراعه مع السلطة التركية من أجل حكم ذاتي لأكراد تركيا، المستمر منذ زهاء ثلاثة عقود. فقد أقدم الحزب خلال الأسابيع على خطف عضوين في البرلمان التركي ما زال يحتجز احدهما. كما تعتقد السلطات التركية أنه مسؤول عن الهجمات الأخيرة التي شهدتها المناطق الساحلية شرقي تركيا ومدينة غازي عنتاب قرب الحدود السورية. وكان الحزب قد خاض أخيرًا معركة استمرت عشرة أيام من اجل السيطرة على بلدة شيمدنلي في اقليم هكاري جنوب شرقي تركيا قبل أن يتمكن الجيش التركي من رده على أعقابه.

ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن أتيلا يسيلادا، المحلل في شركة غلوبال سورس بارتنرز للأبحاث في تركيا، قوله quot;إن الأتراك يوحّدون الآن القضية السورية وقضية حزب العمال الكردستاني، ويعتقدون أن فشل الحكومة التركية في إسقاط الأسد أدت إلى تقوية حزب العمال الكردستاني وأضعفت الأمن التركيquot;. وأضاف يسيلدا أن ذلك ينال من شعبية الحكومة التركية في وقت quot;يبدو أن سوريا تقترب من لحظة حاسمةquot;.

وتقول الحكومة التركية إن النظام في دمشق يقف وراء هذا التصعيد، ووراء الثقة الجديدة التي يبديها حزب العمال الكردستاني، إذ تتهم أنقرة نظام الأسد بتسليح المتمردين الأكراد ومدّهم بالدعم اللوجستي، وتنازلها عن السيطرة على مناطق من شمال شرق سوريا لمجموعة ترتبط بحزب العمال الكردستاني لمنع سكان هذه المناطق من الالتحاق بالانتفاضة.

وقد بدا الأسد حريصًا في تصريحات صحافية أخيرة على تشديد الانقسامات السياسية الداخلية بين أنقرة والشعب. وقال في مقابلة مع صحيفة جمهوريت التركية في تموز (يوليو) الماضي quot;إن الشعب التركي صديقنا ولا أهمية أبدًا لأن تعتبر الحكومة التركية سوريا عدوًاquot;.

وفيما يختلف الاتراك بشأن سياساتهم يبدو أن النزاع السوري آخذ في التصاعد. وأعلنت الأمم المتحدة يوم الثلاثاء أن أكثر من 100 ألف سوري نزحوا في آب (اغسطس) هربًا من القتال، وهو أعلى رقم لعمليات اللجوء في شهر واحد منذ اندلاع الانتفاضة في آذار (مارس) 2011. كما أكد المرصد السوري لحقوق الانسان المؤيد للمعارضة أن آب (اغسطس) كان الشهر الأشد دموية، إذ شهد مقتل أكثر من خمسة آلاف سوري.