يقف المصريون في حيرة من أمر رئيسهم محمد مرسي، الذي بدأ إصدار القرارات الغامضة، على الطريقة المباركية. وعندما روى قيادي إخواني قصة أحد هذه القرارات، وجد نفسه يتيمًا، تبرأ منه حتى الإخوان.
القاهرة: أثارت تسريبات إعلامية حول إقالة الفريق حمدي وهيبة، رئيس الهيئة العربية للتصنيع ورئيس الأركان الأسبق، الكثير من الجدل وعلامات الإستفهام لدى المصريين، بسبب الميزانيات الضخمة لمؤسسات الدولة الكبرى في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، كما ظهرت علامات إستفهام كثيرة حول طبيعة العلاقة بين قيادات جماعة الإخوان والقصر الجمهوري، بسبب هذه التسريبات.
رواية البرنس
أعلن الدكتور حسن البرنس، القيادي في حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، أن إقالة وهيبة جاءت نتيجة تخصيص 10 في المئة من ميزانية الهيئة التي تضم 12 مصنعاً من أكبر المصانع العسكرية والمدنية لرئيس الجمهورية، فيما نفى وهيبة أن يكون هذا هو السبب الحقيقي، نافيًا المعلومات التي أعلنها البرنس، مؤكدًا أن quot;لا مخصصات من الميزانية لرئيس الهيئة أو رئيس الجمهوريةquot;.
وفقاً للمعلومات التي نشرها البرنس عبر صفحته الشخصية على موقع فايسبوك، عقد الرئيس محمد مرسي إجتماعاً مع الفريق حمدي وهيبة في قصر الاتحادية قبل قرار إقالته بساعات، وقبل تعيين عضو المجلس العسكري السابق اللواء عبد العزيز سيف الدين بدلاً منه.
وقال البرنس إن الرئيس اطلع على بنود الميزانية، ففوجىء بأن الأرباح السنوية مقسمة كالآتي: 10 في المئة لرئيس الجمهورية أي ما يتعدى ملياري جنيه لأن الهيئة تصنع الدبابات والطائرات والمدرعات وغيرها من الأسلحة الثقيلة، و 5 في المئة لحمدي وهيبة نفسه بصفته رئيساً للهيئة، و 3 في المئة للمهندسين العاملين في الهيئة، و 1 في المئة لباقي عمال الهيئة.
وأشار البرنس إلى أن الرئيس أبدى اندهاشه من توزيع الأرباح، وسأل: quot;لماذا 10 في المئة لرئيس الجمهورية؟ هل أنا موظف في الهيئة؟quot; أجابه وهيبة: quot;هذا نظام الهيئة من أيام مباركquot;. شطب مرسي هذا البند رافضًا، ثم سأله: quot;ولماذا 5 في المئة لرئيس الهيئة؟ هذا كثير جدًا. يكفيه 1 في المئة، وهذا كثير أيضًاquot;. وغضب مرسي طالبًا من وهيبة: quot;سيبها أراجعها بنفسيquot;. وما لبت أن أصدر قراراً بعزله، وتعيين الفريق عبد العزيز سيف رئيساً للهيئة العربية للتصنيع.
وهيبة: غير صحيحة
سارع الفريق حمدي وهيبة إلى تكذيب رواية البرنس، مؤكدًا أن الميزانية لم تعرض على الرئيس محمد مرسي، وأن المقابلة تمت بناء على طلب الرئيس لاستيضاح معلومات عن الهيئة. أضاف: quot;هناك خطوات لعرض الميزانية قبل عرضها على الرئيس، إذ تمرر أولًا على اللجنة العليا للهيئة التي تتكون من رئيس الوزراء وستة وزراء آخرين ورئيس أركان حرب القوات المسلحة، وبعد استيفاء ملاحظاتهم على الميزانية والحسابات الختامية تعرض على رئيس الجمهوريةquot;.
أعلن وهيبة اللجوء للقضاء وإبلاغ النيابة العامة بما ورد من معلومات خطيرة على لسان البرنس، بينما لم تؤكد رئاسة الجمهورية أو تنفِ الرواية. فقد اكتفى الدكتور ياسر علي، المتحدث باسم الرئاسة، بالقول إن تصريحات البرنس لا تمثل الرئاسة في شيء. كذلك نفت جماعة الإخوان وحزبها أن تكون تصريحات القيادي الإخواني تمثل الحزب أو الجماعة.
حاولت quot;إيلافquot; الاتصال بالبرنس مرارًا، من دون رد. بينما جدد وهيبة لـquot;إيلافquot; نفيه صحة تلك المعلومات، مشيراً إلى أنه تكفيه شهادة خلفه الفريق عبد العزيز سيف الدين رئيس الهيئة الحالي، التي قال فيها إن الميزانية لم تعرض على الرئيس حتى الآن.
ولفت وهيبة إلى أن رئيس الجمهورية السابق حسني مبارك لم يكن يحصل على أية أموال من أرباح الهيئة كما نشر. وأضاف أن القضاء سوف يثبت صحة موقفه، لا سيما أنه قرر مقاضاة البرنس، بتهمة نشر معلومات كاذبة والسب والقذف.
عصفوران بحجر
وفي السياق ذاته، قالت مصادر مطلعة لـquot;إيلافquot; إن ما يثار حول حصول الرئيس السابق حسني مبارك على مخصصات ضخمة من عوائد قناة السويس أو الهيئة العربية للتصنيع لا أساس له من الصحة، مشيرة إلى أن هذا الكلام من قبيل المبالغة، ولم تثبت التحقيقات صحة هذه الشائعات.
وأشارت هذه المصادر إلى أن قرار إقالة وهيبة لم يكن بناء على تقارير تثبت ارتكابه مخالفات مالية، بل كان قراراً متوقعاً، لا سيما أن المتعارف عليه منذ عشرات السنين أن الهيئة تمثل محطة تكريم لرؤساء الأركان السابقين أو كبار قادة الجيش، لافتة إلى أنه بعد قرارات إقالة قيادة الجيش، كان متوقعاً تكريم أحدهم بتعيينه رئيساً للهيئة، كما كانت متوقعة إقالة الفريق علي فاضل من رئاسة قناة السويس وتعيين أحد قادة المجلس العسكري بدلاً منه. كذلك كانت متوقعة إقالة رئيس جهاز الرقابة الإدارية، وتعيين رئيس جديد للجهاز المركزي للمحاسبات.
ونبهت المصادر إلى أن مرسي ضرب عصفورين بحجر واحد، بإقالة قيادات المجلس العسكري والقضاء على إزدواجية السلطة وفي الوقت نفسه تطهير المؤسسات الكبرى ممن يدينون بالولاء للنظام السابق، ومنها قناة السويس والهيئة العربية للتصنيع.
وذكرت هذه المصادر أن مرسي كلّف الجهات الرقابية والجهاز المركزي للمحاسبات بإجراء تحرياتها و إعداد تقارير عن الموقف المالي للهيئة العربية للتصنيع في آخر عشر سنوات، وعن حجم الفساد فيها، ونسبة الأموال التي كانت مخصصة لمبارك وأركان نظامه. وكذلك الأمر في قناة السويس ومختلف المؤسسات الحيوية.
غموض القرار
وبحسب وجهة نظر اللواء طلعت مسلم، الخبير الاستراتيجي والأمني، فإن تفسيرات إقالة رئيس الهيئة العربية متعددة في ظل غموض القرارات التي يتخذها مرسي على طريقة النظام السابق في تعامله مع الشعب.
وقال مسلم لـquot;إيلافquot;: quot;نحن في حاجة لتوضيح الكثير من القرارات التي يتخذها مرسي، ومن بينها إقالة المشير طنطاوي وأعضاء المجلس العسكريquot;، متوقعًا ألا يكون ما ذكره البرنس عن قرار إقالة وهيبة صحيحًا. وتساءل: quot;من أين يأتي بتلك المعلومات؟ هل خرجت من مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين؟quot;
وأضاف مسلم أن قرار إقالة وهيبة كان متوقعًا وطبيعيًا في إطار استبعاد الرئيس لكل رموز النظام السابق، وهذا من حقه تمامًا وسط ما كان يقال من شبهات فساد بالهيئة العربية للتصنيع منذ سنوات.
المزيد من التطهير
ولم يستبعد السفير عبدالله الأشعل، مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن تكون المعلومات التي نشرها الدكتور حسن البرنس صحيحة. وقال لـquot;إيلافquot; إن ميزانية الهيئة العربية للتصنيع quot;كانت تصرف على أسرة مبارك والقصر الجمهوريquot;.
ووصف الأشعل تعيين قادة الجيش السابقين في الهيئة بأنه quot;سبوبةquot;، كما وصف قرار الرئيس بإقالة وهيبة بأنه quot;منطقيquot;. وتوقع الأشعل صدور المزيد من قرارات تطهير مؤسسات الدولة من الفلول الذين يتولون مناصب حساسة بالدولة، وخاصة قيادات الجيش السابقين.
التعليقات