يحمل المعارض السوري مأمون الحمصي على النظام السوري المجرم، وعلى العالم الذي يقدم لهذا النظام فرص الاستمرار على أنقاض سوريا، كرمى لعين أمن إسرائيل. ولا يوفّر المعارضة السورية في الخارج من الهجوم، إذ يصفها بالأنانية الباحثة عن تحقيق مصالحها.
القاهرة: يُنظر إلى النائب محمد مأمون الحمصي كواحد من رموز النضال في سوريا، إذ حمل لواء المعارضة ضد نظام حكم بشار الأسد باكرًا. ففي آب (أغسطس) 2001، اعتقل بعد إعلانه إضرابًا عن الطعام في مكتبه للمطالبة بإنهاء حال الطوارئ وإطلاق الحريات العامة، على الرغم من أنه كان نائبًا في البرلمان ويتمتع بالحصانة. لكن رفعت عنه الحصانة خلال ساعة في جلسة طارئة لمجلس الشعب السوري، على طريقة أيمن نور في مصر، ثم قدم للمحاكمة وحكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات. وبعد الإفراج عنه، طُرد خارج البلاد ليعيش لاجئًا ومناضلًا ضد نظام اختار أن يبيد شعبه ليبقى في السلطة.
المعارض السوري مأمون الحمصي |
وفي حوار صريح مع quot;إيلافquot; في القاهرة، يؤكد الحمصي أن نظام بشار الأسد يستخدم أسلحة محرمة دوليًا ضد الشعب السوري، مشيرًا إلى أن إيران تدعم هذا النظام من أجل المشروع الطائفي الذي تغطيه بغطاء القضية الفلسطينية لخداع العالم العربي. ويضيف أن المعارضة في الخارج لا تمثل الثورة، لأنها تعاني من مرض الأنانية والبحث عن المصالح، داعيًا الجيش السوري الحر والفصائل المقاتلة معه إلى تكوين مجلس عسكري لإدارة الثورة وإدارة سوريا ما بعد الأسد.
ما هي حظوظ المبعوث الأممي الجديد الأخضر الإبراهيمي في النجاح بمهمته؟ وهل سيتمكن من حقن الدماء السورية؟
لا يمكن التعويل كثيرًا على الأخضر الإبراهيمي في حقن دماء السوريين، فقد فات زمن الحلول السياسية في سوريا. يتعرض الشعب السوري لأبشع أنواع المجازر يوميًا منذ منتصف آذار (مارس) 2011 و العالم لا يتحرك، بل يمنح بشار الأسد الفرصة تلو الأخرى، من أجل قمع الثورة وإخمادها، والأسد يفشل في كل مرة وتزداد الثورة إشتعالًا وإصرارًا على إسقاطه ومحاكمته.
أعتقد أن الإبراهيمي نفسه لا يتوقع النجاح، وهو نفسه قال ذلك بعد توليه المهمة.
كان على المجتمع الدولي أن يبحث في إستخدام الحل العسكري، وليس السياسي منذ أكثر من عام ونصف العام، لا سيما أن هذا النظام يضرب بجميع الأعراف والمواثيق الدولية عرض الحائط، ويرفض تنفيذ جميع المبادرات السياسية للحل. لكن العالم يجعل أمن إسرائيل فوق أي إعتبار، ويخضع لضغوط إيران التي تحمي هذا النظام وتقف وراءه بالمال والعتاد. كان على الإبراهيمي الإعتذار عن هذه المهمة، إذا كان يعلم أنه سيفشل فيها، فلا يجعل من نفسه غطاءً للمزيد من سفك الدماء والتدمير في سوريا.
على كل حال، لم يعد أمام الشعب السوري سوى الإستمرار في ثورته حتى النهاية.
quot;طبخةquot; جديدة
ما تقييمك لمستقبل الثورة في ظل الصمت العربي والدولي، والدعم الإيراني غير المحدود للنظام، والغطاء السياسي الذي يحظى به من جانب روسيا والصين؟
منذ اللحظة الأولى للثورة، يريد المجتمع الدولي إنقاذ هذا النظام، والعمل على تحويل الثورة إلى مجرد مطالب إصلاحية. استمر النظام في القمع والتدمير والقتل بأبشع الأساليب، وفي محاولة تركيع السوريين.
ما يحدث حاليًا من مبادرات سياسية ما هي إلا محاولات جديدة للهدنة، ومنح النظام فرصة من أجل جمع شتاته، ومحاولة إبادة الثوار، لا سيما بعدما فقد بشار الأسد السيطرة على أكثر من 70 في المئة من الأرض السورية لصالح الثوار. فلم يعد يستخدم الدبابات في القمع والتدمير، بل الطائرات لأنه لم يعد يملك الأرض.
أشتم رائحة مؤامرة جديدة ضد الشعب السوري تدار في الخفاء، لا سيما بعد أن زادت حدة القتل والمجازر مؤخرًا، ليكون التفاوض على إيقاف موقت للقتل، وليس رحيل النظام، لتكون هناك فرصة جديدة له في القمع، وquot;الطبخةquot; الجديدة تعدها إيران برعاية روسيا والصين. أتوقع فشل هذه المؤامرة، لأن السوريين والجيش السوري الحر والكتائب والمجموعات التي تقاتل على الأرض أثبتوا أنهم من زمن آخر، من زمن مدرسة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فعلى الرغم من قلة حيلتهم وقلة عتادهم يحققون إنتصارات رائعة، وأتوقع لهم الإنتصار في النهاية، وإسقاط هذا النظام ومحاكمته. من يصنع مستقبل سوريا هم الثوار على الأرض.
لكنّ ثمة حديثاً يجرى حاليًا في أروقة الإدارة الأميركية والأمم المتحدة حول فرض حظر جوي في سوريا؟
هذا مطلب قديم للثورة السورية، وهو مطلب مشروع ومنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة لحماية المدنيين، لكن الحسابات الأميركية الروسية والإيرانية والإسرائيلية تمنع فرض هذا الحظر.
كما أن عدم وجود بترول في سوريا يجعل الدم السوري رخيصًا في نظر الغرب. الجميع للأسف خذل الشعب السوري، بمن فيهم العرب، ولاسيما جامعة الدول العربية، التي تصر على حماية نظام بشار الأسد عبر الصمت على جرائمه تارة، وعبر طرح مبادرات سياسية لا تسمن ولا تغني من جوع تارة أخرى.
حتى القرارات الهزيلة التي إتخذتها بفرض عقوبات إقتصادية وطرد السفراء السوريين من الدول العربية، وإغلاق المحطات الفضائية التي تبث من بعض الدول الشقيقة لم يتم تنفيذها.
لا أمان لإيران
ما تفسيرك للدعم الإيراني غير المحدود لنظام بشار الأسد؟
إيران لديها مشروع سياسي وطائفي في المنطقة العربية، تعمل بكل قوة على نشره في الدول العربية تحت غطاء القضية الفلسطينية، وهناك الكثير من العرب ينخدعون بها. تعمل إيران جاهدة من أجل حماية نظام بشار الأسد العلوي وحماية حزب الله الشيعي في لبنان، في مواجهة أغلبية سنية من الشعب السوري.
إن عمليات القتل والإغتصاب والتدمير اليومية تتم ضد الأغلبية السنية في سوريا التي قامت بالثورة ضد هذا النظام الطائفي، وللأسف الشديد يبدو أن أرخص الدماء في العالم هي الدماء العربية، والأكثر رخصًا هي دماء السنة السوريين، إن النساء السوريات السنة يتم إقتيادهن وتقديمهن إلى الشباب والرجال الشيعة في سوريا لإغتصابهن، كما يتم تهجير السوريين من منازلهم وقراهم ويستولي عليها الشيعة.
هناك مجازر بشعة تحدث يوميًا في سوريا بإستخدام كافة أنواع الأسلحة المحرمة دوليًا. ويشارك الجيش الإيراني وحزب الله في الحرب ضد الشعب السوري، في ظل صمت عربي ودولي مخزٍ، للأسف الشديد صار الشعب السوري بين كماشتين، الأولى محور الأسد إيران الشرير، والثانية محور أميركا وإسرائيل والشرير أيضًا، فإسرائيل تقدم دعماً خفياً غير محدود أيضًا لهذا النظام، الذي لم يطلق رصاصة واحدة طوال أكثر من أربعين عامًا لتحرير الجولان المحتلة، في حين يقاتل شعبه بالطائرات والدبابات والأسلحة المحرمة دوليًا، وللأسف الشديد يبارك أوباما هذه المجازر وهو من هلل العرب لانتخابه. فعندما لوّح النظام بإستخدام الأسلحة الكيماوية، خرج أوباما هائجًا ومحذرًا من عمل عسكري، ليس إنقاذًا للشعب السوري، ولكن خشية تسرب انتشار أثر تلك الأسلحة إلى دول الجوار، والمقصود بها إسرائيل.
وكيف ترى زيارة الرئيس محمد مرسي لإيران وخطابه الذي أيّد فيه ثورة الشعب السوري ضد quot;النظام القمعي الظالمquot;؟
شعرنا بالفرح لأننا وجدنا من يقف إلى جوارنا. فقد كان خطاب مرسي في طهران كلمة حق في وجه محور الشر الإيراني السوري مع حزب الله اللبناني. تستحق مواقف الرئيس مرسي الثناء والشكر، إذ شعرنا أن مصر قد تعافت وصارت قادرة على مواجهة أطماع إيران ومشاريعها السياسية والطائفية في المنطقة. لكننا نتمنى ترجمة خطابه إلى أفعال، فالشعب السوري يتعرض للإبادة ويحتاج إلى جهود إغاثية عاجلة.
ندعو مرسي إلى الاستمرار في ضغوطه على النظام السوري من أجل إيقاف نزيف الدم السوري، وايقاف قتل الأطفال واغتصاب الحرائر. كما نريد لفت انتباهه إلى أن الشيطان الإيراني يعتبر النظام السوري خط دفاعه الأول، وأن النظام الإيراني لا أمان له فإذا عاهد خان، وإذا قاتل فجر، ولديه خطة وأهداف ومشروع بناه منذ أربعين عامًا.
معارضة أنانية
ثمة أزمة أخرى يُعاني منها الشعب السوري، ألا وهي تفرق المعارضة السورية، وغياب بديل جاهز لإدارة الدولة في حال انهيار النظام؟
الثورة السورية ليست ثورة معارضة بالخارج أو بالداخل، إنها ثورة شعب انتفض ضد الظلم والقهر والفقر، أطلق شرارتها أطفال وشباب في مدينة درعا.
يؤسفني أن أقول إن الشعب السوري كان يعاني دائمًا من شك بعضه في البعض الآخر، لدرجة تشكيك الأخ في أخيه، بعدما استطاع النظام زرع جواسيسه ومخبريه في كل مؤسسة وكل مكان في البلاد. ويؤسفني أكثر أن أقول إن المعارضة السورية تعاني الآن من أزمة أخطر، تتمثل في مرض الأنانية والبحث عن المصالح الخاصة. هذا مرضٌ أصاب المعارضة السياسية ولم يصب ثوار الداخل.
واقع المعارضة في الخارج محبط، فبعض المعارضين يقف في مراكب تجري في بحر من دماء السوريين، ينتظر بشباكه لصيد المصالح وتحقيقها. للأسف، لم تسعَ فصائل المعارضة للتوحد في الخارج، ولم تسعَ لقيام مجلس وطني حقيقي وقوي يقود المعارضة ويقود الدولة في المرحلة الإنتقالية كما فعل المجلس الوطني في ليبيا.
لكن قد يعود نجاح المجلس الوطني الليبي إلى أنه كان جزءًا من الثورة يقودها في الميدان. لماذا لم يشكل الثوار بالداخل مجلسًا كهذا لقيادة الثورة وقيادة الدولة في مرحلة ما بعد الأسد؟
أرى أن الحل في سوريا يكمن في إنشاء مجلس عسكري إنتقالي يدير المعارك والثورة في الوقت الراهن، ويعمل على الحفاظ على مؤسسات الدولة، وتنظيم إنتخابات برلمانية ورئاسية. ونحن نناشد الجيش السوري الحر والكتائب التي تقاتل إلى جانبه إنشاء جسم عسكري موحد لإدارة المرحلة الإنتقالية. فهم مؤتمنون على أرواح السوريين بعد أن نذروا أنفسهم وأرواحهم للدفاع عن الشعب السوري. هؤلاء من سيحاسبون النظام ويحاكمون رموزه، كما سيحاسبون المعارضة الخارجية أيضًا.
التعليقات