صورة للجنرال التركي جيتين دوغان خلال إحدى الحملات في 25 أيار (مايو) 2011


مني الجيش التركي بهزيمة جديدة في حرب النفوذ التي يخوضها مع السلطة المدنية الإسلامية التي تحكم تركيا اليوم، وذلك بصدور أحكام بالسجن في حق نحو 300 ضابط اتهموا بالمشاركة في انقلاب عسكري للاطاحة بحكومة رجب طيب أردوغان في العام 2003.


اسطنبول: في بلد عين فيه العسكريون الحكومات المدنية واسقطوها طوال عقود، أسفر الحكم الصادر في تركيا في قضية quot;باليوزquot; (مطرقة الحداد) عن مفاجأة مذهلة.

ففي هذه المحاكمة الاولى التي تستهدف الجيش، حكم قضاة المحكمة على 326 ضابطًا بالاجمال بالسجن من اثنتي عشرة الى عشرين سنة، بتهمة محاولة اطاحة حكومة رئيس الوزراء الحالي رجب طيب اردوغان في 2003.

ومن الذين انزلت بهم اقسى العقوبات، ضباط كبار امثال الجنرال جيتين دوغان الذي ادين باعتباره العقل المدبر للمؤامرة، ورئيسا الاركان السابقان لسلاح الجو والبحرية ولائحة طويلة من الكولونيلات.

وأشاد معظم المعلقين ولاسيما منهم المقربون من حزب العدالة والتنمية الحاكم بهذا الحكم غير المسبوق. وقالت نازلي ايليجاك الكاتبة في صحيفة صباح القريبة من حزب العدالة والتنمية، إن quot;هذا الحكم سينهي وصاية العسكريين. وسيعتبر تدبيرًا رادعًا للمدنيين والعسكريين على السواءquot;.

واعلن رئيس تحرير صحيفة راديكال في انقرة دنيز زيريك quot;القضاء حاكم حتى اشد القادة نفوذًا. هذا تطور ايجابيquot;. واضاف في تصريح لوكالة فرانس برس quot;لكنّ المتهمين اشاروا الى اخطاء في الوقائع وادلة خاطئة، فعلى القضاة الذين يشرفون على هذه المحاكمات العمل بدقة كبيرةquot;.

وطوال المحاكمة، انكر الضباط المتهمون كل وقائع المؤامرة المنسوبة لهم، مؤكدين أن خطة quot;مطرقة الحدادquot; اذا ما وجدت لم تكن سوى مناورة على غرار المناورات التي يعدها الجيش.

لكن الحكم الذي اصدرته الجمعة الغرفة العاشرة الجنائية في محكمة اسطنبول، تنبعث منه رائحة تصفية الحسابات السياسية، كما يرى كثيرون، حتى لو أنه كان إيذانًا بنهاية الافلات من العقاب لجيش وقف وراء اربعة انقلابات عسكرية خلال نصف قرن.

وعلى وقع تحقيقات قضائية كبيرة بتهمة التآمر، وعمليات اقالة لمسؤولين في الجيش والزج بهم في السجن، اعادت الحكومة الاسلامية المحافظة التي تتولى الحكم منذ 2002 في السنوات الاخيرة بصورة تدريجية تصويب عمل جيش جعل من نفسه خط الدفاع الاخير عن الارث العلماني لتركيا الحديثة.

ولم يكن مفاجئًا أن ينتقد خصوم حزب العدالة والتنمية الحكم quot;السياسيquot; الذي اصدره قضاء يأتمر بالسلطة السياسية. وانتقد نائب رئيس الحزب الجمهوري الشعبي، ابرز احزاب المعارضة، بولنت تيزجان quot;حقبة جديدة من الانقلاباتquot;. وانتقد رئيس الحزب القومي دولت بهجلي حكمًا quot;غير مبرر وغير منصفquot; حتى أنه رأى فيه quot;اهانةquot; للجيش.

وقال حكمت سامي ترك الذي كان وزيرًا للدفاع قبل وصول حزب العدالة والتنمية الى الحكم في 2002، quot;هذه محاولة للاساءة الى القوات المسلحة التركية، والحكومة تضطلع بدور ما في هذا الشأنquot;. واضاف: quot;تنجم عن قرار مماثل تأثيرات سلبية على معنويات الجيش فيما تقترب الازمة السورية من بلادنا وفيما نتصدى للانفصاليين الاكرادquot;.

واوجز منصور اكجون الاستاذ في جامعة كولتور في اسطنبول في تصريح لوكالة فرانس برس الأمر بقوله إن quot;هذا الحكم تحول تاريخي، اذا ما وقعت فعلاً جريمة تبرر هذه الادانةquot;. واضاف: quot;اذا لم يتم الالتزام التام بالاجراءات القضائية ستنجم عن ذلك مشكلة بالتأكيدquot;.

وقد حرصت السلطة التي اخذت علماً بهذه الانتقادات على الا تبدي علامات الابتهاج والترحيب. واعتبر نائب رئيس الوزراء بولنت ارينج الملف quot;مهمًاquot; لكنه ذكر بأنه ما زال في استطاعة المتهمين رفع دعوى الى محكمة النقض.

وذكر رئيس الوزراء ايضًا الجمعة بأن محكمة الاستئناف العليا ستعيد النظر في الملف. لكنه اضاف quot;ننتظر منها جميعًا قرارًا عادلاًquot;، وهي ملاحظة بسيطة تحمل نبرة تهديد.