استعان رئيس الحكومة نوري المالكي بخبرات ضباط مسرّحين، خدموا في العهد السابق، لضبط الوضع الأمني خصوصًا في المناطق السنية، في خطوة تحمل أبعادًا سياسية ومذهبية وتؤثر في التوازن الهش الذي يحكم العلاقة بين مكونات المجتمع العراقي.


بغداد: في نهاية ايار (مايو) الماضي، دعارئيس الحكومة العراقية نوري المالكي الى تشكيل لجنة لإعادة ضباط الجيش السابق الى صفوف الجيش الحالي، وذلك بهدف المساهمة في إعادة الاستقرار الى بلاد تعيش على وقع الصراعات والحروب منذ عقود.

وباشرت لجان تابعة لوزارة الدفاع باستقبال طلبات الضباط الراغبين في العودة، واعلن وزير الدفاع بالوكالة سعدون الدليمي مؤخرًا عن اكتمال إجراءات العودة للوجبة الاولى في محافظة نينوى التي تشمل 209 من ضباط الجيش المنحل.

ويقول استاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد حميد فاضل إن مبادرة المالكي الذي يحكم البلاد منذ 2006 تأتي كونه quot;بحاجة الى خبرة هؤلاء الضباط في تحقيق الأمن، خصوصًا في المناطق ذات الغالبية السنيةquot;.

لكنه يرى ايضًا أن quot;الهدف السياسي هو الغالب على الهدف الأمني في هذه المبادرةquot; على اعتبار أن المالكي quot;يطمح أن يقدم مشروعًا وطنيًا يتعدى حدود الطائفة الواحدة في الانتخابات القادمةquot; عام 2014.

وجاءت دعوة رئيس الوزراء الشيعي في مرحلة شهدت تصاعدًا ملحوظًا في أعمال العنف اليومية المستمرة منذ إسقاط نظام صدام حسين قبل نحو تسع سنوات، والتي تستهدف خصوصًا القوات الأمنية والعسكرية وقد قتل فيها عشرات الآلاف.

والى جانب أعمال العنف، أتت هذه المبادرة في أوج أزمة سياسية بدأت مع انسحاب القوات الاميركية نهاية العام الماضي، وتقوم خصوصًا على اتهامات للمالكي بالتفرد بالسلطة وإقصاء المكونات الأخرى، وبينها السنة.

ويقول الرائد سعدون مجيد العجيلي وهو احد ضباط الجيش المنحل في تصريح لفرانس برس إن quot;المبادرة ايجابية وضرورية في هذه المرحلة لاستثمار خبرات الضباط السابقين باتجاه حفظ استقرار وكرامة البلادquot;.

من جهته، يرى عضو مجلس محافظة ديالى التي تسكنها غالبية سنية عدنان زيدان أن quot;موجة الانتفاضات التي تجتاح الدول العربية الواحدة تلو الأخرى وإمكانية وصولها الى العراق تتطلب اتخاذ تدابيرquot; اضافية. ويتابع أنه quot;رغم ذلك، فإن مبادرة رئيس الوزراء جيدة وفي وقتها المناسب لأن البلد بحاجة ماسة الى خبرات الجيش السابقquot;.

ويؤكد العميد زياد مالح، احد المسؤولين عن استقبال طلبات العودة الى الجيش في محافظة ديالى، تلقي quot;اكثر من 950 طلبًا بالعودة واستمرار ضباط آخرين بالتوافد للغرض نفسهquot;. وكان الحاكم الاميركي بول بريمر الذي تولى ادارة البلاد بعد اجتياحها على ايدي قوات تحالف دولي قادته الولايات المتحدة عام 2003، أمر بحل الجيش السابق في ايار/مايو من العام نفسه.

والجيش العراقي الذي أسس اول لواء له في كانون الثاني/يناير 1921 تحت مسمى quot;لواء موسى الكاظمquot; يضم اليوم نحو 300 الف عسكري.

وبعيد الانسحاب الاميركي، القيت شكوك حول قدرة هذا الجيش على حفظ أمن البلاد وحدودها، خصوصًا بعدما اعلن رئيس الاركان الفريق بابكر زيباري أن القوات العراقية لن تكون قادرة تمامًا على تولي الملف الأمني قبل 2020.

ويقول ضابط سابق برتبة عقيد في تكريت مركز محافظة صلاح الدين ذات الغالبية السنية إن quot;الضغوط السياسية هي التي دفعت رئيس الوزراء للبحث عن امور تساعد على تحقيق المصالحة الوطنية، وبينها اعادة الضباط السنة للخدمةquot;.

ويضيف quot;والا لماذا دعا الى ذلك بعد هذه السنوات الطويلة رغم الحاجة التي كانت مستمرة لهم ومع اقتراب موعد الانتخابات وتعالي اصوات احزاب سياسية طالبت بسحب الثقة من حكومتهquot;.

بدوره قال الرائد كريم الجبوري وهو احد ضباط الجيش السابق في محافظة نينوى، إن مبادرة رئيس الوزراء quot;لا تتعدى الحبر على الورق وتسعى الى تحقيق اهداف انتخابية وسياسيةquot;. واضاف quot;سبق أن قدمت ثلاثة طلبات للعودة لكن من دون جدوى، ولن يكون الأمر حقيقة بالنسبة لي الا بعد تنفيذه فعليًاquot;.

ويذكر أن عددًا محددًا فقط من ضباط الجيش السابق عادوا للعمل مجدداً في وزارات الدفاع والداخلية خلال الاعوام الماضية. وتعكس دعوة المالكي لاعادة المزيد من هؤلاء الانقسام الحاد والصراع على السلطة بين المكونات في بلاد حكمها السنة لعقود قبل أن يتولى الشيعة الذين يشكلون الغالبية السلطة فيها عقب سقوط النظام السابق.

وفيما يرى النائب خالد الاسدي المنتمي الى التحالف الوطني الشيعي أن مبادرة رئيس الوزراء quot;ايجابيةquot;، يقول النائب عن قائمة quot;العراقيةquot; المعارضة التي تضم ابرز الشخصيات السنية حامد المطلك إن quot;الدعوة تبدو غير جادةquot;.

ويوضح المطلك وهو احد اعضاء لجنة الأمن والدفاع في البرلمان quot;من المؤكد أن رئيس الوزراء يطمح لأن يكون مؤثرًا في المناطق السنية عبر استثمار كل اجراء يتخذه للحصول على دعم المكون السني لهquot;.