يمثل الربيع العربي اختباراً قاسياً للرئيس الأميركي باراك أوباما، خاصة بعد سقوط العديد من الحكام الديكتاتوريين الذين كانت تربطهم عقود من العلاقات الأميركية الوثيقة.


بيروت: اختار الرئيس الأميركي باراك أوباما أن يضع بلاده بثقلها في جانب الشارع العربي، وخلافاً للعلاقة السابقة مع الرئيس المخلوع حسني مبارك، كان اوباما حازماً في مكالمته مع محمد مرسي الأسبوع الماضي، فبعد رد فعله الفاتر تجاه الهجمات على السفارة الأميركية بالقاهرة، طلب أوباما بنفاد صبر من مرسي إظهار الدعم، وفي غضون ساعة واحدة، حصل ما أراد.

أوباما تحدث الى مرسي هاتفيا ... وكان له ما أراد


في هذا السياق، اشارت صحيفة الـ quot;نيويورك تايمزquot; إلى أن أوباما خاطر بتجاهل نصائح المستشارين في الخارجية الأميركية والبنتاغون، الذين قضوا عقوداً في quot;حضانة النظام المصري المستبدquot;. وبعد سقوط النظام القديم بدأ أوباما يستشير بعض المسؤولين الذين عارضهم من قبل، ثم اندلعت التظاهرات المعادية لأميركا على خلفية الفيلم المسيء للإسلام في مصر وليبيا، وأدت تلك التظاهرات إلى مقتل 4 ديبلوماسيين أميركيين في ليبيا، من ضمنهم السفير الأميركي كريستوفر ستيفنز.
اهتزت صورة أوباما في مصر بعد أن تأخر مرسي في إدانة الهجمات التي تعرضت لها السفارة الأميركية بالقاهرة، وامتلأت الشوارع بالحشود الغاضبة بسبب فيلم quot;براءة الإسلامquot; الأميركي الذي يسيء للنبي محمد، ثم أحرقوا أعلام الولايات المتحدة، ودمى على شكل أوباما.

وكشفت الصحيفة أن أوباما تحدث بشكل خاص إلى العاملين في الخارجية الأميركية، محاولاً أن يجد منطقاً وراء الأحداث الجارية ومواساتهم بذكريات من طفولته وتقديره للديبلوماسيين الأميركيين الذين خاطروا بحياتهم من أجل بلادهم، مؤكداً ضرورة استمرار العمل في وجه quot;عنف الحشود في المنطقةquot;.
حديث أوباماً للعاملين في الخارجية يعكس الدروس الصعبة التي تعلمها خلال العامين الماضيين من خلال الاضطراب السياسي في العالم العربي، وفقاً للصحيفة التي اعتبرت أنه تعلم أن quot;الكلمات الواضحة ودعم الطموحات الديمقراطية ليسا كافيين لنشر النوايا الجيدة في المنطقةquot;، على الأقل، ليس عندما يتعارض ذلك مع مصالح الأمن القومي الأميركي.

بعد أن دافع عن التظاهرات المطالبة بالديمقراطية في مصر العام الماضي، تغيرت الأوضاع فجأة لتضع أوباما في مأزق يعكس الفجوة بين قطبي سياسته: رغبته في أن يصبح جسراً تاريخياً لتحسين صورة أميركا في الخارج، ورؤيته للمصالح الأميركية على المدى البعيد فيما يتعلق بالنفط الرخيص والأمن القومي.
الاختلاف بين النتائج في القاهرة والبحرين يوضح عدم صبر أوباما فيما يتعلق بديبلوماسية الغرف المغلقة، وفشله في بناء علاقات شخصية مقربة من القادة الأجانب خاصة في الشرق الأوسط، بما يساعد البيت الأبيض على اتخاذ القرارات بشأن السياسة الخارجية.

المثال على فشل أوباما في خلق علاقات شخصية وثيقة مع القادة الأجانب، هو عدم قدرته على بناء علاقات شخصية وثيقة مع الرئيس الأفغاني حامد كرزاي وملك السعودية عبد الله بن عبد العزيز.
موقف أوباما من البحرين كان مختلفاً، فبالرغم من أنه بدأ بتأييد التظاهرات الموالية للديمقراطية كما فعل في مصر، إلا أنه التزم الصمت بعدها، حفاظاً على مصالح الولايات المتحدة التي لديها قاعدة عسكرية في البحرين، ربما يكون الهدف منها مواجهة إيران.

وأشاد بعض المحللين بـ quot;الوعي المبكرquot; الذي يتحلى به أوباما، من ناحية إدراكه أن الأولويات الإستراتيجية تأتي قبل أي تعاطف له مع احتجاجات الشعب. ويقول آخرون إنه كان بالإمكان أن يكون للإدارة الأميركية دور فاعل في التوسط بين الحكومة البحرينية والمحتجين، ومن ثم تفادي إحدى الأزمات في أكثر مناطق العالم تقلباً لو حرص أوباما على خلق علاقات شخصية مع ملك السعودية.
وعندما اتسعت الثورات لتشمل ليبيا والبحرين واليمن وسوريا، لم يفقد أوباما تعاطفه مع المحتجين الذين أغضبوا حلفاء أميركا في دول الخليج المحافظة والغنية بالنفط، لكن ما كان يخبئه المستقبل القريب لم يكن في الحسبان.

الملاحظات التي أدلى بها الرئيس الأميركي باراك أوباما وتحديداً أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة حول الاحتجاجات المعادية لأميركا، تعكس الدروس الصعبة التي تعلمها خلال العامين الماضيين من الاضطراب السياسي العظيم في العالم العربي.
ويرى مستشارو أوباما أنه عندما يصمم الرئيس الأميركي ويتخذ موقفاً واضحاً يكون التأثير أكثر فعالية، والمثال على ذلك المكالمة الهاتفية التي أجراها مع نظيره المصري الأسبوع الماضي.