العراقيون متأكدون من أن الكتل السياسية لن تلتزم قرار مفوضية الانتخابات عدم استخدام الرموز الدينية وصور المرجعيات وشيوخ الدين والعلماء في الدعايات الانتخابية، لأن هذه الكتل تقوم بهذا النوع من الدعاية لتحقيق حضور جماهيري.


بغداد: مع بدء العد التنازلي للحملات الدعائية الانتخابية الخاصة بمجالس المحافظات التي ستجري في 20 نيسان (ابريل) المقبل، تحاول مفوضية الانتخابات تمييز الدعاية الانتخابية بقدر كبير من الشفافية والمصداقية، من أجل تسيير العملية بنجاح، ويستطيع المواطن أن يدلي بصوته من دون النظر إلى تلك الرموز الدينية التي تتخذها القوائم للدعاية لنفسها، في محاولة منها لدفع المواطن على انتخابها أو الضغط عليه نفسيًا.

تدرك المفوضية أن تطبيق هذا القرار ليس سهلًا، وقد تم اهماله في الانتخابات الماضية، لكنها أوعزت لمكتبها في محافظة وسط جنوب بغداد بجس نبض الكتل والكيانات السياسية، وقد تم اختيار هذه المحافظة كونها أكثر المحافظات العراقية هدوءًا واستقرارًا واقلها عشائرية تقريبًا.

تخشى الفشل

لا يثق المواطن عبد الكريم سرحان، الموظف في وزارة الثقافة، بالكتل السياسية حتى لو أعلنت عن التزامها بالقرار، لأنها تقول شيئًا وتفعل شيئًا آخر. قال: quot;القرار اكثر من رائع، ولكن الكتل السياسية ستتلاعب بالقرار بحجة أن الرمز الديني الفلاني تابع لها، أو أن الجمهور هو من اختاره ليكون عنوانًا للقائمة، والانتخابات حرب ضروس تستخدم فيها الاسلحة كافة من اجل الحصول على اصوات اكثرquot;.

اما المواطن هشام الكربلائي، ويعمل في التجارة الحرة، فقد اشار إلى أن الكتل السياسية تخشى من الفشل وابتعاد الناس عنها، quot;لذلك تعلق أمورها على رجال الدين ورموزه، ولا اعتقدها ستمتنع عن زج الرموز الدينية في الدعاية الانتخابية لانها ستخسر، ثم أن الشوارع في كربلاء وبغداد امتلأت منذ الآن بصور رجال دين معروفين من المتوفين والاحياء، فهل تستطيع المفوضية أن ترفعها؟quot;.

وأضاف: quot;الكتل السياسية الآن في حالة يرثى لها، لانها بعد عشر سنوات من التغيير لم تستطع أن تقنع المواطن بانجازاتها، فالبطالة والفقر والحرمان والفساد والخراب تهيمن على البلد، لذا تحتاج هذه الاحزاب إلى فعل سحري لاجتذاب الناس اليهاquot;.

أما المواطنة شكرية منصور فتمنت أن يكون المواطن جريئًا في اختياراته، quot;واتمنى من كل قلبي أن تلتزم الكتل السياسية بقرار المفوضية لنؤكد اننا شعب حي وحضاريquot;.

رماد في العيون

ينظر الدكتور صادق عزيز الموسوي، الاستاذ السابق في جامعة بغداد، إلى القضية من جانب آخر، ويتساءل عن كيفية اقتناع المواطن بالسياسيين بعد اخفاقاتهم المتلاحقة. قال: quot;اتمنى أن تلتزم الكتل بالقرار، لكنني اعتقد أنها لا تستطيع مخالفة أمر المرجعية، والا كيف تستطيع هذه الكتل نيل ثقة الناخب بعد كل هذه الاخفاقات والوعود التي اطلقها النواب؟quot;.

ويشير الموسوي إلى نوع من اليأس لدى الناخب، quot;فإذا سحبت المرجعية نفسها من دعم أي مرشح، تصير المسألة صعبة وحرجة، ولا ينفع فيها صرف الاموال والمغريات، الا من اتى الله بقلم سليمquot;.

اما الكاتب السياسي عبد الرضا الحميد فيعترض على استخدام مصطلح الرموز الدينية، لأنه ينطوي على مفهوميات اشكالية متعددة تاريخيًا ولغويًا وموضوعيًا، quot;وربما كان مصطلح رموز الطوائف أو المذاهب اكثر اتصالًا حقيقيًا بالواقع العراقي، لأن مصطلح الرموز الدينية يعطي معنى شموليًا، أي رموز الاسلام الواحد لا الاسلام المتعدد، ورموز الاسلام المحمدي لا رموز الرواة والنقلة والمؤرخين المؤدلجينquot;.

أضاف: quot;في الانتخابات الماضية، اصدرت المفوضية تعليمات مثل هذه، لكن الوقائع تقول إن التجاوز حصل امام بصر المفوضية، ولم تنبس ببنت شفة؟ فهل استطاعت منع استخدام المساجد والجوامع للدعاية الانتخابية؟ ومتى كانت المفوضية مستقلة كي تكون مؤهلة لممارسة سلطة فعلية على تنفيذ هذه التعليمات؟ فهي نسخة من مجلس النواب ونسخة من الحكومةquot;، مؤكدًا أن هذا القرار ذر رماد في عيون البؤساء، كما الانتخابات نفسها.

ينصر ابن مذهبه

من جانبه، أكد الكاتب ضياء السراي وجود نظم ومدونات سلوك خاصة تحكم الدعايات الانتخابية، quot;وهي مهملة في عرفنا الانتخابي وغير متبعة كباقي النظم واللوائح ومدونات السلوك في كل المفاصل الأخرى في البلدquot;.

أضاف: quot;في الانتخابات السابقة، ألفنا الدعاية التي تعتمد على الارث الديني، وتخاطب العاطفة الدينية في قلوب الناخبين، وهي من اخطر انواع الدعاية لأنها تأتي مغلفة بالطابع الديني وتعطي مناعة للمرشح الذي يضع خلف صورته وملصقه وكارته التعريفي صورة مرجع ديني كبير وآية قرآنية أو حديثاً نبوياً أو صورة لواحد من الائمةquot;.

ويضع الكاتب حيدر عاشور العبيدي الوضع في استعراضية مزيفة، من اجل تحقيق مآرب شخصية مرفوضة بالشكل والعنوان. قال: quot;في مخاض الانتخابات، يلعب المتنافسون لعبة التبطين بإحترافية من خلال تصريحات مجانية لا تستند إلى شيء مفهوم، وتقرر المفوضية عدم استخدام الرموز الدينية للانتخابات، وهذا هو التبطين الجديد للمسرحية، ولن يلتزم أحد بما توجه به المفوضية، فللكتل اساليبها الترويجية، وستتناحر باسم المرجعيات الدينية، والعراقي يعرف الحقيقة لكنه يغالط نفسه ويختار مذهبيته وينصر ابن مذهبه حتى لو كان فاسدًا وجاهلًاquot;.