عراقيان، عاطل عن العمل ومعوق في جلسة على رصيف أحد شوارع بغداد

أثار استطلاع دولي وضع العراق في المرتبة السادسة والثلاثين بين شعوب الأرض الأكثر سعادة،استهجانًا بين العراقيين، إذ تساءلوا إن كان مشهد السيارات المفخخة وجنازات الضحايا أمرًا يدعو للسعادة الغامرة.


بغداد: يسخر العراقيون كثيرًا من نتائج استطلاع أجرته إحدى المؤسسات العالمية عن شعوب الارض الاكثر سعادة، والذي وضع الشعب العراقي في المرتبة السادسة والثلاثين من بين 151 دولة، وأصبح الأمر مجرد طرفة أضحكت البعض، وأدهشت شريحة واسعة من العراقيين تساءلت: quot;هل يوجد شعب عراقي آخر لا نعرف به؟quot;.
لا تشبه سعادة العراقيين أي سعادة أخرى، والنظر إلى العراق في وضعه الحالي أو على مدى سنواته التسع الاخيرة على أقل تقدير، يجعل الانسان في أي مكان من العالم يرثي لحال العراقيين، ولا يعتقد ولو للحظة واحدة أن السعادة بمفهومها الحقيقي لها علاقة بالعراقيين، فحياتهم سلسلة من الأحزان والمعاناة.

سعادة العراقي بين رفاهيته وحريته في التعبير

يرى البعض أن المؤسسة صاحبة الاستطلاع ربما اعتمدت معايير حرية التعبير وقدرة الانسان العراقي على التغيير، فيما رأى البعض أن الأمر التبس عليها، وتساءلوا من أين تأتي السعادة؟ هناك من قال: quot;لا بد أن طبيعة العراقي المحب للنكتة وللسخرية من نفسه ومن واقعه هي التي أدت بها إلى هذا التصور، وهناك من قال إن صبر العراق وقدرته على التحمل هما من أوحى إلى وضعه في مرتبة جيدة بين الشعوب السعيدة، فلم تنظر إلى فقره وعذابه وإنما إلى روحه المرحة والساخرةquot;.

وكانت مؤسسة الاقتصاد الحديث The New Economic Foundation مقرها لندن قد نشرت مؤخرًا قائمة quot;شعوب الارض الاكثر سعادةquot; ضمت 151 دولة. وقد احتل العراق المرتبة السادسة والثلاثين، فيما تصدرت قائمة الشعوب السعيدة سبع دول فقيرة من امريكا اللاتينية ودول الكاريبي. وجاءت دول خليجية مثل الكويت والبحرين وقطر بمراتب متأخرة لتكون بذلك أتعس شعوب العالم!
ويعتمد مؤشر البحث الذي أجرته مؤسسة الاقتصاد الحديث على رفاهية الفرد من حيث التمتع بحياة سعيدة وطويلة وذات مغزى وصديقة للبيئة. وقال نيك ماركس، مؤسس مؤشر الكوكب السعيد، إن المؤشر يقيس سعادة الفرد بالحياة المديدة والسعيدة والكريمة. وأضاف في بيان صحافي: quot; يقيس المؤشر الحياة الكريمة المحتملة في المستقبل ولفترة طويلة، وقد اعتمدنا تدابير تركز فقط على النشاط الاقتصادي، كالناتج المحلي الإجماليquot;.

أعيدونا لذيل القائمة

أبدى العديد من المواطنين العراقيين استغرابهم من هذه النتيجة، مؤكدين أنهم أبناء البلد ولا يشعرون بالسعادة بقدر ما يحاولون التكيّف مع الظروف رغمًا عنهم. فقد توقفوا عن الحلم بالحصول على السعادة وصاروا قانعين وراضين بحالهم.
سألت quot;ايلافquot; رسام الكاريكاتير خضير الحميري عن رأيه في سعادة الشعب العراقي فقال: quot;هذه سعادة تشبه شهادات بعض المسؤولين .. مزورة !!quot;. وبعد صمت قصير، أردف قائلًا بجدية واضحة: إذا كانت كل هذه التفجيرات والتناحرات وكواتم الصوت وقوائم الموت وزحام السيطرات والصبات وسوء الخدمات وانعدام الكهرباء وغياب التوظيف والبلد الثالث في أعداد المهاجرين وطالبي اللجوء والتضييق على الحريات الشخصية .. إذا كانت كل هذه الامور مدعاة للسعادة، فإني حزين!quot;.
اضاف الحميري: quot;أظن أن الاستطلاع اعتمد على إبتسامات وقهقهات المسؤولين، وإلا كيف نكون من البلدان السعيدة وقد شهد الشهر الماضي سقوط أكبر عدد من الضحايا، وكيف تزامن هذا الاستطلاع مع عودة كواتم الصوت وقوائم الموت!quot;. وختم ساخرًا: quot;إننا نطالب بموقعنا الحقيقي في ذيل القائمةquot;.

سخرية لا فرح

أما المذيع أحمد المظفر، فقطب ما بين حاجبيه وقال: quot;لا أصدق طبعًا هذا الاستطلاع، فكيف نحتل المرتبة 36 بالسعادة ونحن لا نملك السعادة؟ هل يمازحوننا؟ فلدينا أرصفة مهترئة وحياة شبه معدومة، لا بد أنهم اعتمدوا على مفهوم التحمل لدى الشعوب ووجدوا أن شعب العراق اكثر الشعوب تحملًا للأسى والأذى، واعتقدوا أن قوة التحمل هي السعادة بالنسبة لناquot;.
من جانبه، قال الشاعر أحمد عبد السادة: quot;أعتقد أن في هذا الاستطلاع خطأ جسيماً، لأنه لا شيء في العراق يدعو إلى السعادة أو الفرح، فكل المشاهد وكل المعطيات تدعو للكآبة والالم والحزن، ويبدو أن التباسًا حصل لدى مسؤولي هذه المؤسسة العالمية، فقد شاهدوا العراقيين يسخرون من الخراب، فهذا الخراب ولّد نوعًا من السخرية جعلهم يشعرون بأنها نوع من الفرح، فهناك فارق بين أن تسخر من الخراب وبين أن تفرح به، فالسخرية أحيانًا تعبير عن الحزن، فشر البلية ما يضحك، ويبدو أن الوضع التبس عند أولئك، فتوقعوا أن السخرية عند العراقيين نابعة من الحزن واليأس وهي تعبير عن الفرحquot;.

أحزن شعوب الارض

أما الكاتب صلاح زنكنة، فقال: quot;أرى الشعب العراقي من أحزن شعوب العالم، ويجب أن يحتل المرتبة الأولى بالحزن، وهذا هو المتعارف عليه، لأن العراقي بعيد عن الفرح مع الأسف، ويقيم طقوس الموت والاحتفاء بالموتى والبكاء والنحيب وتذكر الماضي الأليم لأنه يعيش دائمًا في عمق الحزن وعمق الأسىquot;.
اضاف: quot;اعتقد أن الفرح يكاد يكون غائبًا عن الانسان العراقي، وأتصور أن هذه المؤسسة غير دقيقة في استطلاعها، فالأمر غير مقنع تمامًا، فبماذا يسعد العراقي؟ أبتعاسته أو بحروبه أو بحصاراته أو بخساراته، أعتقد أن العراقي سعيد إن عاش يومه، لأنه يتوقع دائمًا أن يموت في اليوم التاليquot;.
وتذكر الكاتب والروائي نصيف فلك الشاعر محمد الماغوط إذ قال مرة إن quot;الفرح عندنا طائر لا يحط على أي شجرة في الشرق الاوسطquot;. وقال: quot;العراق أسوأ مكان في العالم، أحزن مكان فيه، فكيف يحط طائر الفرح على شجرة العراق؟quot;. وأضاف: quot;لا أعرف على ماذا اعتمد هذا الاستقصاء، والا فهل من المعقول أن يرى أن العراقيين مستمتعون بالانفجارات وفرحون بالعبوات الناسفة وسعداء جدًا بالكواتم؟!quot;.

تحوّل كبير

حكيم عبد الزهرة، مدير اعلام امانة بغداد، قال: quot;من المؤكد أن لهذه المؤسسة العالمية معايير، وأنا أرى أن المعايير التي تجعل العراق متأخرًا دائمًا هي المتعلقة بموضوع قوانين الصيرفة والامور التجارية والسياحية، والمواضيع البيئية والصحية والخدماتية، لكنّ تحولًا كبيرًا حصل في العراق، من بلد تعد أنفاسه من قبل الانظمة الحاكمة، وابناؤه اما في السجون أو المعتقلات، أو مهجرون، إلى بلد يستطيع الانسان فيه أن يتكلم وينتقد الدولة ويذهب إلى بيته بعيدًا عن أي خوفquot;.
أضاف: quot;أعتقد أن هذه المؤسسة نظرت إلى الموضوع من جانب آخر، كالحريات، ففي العراق بطالة وأزمة سكن، لكن العراق يمنح مرتبات لخمسة ملايين شخص محتاج، هذا أمر يتميز فيه العراق عن دول كثيرة، وأعتقد أن المؤسسة اعتمدت مسألة الانتقال من عهد إلى عهد بعد التغيير الذي حصل في موضوع الحريات في الفكر أو النشر، فربما اعتبروه هو الاساسquot;.

شعوب الارض السعيدة

يذكر أن الدول التي احتلت المراتب السبع الأولى، بحسب الاستطلاع ، هي من أميركا اللاتينية ودول الكاريبي، إذ حل في المرتبة الأولى سكان كوستاريكا الفقيرة كأسعد الشعوب،ثم جاءتعلى التوالي شعوب فيتنام وكولومبيا وبيليز والسلفادور وجامايكا وباناما ونيكاراغوا وفنزويلا.
وحلت بريطانيا في المرتبة 41، متقدمة بذلك على دول مجموعة الثماني، فيما جاءت الولايات المتحدة الأميركية في المرتبة 105 لتكون بذلك في الثلث الأخير من القائمة. وقد احتلت الكويت المرتبة 143، وجاءت بعدها دول خليجية مثل البحرين في المركز 146، ثم قطر في المركز 149، متقدمة على دولتين فقط في اقصى ذيل القائمة، وهما تشاد ثم بوتسوانا الأفريقيتان.
وجاءت اليابان في المرتبة 45 وفرنسا في المرتبة 50 والدنمارك في المرتبة 110 من القائمة، فيما تصدرت الجزائر قائمة الدول العربية باحتلالها المركز 26 في القائمة. وجاءت الأردن بعدها مباشرة في المركز 27 ثم بقية الدول العربية على النحو الآتي: فلسطين (30)، العراق (36)، تونس (39)، المغرب (42)، سورية (47)، السعودية (56)، اليمن (68)، لبنان (69)، ليبيا (81)، مصر (91)، السودان (101)، جيبوتي (106)، جزر القمر (112)، موريتانيا (188)، والامارات (130).