يجد العديد من الشباب العراقي في شبكة الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي اليوم وسيلة مثلى للحصول على شريك عاطفي أو أكثر، من دون قيود المجتمع.


بغداد: تشير الشواهد اليومية وتجارب الحب والزواج إلى أن العلاقات العاطفية مع الجنس الآخر على الانترنت تستهلك الكثير من الوقت، عبر التحدث مع شريكة عاطفية افتراضية أو عبر البحث عنها بواسطة برامج الدردشة ومواقع التواصل الاجتماعي.

كما تشير إحصائيات الانترنت الخاصة في منطقة الشرق الأوسط التي اصدرها الاتحاد الدولي للاتصالات في العام 2011 الى أن العراق يحتل المرتبة الخامسة في نمو استخدام الإنترنت في المنطقة، في حين لا تتوافر لدى وزارة الاتصالات العراقية إحصائية حول العدد الدقيق لمستخدمي الانترنت في العراق.

ولم تعد مقاهي الانترنت المكان الوحيد الذي يقصده الشباب، بعدما انتشرت الحواسيب الشخصية والمحمولة لدى الكثير من الاسر والشباب، وبعدما أصبح الهاتف النقال الذكي الوسيلة المثلىللتواصل مع الحبيب أو الحبيبة.

قصص التعارف

يقول كريم سعد، صاحب مقهى الشرق للانترنت في بغداد: quot;على الرغم من انتشار الحواسيب الشخصية والمنزلية، فإن مقاهي الانترنت تحتفل يوميًا بقصص التعارف العاطفيةquot;.

ويؤكد سمير حسن، وهو طالب جامعي، أنه حين يكون خلف الحاسوب فإنه يدردش مع أربع فتيات دفعة واحدة، تربطه بهن جميعًا علاقات عاطفية. يتابع: quot;في الكثير من الاحيان، يكون مشروع الزواج كذبة يعرفها الطرفان، لكنهما يستمران في علاقاتهما العاطفيةquot;.

ويعترف حميد الخفاجي بأن الكثير من الشباب تركوا وسائل الترفيه الأخرى في المقاهي والكازينوهات، ولجأوا إلى العالم الافتراضي، حيث يشكل الغزل الافتراضي الحيز الاكبر من اهتمامهم. ويعترف الخفاجي بأنه خلال عام واحد أقام علاقات عاطفية مع خمس فتيات، التقى ثلاثاً منهن في الواقع، كما ترسخت علاقته بفتاة أخرى إلى درجة أنهما اتفقا على ممارسة الجنس.

المتعة وقضاء الوقت

سعد عادل شاب آخر يقضي وقتًا طويلًا في الدردشة مع الفتيات على الرغم من أنه لا يؤمن بالحب عن طريق الانترنت، إذ يعترف أن أغلب الشباب يقيمون العلاقات الافتراضية مع الجنس الاخر لأجل المتعة وقضاء الوقت وإشباع النزوات.

إلا أن الأمر مختلف بالنسبة إلى الخريج الجامعي ليث أحمد، الذي وجد عبر الانترنت شريكة حياته. يقول: quot;أقمت علاقات عاطفية رقمية عدة، كان آخرها مع فتاة جامعية أسفر حواري معها عبر موقع فايسبوك عن لقاءات واقعية انتهت بالاتفاق على الزواجquot;.

لكنّ مدمنًا آخر على إقامة العلاقات العاطفية الانترنتية، هو احمد الجبوري المتخرج من كلية العلوم العام الماضي، يقول إن الانترنت فتح أمامه نافذة العلاقات مع الجنس الآخر، والتحدث مع الفتيات في مختلف المواضيع، في مجتمع محافظ لا يشجع على الاختلاط على أرض الواقع. يتابع: quot;لديّ أكثر من صديقة وأشعر بالسعادة والفائدة حين أتحدث معهن في مختلف المواضيع، في حين أعجز في الواقع عن محاورة أي فتاةquot;. إنه جانب آخر من المسألة يسلط الجبوري الضوء عليها، فالكثير من الشباب يخجل من مواجهة الجنس الناعم وجهًا لوجه، وتقوي الحوارات الافتراضية جرأته.

انفصام اجتماعي

يشير الباحث الاجتماعي رحيم طالب إلى حالة من الانفصام تسود العلاقات الاجتماعية. فبينما الجنسان منفصلان في الواقع الاجتماعي، ينعدم هذا الانفصال في الفضاء الالكتروني، فيعوض الشباب عن حاجته إلى إقامة علاقة مع المرأة عبر بناء علاقات افتراضية معها.

لكن الأمر برمته ليس عالمًا حقيقيًا، لأن الكثير من الشباب الذين أدلوا بآرائهم ينزعون شخصياتهم، فيظهرون بمواصفات لا تمت إليهم بصلة، بل يستبدلون حتى اسماءهم ويلائمون أنفسهم مع نوعية العلاقة مع الفتاة وإمكانياتها العلمية والثقافية، وحتى الاقتصادية.

ويورد طالب احد الامثلة عن شاب عرض نفسه على فتاة بأنه من عائلة ميسورة جدًا بعدما عرف أن الفتاة من أصول غنية. كما يحدث أن تقدّم فتاة نفسها على أنها غير متزوجة، لكنها في الواقع مطلقة، بغية كسب الشاب وإيقاعه في حبها.

لا خاطبة بعد اليوم

تؤكد الباحثة الاجتماعية والمحامية في الاحوال الشخصية ابتسام جبار أنها عايشت الكثير من حالات الزواج عبر الانترنت سواء في عملها الاجتماعي أو عبر قضايا قانونية عالجتها. تضيف: quot;شهدت محافظة بابل وحدها اكثر من 40 حالة زواج عبر الانترنت خلال هذا العامquot;.

وترد ابتسام هذه الظاهرة إلى تحرر العلاقات الاجتماعية في السنوات الأخيرة، وانفتاح الشباب العراقي على العالم. وتعتقد ابتسام أن العلاقات الاجتماعية تتغيّر اليوم بوتيرة متسارعة، quot;فلم يعد بإمكان الأسر السيطرة على نوعية العلاقات التي يقيمها الشباب مع بعضهمquot;.

وبدا الزواج التقليدي عن طريق الخاطبة وكأنه جزء من الماضي. فاغلب زيجات الشباب اليوم تتم بعد علاقات عاطفية بين الشاب والفتاة من دون علم الاهل، اذ يفاجِئ الشاب أهله برغبته من فتاته التي لا يعرفون اسمها أو أصلها أو فصلها.

... بل مواقع زواج!

يشير أبو جواد الاسدي (65 عامًا) إلى أن اثنين من أبنائه تزوجا من فتاتين غريبتين، لم يعرف في حينها، لكنه اكتشف بعد حين أن مواقع الزواج على الانترنت كانت السبب في علاقة عاطفية أدت إلى زواج ناجح، كما يصفه.

غير أن الشاب سعدون حمزة يتفق مع ما يقوله مازن حسين، الباحث الاكاديمي في علم الاجتماع في جامعة بغداد، حول لامبالاة الشاب العراقي بمواقع الزواج عبر الانترنت، وتفضيله التعرف على الجنس الآخر عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو عبر صفحات الدردشة.

يضيف مازن: quot;مواقع الزواج يقصدها في الاغلب الرجال المتقدمون في السن، ممن لم يتزوجوا، أو ممن توفيت زوجاتهم ويبحثون عن زوجة أخرى، كما يقصدها في الغالب متزوجون من دون علم زوجاتهم بالطبع، اما الشباب المراهق الذي يدخل هذه المواقع فقلة قليلةquot;.