يطرح اقتراح إنشاء محكمة لجرائم الحرب في سوريا علامات استفهام كبيرة حول شرعيته وتخوفات من أن يوصف بالقرار الأميركي، ويهدف هذا المقترح إلى منع تكرار السيناريو الليبي، إلا أن تفاصيل عدة لم تبت بعد فيه كجنسية القضاة.


تروي سوريا حكايات طويلة وكثيرة عن آلام الحرب وفظائع القتل والتنكيل، بعدما أصبحت ساحة بجبهات كثيرة لصراعات متعددة الخلفيات والأهداف، وبات الموت مشتركًا... والألم واحد من كل الجهات.

فظائع الحرب الأهلية المستعرة في سوريا تغزو الشاشات كل يوم، كما تغزو بيوت المدنيين، من الغاز السام والسلاح الكيميائي إلى القتل وقطع الرؤوس وجرائم الاغتصاب وغيرها من الأهوال اليومية، التي يعانيها شعب، مطلبه الأول كان quot;سوريا بدها حريةquot;.

وفي محاولة للاقتصاص من القاتل والبحث عن العدالة للضحايا، برز في الآونة الأخيرة اقتراح بإنشاء محكمة جرائم حرب في سوريا، ترافق مع تساؤلات كثيرة عمّا إن كانت هذه الخطوة فكرة ساذجة، غير واقعية أو سابقة لأوانها. إذ يعتبر استخدام السلاح الكيميائي في 21 آب/أغسطس الماضي جريمة حرب لم يتم التوصل إلى مقترفيها ولم يعاقب عليها أحد. كما إن البلاد شهدت فظائع لا تحصى ارتكبت على مدار أكثر من عامين، ولم يتم رصد مرتكبيها تمهيدًا لمحاكمتهم.

على خطى راوندا
أعلن فريق من الخبراء القانونيين الدوليين في واشنطن عزمهم الكشف عن أول اقتراح لعقد محاكمات لمجرمي الحرب السورية بعد انتهائها، على غرار محاكمات في رواندا ويوغسلافيا شارك فيها هذا الفريق المؤلف من ممثلي إدعاء عام وقضاة وأساتذة في القانون.

وأشارت صحيفة ساينس مونيتور إلى أن المقترح المكوّن من 32 صفحة هو الآن قيد العرض على مسؤولين في الحكومة الأميركية، وقد تناول وقائع حدثت في الحرب الأهلية السورية.

هذا الاقتراح يلقى دعمًا من ريتشارد غولدستون، كبير مدعي المحاكم الجنائية الدولية السابقة الخاصة بجرائم الحرب في يوغسلافيا ورواندا، وديفيد سكيفر، السفير الأميركي السابق الخبير في قضايا جرائم الحرب، إلى جانب شريف بسيوني، الحقوقي البارز، الذي ساهم في تأسيس البنية التحتية القانونية للمحكمة الجنائية الدولية. ويضم الفريق أيضًا نخبة من فقهاء القانون التابعين لمحاكم جرائم الحرب في دول أخرى مثل سيراليون والعراق، إلى جانب أعضاء من المعارضة السورية.

يشار إلى أن الاقتراح الذي سيتم توزيعه على أعضاء مجلس الأمن وهيئات الأمم المتحدة والجماعات الحقوقية وغيرها، يحدد بشكل واضح مواصفات محكمة خاصة مشابهة للمحاكم التي تشكلت في السنوات الأخيرة، كتلك الخاصة بسيراليون لمحاكمة الرئيس الليبيري السابق تشارلز تايلور، أو تلك التي عقدتها كمبوديا لمحاكمة قادة جماعة quot;الخمير الحمرquot;.

تفاصيل ناقصة
وقال حقوقيون مطلعون على الاقتراح القانوني إن هناك نقصًا في بعض التفاصيل الضرورية، مثل جنسية القضاة وما إذا يتعيّن أن يكونوا سوريين أم أجانب أو خليط من الاثنين، ومن ينبغي أن يمثل للمحاكمة وهل ستقرّ المحكمة عقوبة الإعدام أم لا. quot;تبني العدالة هو الطريق الوحيد لتستطيع هذه البلاد المضي قدمًا، وليستعيد الشعب مجتمعه ونمط حياته، ويصبح موضع ترحيب في المجتمع الدوليquot; يقول مايكل شاريف، أستاذ القانون في جامعة كيسويستر نريزيرف في كليفلاند، الذي يشارك في رئاسة لجنة صياغة الاقتراح.

وأضاف شاريف، الذي ساعد على تقديم المشورة إلى بعض القضاة في محاكمة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين: quot;إذا انتهى الصراع، واستمرت الجماعات في سعيها إلى الانتقاد، فالنتيجة ستكون سيئة جدًا، وستصبح سوريا دولة ميؤوس منها، أو تتحول إلى دولة ينعدم فيها القانون مثل الصومال. هذا الاقتراح هو محاولة لمنع ذلك من الحدوثquot;.

وأشارت صحيفة الـ quot;كريستيان ساينس مونيتورquot; إلى أن إمكانية إنشاء المحكمة في سوريا أو أخرى بمشاركة من الخبراء القانونيين الدوليين، تعكس حقيقة أن سوريا ليست عضوًا في المحكمة الجنائية الدولية، وأنه من غير المرجّح أن يجيز مجلس الأمن الدولي للمحكمة الجنائية الدولية لفتح قضية جنائية بشأن سوريا.

التفاصيل الأخرى تعكس أيضًا آراء متباينة بين الخبراء القانونيين الغربيين والسوريين، من ضمنهم قضاة ومدعين عامين يعملون حاليًاً لحكومة الرئيس بشار الأسد. وشارك بعض القضاة السوريين في مناقشات مع أعضاء لجنة الصياغة من خلال التسلل عبرالحدود إلى تركيا لحضور الاجتماعات، وفقًا لشاريف.

تجنبًا للسيناريو الليبي
ديفيد كرين، أستاذ القانون في جامعة سيراكيوز والمدعي العام السابق للمحكمة الخاصة بسيراليون، يقول إن استمرار الحرب من دون أفق لحل قريب لا يمنع التوصل إلى إطار للمساءلة القضائية quot;سواء لأفراد نظام الأسد أو الجماعات المتمردةquot;. ويشير إلى أن إعداد الأسس لهذه المحكمة في وقت مبكر من شأنه أن يساعد على تجنب السيناريو الليبي، عندما تعرّض الزعيم الليبي معمّر القذافي للضرب ثم القتل بالرصاص أثناء فراره من الثوار عام 2011.

quot;نحن نحاول أن نقول إنه من الممكن الانتقام والقصاص باستخدام سيادة القانون وليس فوهة البندقيةquot;، يقول كرين، الذي يعمل أيضًا على المشروع القانوني للمحكمة من خلال جمع الأدلة ووضع الأساس لأي ملاحقات قضائية في المستقبل. وأضاف: quot; أنا أعلم أن هذه يمكن أن تكون فكرة حمقاء، وقد أستيقظ يومًا ما لأجد أن الأسد قد حصل على حق اللجوء في روسيا أو إيران. هذا بالتأكيد احتمال واردquot;.

من جهتهم، أعرب بعض الخبراء القانونيين والنشطاء السوريين عن شكوكهم حول مدى واقعية هذه الخطوة، نظرًا إلى أن بعض الجرائم التي ارتكبتها القوات الحكومية قاسية جدًا ولا تغتفر.

quot;إننا بحاجة إلى حكومة سورية جديدة لإعداد وتنفيذ هذا النظام الأساسي المقترحquot;، كتب جو ليانكو، أستاذ القانون في جامعة هوفسترا، مضيفًا: quot;للحصول على تلك الحكومة السورية الجديدة، سيكون علينا أن نعد نوعًا من الحصانة للحكومة السورية القديمة التي ارتكبت كل تلك الجرائم البشعة التي تريد محاكمتهاquot;.

إشكالية الهوية
من جهته، يقول محمد عبدالله، المدير التنفيذي لحركة العدل السورية، وهو مركز مساءلة مقره لاهاي، إن هذا الاقتراح سيوصف بالأميركي، مما من شأنه أن يقوّض شرعيته في أعين كثير من السوريين.

وأضاف: quot;الولايات المتحدة ليست أفضل بلد للإعلان عن آلية المساءلة القضائية لسوريا. الوقت ليس مناسبًا للقيام بذلك. لا توجد طريقة لمعرفة ما سوف يحدث لاحقًا في الحرب. هذه المحكمة ستضع علامة استفهام كبيرة حول شرعيتها في النهاية، هذه المحكمة تبحث عن العدالة نيابة عن من؟quot;.