العاصفة التي أثارها إدوارد سنودن بسبب تسريباته حول برنامج المراقبة السرية الأميركية فاقت كل توقعاته، وأصبحت تلك التسريبات حديثا عالميا يوميا، تتناقله وسائل الإعلام، ويعقب عليه زعماء الدول.


واشنطن: سواء كان quot;خائناquot; كما اتهم او شخصا مثاليا كما اعتبره البعض، نجح ادوارد سنودن على مدى ستة اشهر من التسريبات حول مدى برامج المراقبة السرية الاميركية، في اثارة جدل حول الحدود التي يترتب على الحكومة الالتزام بها عند تحديد سياستها الامنية.
وهذا لم يكن المستشار السابق في وكالة الامن الامن القومي الاميركية اللاجئ اليوم في روسيا، يعتبره محسوما في اواخر الصيف قبيل نشر اولى الوثائق التي كشفت عن نطاق برامج المراقبة على الاتصالات الهاتفية والانترنت.
وقال آنذاك للصحافي غلين غرينوالد الذي قابله في هونغ كونغ ان quot;مخاوفي الاولى بالنسبة للولايات المتحدة هي الا تؤدي هذه المعلومات التي يتم كشفها الى اي تغييرquot;.
وبعد مضي ستة اشهر قال ستيفن فلاديك استاذ الحقوق في جامعة واشنطن الاميركية لوكالة فرانس برس ان ادوارد سنودن quot;اثار جدلا عاما لم يكن يأمل به حتى في احلامه الاكثر جنوناquot;.
ودعيت ادارة الرئيس باراك اوباما مرتين هذا الاسبوع الى تعديل موقفها من هذه المسألة التي تشكل موضوعا بالغ الحساسية بالنسبة لها.
وكان قاض فدرالي في واشنطن اول من لفت الى ان برنامج جمع البيانات الهاتفية من ارقام تم الاتصال بها ومدة الاتصالات وغيرها، غير دستوري على الارجح.
والاربعاء جاء تقرير خبراء فوضهم الرئيس باراك اوباما نفسه، ليستكمل هذا الانتقاد معتبرا ان على وكالة الامن القومي ان تراجع بشكل معمق برامج المراقبة التي تطبقها والتوقف عن الاحتفاظ بالبيانات الهاتفية، داعيا واشنطن الى التعاون بشكل افضل مع quot;حلفائها المقربينquot;.
غير ان الخبراء ذكروا بصورة خاصة في مقدمة تقريرهم بان حماية المواطنين تبقى quot;المسؤولية الجوهريةquot; للحكومة بالتزامن مع احترام التعديل الدستوري الرابع الخاص بحماية الحياة الخاصة من quot;عمليات الدهم والحجز غير المبررةquot;.
وتقع هذه المسائل في صلب النقاش الذي اطلقه ادوارد سنودن.
وقال ستيفن فلاديك ان quot;المسألة الجوهرية تكمن في معرفة كيفية تطبيق روح التعديل الرابع على تقنيات اليوم. هذا هو السؤال الذي لم يلق جوابا بعد والذي يرتسم خلف تسريبات سنودنquot;.
وتتداخل الاعتبارات القانونية والسياسية في هذا الملف الذي اثار توترا كبيرا بين واشنطن وشركائها الاجانب.
واقر المدير الوطني للاستخبارات جيمس كلابر في ايلول/سبتمبر ان الوثائق التي كشفها سنودن اثارت quot;مناقشات وجدلا كانا ضروريين على الارجحquot; ووعد بمزيد من quot;الشفافيةquot; بدون ان يعلن عن اصلاحات جوهرية.
وفي هذه الاثناء تكفل اوباما شخصيا بالمسألة ومن المقرر ان يلقي كلمة حول هذا الموضوع في كانون الثاني/يناير.
وقال جيمس لويس من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية quot;يمكننا تأكيد ان التسريبات التي تسبب بها سنودن ارغمت ادارة (اوباما) على التفكير اخيرا في سبل تكييف عمليات جمع المعلومات مع الوسائل التي كنا نستخدمها من قبلquot;.
ولفت جوناثان تورلي استاذ القانون في جامعة جورج واشنطن الى انه ان كان اوباما أبدى حسن نية فذلك لم يكن نتيجة التساؤلات التي طرحت بشأن احترام الحياة الخاصة، بل نتيجة الانعكاسات السلبية لتسريبات سنودن.
وقال لفرانس برس ان اوباما quot;حاول منذ بداية قضية سنودن اقناع الاميركيين بالانسياق الى هذا النوع الجديد من الحياة الخاصة حيث يتم التسليم بالمراقبةquot; مضيفا ان الرئيس كان quot;مدركا تماماquot; للمبادئ والقيم التي انتهكتها برامج المراقبة.
ويرى الاتحاد الاميركي للحريات المدنية ان ادوارد سنودن كسب منذ الان أحد رهاناته وهي اثارة ضجة حول هذه البرامج وطرحها في النقاش العام. وقال اليكس عبدو من الجمعية ان quot;الاشهر الاخيرة اثبتت انه طالما لم تتم مراجعة هذه الممارسات، فان الاميركيين سيظهرون معارضتهمquot; لها.
لكن يبقى ان تصرفات المستشار السابق في وكالة الامن القومي لا تلقى على الاطلاق اجماعا بين المواطنين الاميركيين.
فقد اتهمه اعضاء في الكونغرس بانه quot;خائنquot;.
وكشف استطلاع للرأي اجري في تشرين الثاني/نوفمبر لحساب واشنطن بوست وايه بي سي نيوز ان 35% من الاميركيين من الشريحة العمرية بين 18 و30 عاما يعتبرون انه ينبغي ملاحقته قضائيا، فيما ترتفع هذه النسبة الى 57% بين الذين تفوق اعمارهم 30 عاما.