تشير التقديرات إلى أن أحد العوامل الرئيسية وراء هذه الجبهة الموحدة ضد المانيا نابع من خوف العديد من قادة الدول الاوروبية أن يسهم المقترح في تصعيد الاستياء الشعبي ضد حكوماتهم وصعود الأحزاب اليمينية المعادية.

كانت المستشارة الالمانية انغيلا ميركل سيدة اوروبا بلا منازع طيلة السنوات الأربع الماضية بقيادتها أقوى اقتصاد في القارة. ولكنها في قمة نهاية العام التي عقدها الاتحاد الاوروبي في بروكسل اصطدمت للمرة الاولى بجدار صلد من المعارضة التي وحَّدت للمرة الأولى الدول الدائنة والدول المستدينة ضد مقترحها الداعي إلى اعتماد quot;عقود ملزمةquot; لاصلاح منطقة اليورو اقتصاديًا. وعادة ما تكون المانيا، هي التي تقول quot;لاquot; فتنصاع بقية اوروبا.
واعلنت ميركل في ختام اعمال القمة بلهجة تنم عن الاحباط quot;سنتقدم مليمتراً إثر آخر لكني اعترف بأنه مليمتر فقطquot;.
مقترح ميركل
ويدعو مقترح ميركل إلى توقيع الدول الأعضاء في منطقة اليورو على عقود ملزِمة مع مؤسسات الاتحاد الاوروبي مثل المفوضية والبنك المركزي لتنفيذ برنامج من الاصلاحات مقابل الحصول على مساعدات اقتصادية اضافية.لكنّ دولًا من شمال اوروبا مثل هولندا وفنلندا اعترضت بشدة على المقترح خشية أن تكون هذه المساعدات دائمة على حسابها. ورفضتها دول في جنوب اوروبا مثل اليونان وايطاليا لأنها تعني مزيدًا من الرقابة على أدائها الاقتصادي ومزيدًا من الاصلاحات التي تُفرض عليها من بروكسل وخاصة إذا كانت quot;آلية التضامنquot; المقترحة لا تقدم لها إلا مساعدات ضئيلة.
وقال مصدر رفيع في الاتحاد الاوروبي إن المعارضة التي واجهتها ميركل تمثل معسكرين متناقضين التقيا على الوقوف ضد المقترح الالماني لأسباب متعارضة تعارضًا تامًا. وكان أحد العوامل الرئيسية وراء هذه الجبهة الموحدة ضد المانيا نابع من خوف العديد من قادة الدول الاوروبية أن يسهم المقترح في تصعيد الاستياء الشعبي ضد حكوماتهم ومناهضة الاتحاد الاوروبي وصعود الأحزاب اليمينية المعادية للمهاجرين في انتخابات البرلمان الاوروبي في ايار/مايو المقبل.
جثة تتحرك
وهكذا تقرر مرة أخرى إرجاء فكرة العقود التي حاولت المانيا تمريرها منذ خريف 2012 الى خريف 2014. ونقلت مجلة الايكونومست عن مسؤول اوروبي كبير قوله quot;إن جثة المقترح الالماني ما زالت تتحرك، ولكن علينا أن ننتظر حلول وقت أنسب لإنعاشهاquot;.
وإزاء الخوف من حدوث أزمة حادة أخرى تهدد اليورو لم تكن الدول الاعضاء متحمسة لتلبية رغبات المانيا. وعلى النقيض من ذلك كانت الدول التي تحتاج إلى مساعدة المانيا في السابق توافق بلا تردد على مقترحاتها لتعديل معاهدة الاتحاد الاوروبي نزولًا عند رغبة ميركل في إرضاء قضاة المحكمة الدستورية الالمانية.
وترى المانيا أن متاعب منطقة اليورو ناجمة في نهاية المطاف عن تراجع القدرة التنافسية في مجال التصدير وخاصة في دول الأطراف التي سمحت للاجور بتخطي الانتاجية. وتتمثل وصفتها لعلاج هذا الوضع باصلاحات بنيوية لفتح اسواق العمل والبضائع ودفع عجلة النمو.
ولكن المانيا واجهت صعوبة بالغة في اقناع الدول الأخرى باجراء التغييرات اللازمة لأسباب في مقدمتها أن اصلاح البنية الاقتصادية من صلاحية الدول الأعضاء وليس المؤسسات الاوروبية في بروكسل.
مبادرة زاخرة
وكانت المبادرات الطوعية لتحويل اوروبا إلى quot;أقوى اقتصادات العالم بقدرتها التنافسية واقتصادها القائم على المعرفةquot; بحلول عام 2010، مبادرات زاخرة بالأقوال الانشائية وهزيلة بالمنجزات الحقيقية في هذا الاتجاه.
وفي خريف 2012 شهدت منطقة اليورو تصادم عاملين.الأول ضغوط المانيا الدائمة لإجراء اصلاحات بنيوية حتى إذا كان ذلك يعني إعادة النظر بمعاهدة الاتحاد الاوروبي ليكون التنسيق الاقتصادي بين الدول الأعضاء أكثر إلزامًا.
والثاني دعوة فرنسا إلى بناء قدرة مالية أو ميزانية خاصة بمنطقة اليورو تكون أداة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي عمومًا. ولكن في نهاية عام 2012 لم يبقَ من الفكرتين سوى حل توافقي لا يُعتد به يقول إن بمقدور الدول أن تتوصل طواعية إلى quot;اتفاقات تعاقديةquot; مع مؤسسات الاتحاد الاوروبي على تنفيذ برامج من الاصلاحات تموَّل من الدول الأخرى.
وحاولت القمة الشتائية الأخيرة للاتحاد الاوروبي أن تردم الثغرة بين المانيا التي تريد عقودًا ملزِمة والدول التي تريدها اختيارية أو طوعية. وكان الحل الوسط هو quot;التوصل الى صيغ تعاقدية متفق عليها بصورة متبادلةquot;.
وتبين هذه العبارة الفضفاضة صعوبة الاتفاق على سياسة مشتركة بين دول اليورو.
الاتحاد الأوروبي رهينة مناورات
واياً تكن النتائج، فإن البلدان التي أجرت أوسع الاصلاحات هي البلدان التي أُجبرت على طلب حزم من المساعدات لانقاذ اقتصاداتها. وعلى سبيل المثال أن رئيس الوزراء الاسباني ماريانو راخوي عارض العقود الإلزامية ولكنه اضاف أن لا أحد يستطيع أن يتهم اسبانيا بالتقاعس عن اجراء الاصلاحات المطلوبة.وهذا يعني أن العقود التي تقترحها المانيا موجهة إلى البلدان المهددة، لكنها ليست مشمولة ببرامج انقاذ رسمية مثل فرنسا وايطاليا.
وشاءت الصدف أن تقع مهمة حل هذه القضية الشائكة على عاتق ايطاليا التي ستتولى الرئاسة الدورية لاجتماعات الاتحاد الاوروبي في النصف الثاني من عام 2014. وكل ما سيقوله رئيس الوزراء انريكو ليتا quot;أن الوقت ليس مناسبًاquot; لبحث العقود الالزامية التي تقترحها المانيا.
في هذه الأثناء اتخذت المانيا خطوة مهمة وإن كانت غير كافية لاقامة اتحاد مصرفي.والسؤال المطروح هو ما إذا كانت ميركل ستقف الآن ضد الاتحاد المصرفي الذي من المقرر أن يُنجز في ايار/مايو المقبل. واستبعد مسؤولون كبار في الاتحاد الاوروبي ذلك قائلين إن الاتحاد الاوروبي أهم من أن يكون رهينة مناورات تكتيكية. فعاجلاً أو آجلا سيُطلب من المانيا تقديم مزيد من الدعم المالي لضمان الاستقرار في منطقة اليورو، وحينذاك ستُخرج ميركل من جعبتها عقدًا تطلب من الجميع توقيعه أولاً قبل أن تقدم الدعم المطلوب.