كما هي العادة بالنسبة إلى الهجمات أو العمليات التي يقوم بها الثوار السوريون، لم يكن هذا الهجوم الذي شنّه الثوار في منتصف شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي من أجل السيطرة على قاعدة quot;وادي ضيفquot; العسكرية، التي تقع في شرق مدينة معرة النعمان المدمّرة، والتي تعتبر واحدة من آخر المواقع الموالية لنظام الرئيس بشار الأسد في محافظة إدلب الشمالية الكبرى، لم يكن أفضل من غيره، حيث سرعان ما باء بالفشل للأسباب المعتادة، وهي الأسباب التي تتمثل في افتقار الثوار إلى التنسيق والذخيرة والأسلحة الثقيلة وقوة تعزيزات النظام التي تحظى بدعم سلاحي الجو والمدفعية.


أشارت في هذا الصدد مجلة التايم الأميركية إلى صعوبة اقتحام الأرض هناك، خاصة وأن القاعدة محمية بموقعين كبيرين، هما قرية الزحلاني، التي تقع فقط على بعد من 600 إلى 700 ميل عن الثوار، الذين أضحوا الآن السكان الوحيدين المقيمين في تلك القرية، والحامدية التي تعرّضت لهجوم كبير من الثوار داخل وحول معرة النعمان.

ورغم أن نقطتي إطلاق الثوار(معرة النعمان ومعرشمشة) منفصلتان عن بعضهما البعض ببضعة كيلومترات، إلا أن وادي ضيف ودفاعاته يقفان بينهما، وهو ما يستدعي التفافاً مسافة تزيد على 20 كيلو مترًا، تبعاً لما أكدته مجلة التايم في هذا السياق.

إضافة إلى موقعها بالقرب من نقطة استراتيجية على طول الطريق السريع، الذي يربط بين دمشق وحلب، فإن قاعدة وادي ضيف تعتبر كذلك ثكنة مهمة مزوّدة بفوج من المدرعات ومستودع للوقود، يعتقد أن فيه ملايين اللترات، ومخزنا في صوامع تحت الأرض.

وهناك على الأقل كذلك أربع نقاط تفتيش أخرى أصغر في الحجم توفر الحماية لها، وكذلك الزحلاني والحامدية. مع هذا، فقد تجددت يوم الأربعاء الماضي المحاولات من جانب الثوار لفرض السيطرة على القاعدة، واختلفت المحاولة هذه المرة عن باقي المحاولات السابقة، حيث تم التخطيط لهذا الهجوم بعناية على مدار أسابيع عدة.

لم تكن المحاولة معركة معزولة، وإنما جزء من استراتيجية أوسع في النطاق، أُطلِق علها quot;معركة البنيان المرصوصquot;، لفتح كل الجبهات المتبقية في إدلب في الوقت نفسه تقريباً، قبل أن يحوّل الثوار كامل تركيزهم نحو قوات النظام المتمركزة في مدينتي إدلب وجسر الشغور، اللتين لا تزالان في قبضة قوات النظام بصورة محكمة للغاية.

وإن نجح الثوار في غايتهم، فإنهم سينشئون أول محافظة محررة في سوريا، تكون خالية تماماً من أية قوات تابعة للنظام ومنطقة آمنة بصورة فعلية من دون مساعدة دولية مباشرة.

مضت المجلة الأميركية تقول إن تلك الخطة طموحة للغاية، وأن الهجوم يخضع لإشراف مجلس مكوّن من رجال دين، ومحكمة شرعية تقودها جبهة النصرة، تلك الجماعة المسلحة المصنفة إرهابية من قبل الولايات المتحدة، لكنها تحظى باحترام على نطاق واسع بين الثوار نظراً إلى ما تتميز به من براعة قتالية تتسم بالانضباط.

تلك ليست المرة الأولى التي تتولى فيها جبهة النصرة دور الزعامة التنظيمية في معركة تشهدها محافظة إدلب. وجاءت مشاركة جماعات أخرى في تلك المراحل الأخيرة من القتال فقط بناءً على دعوة تم توجيهها من جانب مسؤولي جبهة النصرة.

وقال شيخ جبهة النصرة، الذي يترأس العملية، في تصريحات لمجلة التايم: quot;دعونا كل قادة الكتائب هنا. وهذه لحظة صعبة وحساسة بالنسبة إلينا. وقد أقسموا جميعهم أمام المحكمة بأن يعملوا معًا. وهو التعاون الذي سيكون مثالاً بمشيئة الله للآخرينquot;.
كما لفتت المجلة إلى أن المجلس العسكري الثوري التابع للجيش السوري الحر في إدلب، الذي يترأسه العقيد عفيف سليمان، شارك أيضاً، لكن من دون أن يقوم بدور قيادي.

وقال رداد خلوف، زعيم معرة درعا، التي تعد جزءًا من قوات صقور الشام الإسلامية، إنه تم إنشاء أربع غرف للعمليات من أجل تلك المعركة، في كل واحدة منها سبعة أشخاص، وأضاف quot;نحن منظمون، ولدينا خطط، لكن ما يعوقنا هو ضعف مواردناquot;.

وقد وقعت بشكل كبير مهمة قطع طريق
M5 السريع المحوري، الذي ينقل إمدادات عسكرية من حماة ودمشق شمالاً إلى إدلب وحلب، على عاتق ثوار حيش، تلك المدينة التي تقع على بعد 17 كيلو مترا من وادي ضيف. في غضون ذلك، كان يشترك قادة عسكريون محليون، في مكتب العقيد سليمان في مكان آخر في إدلب، في الأعمال القتالية، ويعلنون أنهم يعتزمون المساهمة بجهودهم في ما يتعلق بهذا الجانب.

ثم ختم سليمان بتأكيده على ضعف الإمكانات المتاحة لديهم، موضحاً أن هذا غير كاف لاستمرار القتال، وأن وصف جبهة النصرة أخيراً بأنها منظمة إرهابية قد أضرّ بدعم الجيش السوري الحر، وقلّل من الأسلحة والأموال التي توفرها بعض دول المنطقة. وأكمل quot;ما يحدث الآن بالنسبة إلى الثورة السورية هو أنهم يقدمون ما يكفي من الدعم لضمان استمرارها، ولا يقدمون ما يكفي لضمان العمل على إسقاط النظام. ونشكر الله أننا لسنا مدينين لأحد. وسنمحو اسم وادي ضيف، ولن نكون مدينين لأحدquot;.