طلب الكاتب فريدريك ماكسويل الاطلاع على ملف نعوم تشومسكي لدى المخابرات المركزية الأميركية، ففوجئ مع كثيرين آخرين حين قالت الوكالة إن لا ملف لتشومسكي في حاسوبها، على الرغم من أن انتقاداته طالت أميركا، التي وصفها بالدولة الارهابية.


خلصت دراسة استمرت عامين في وثائق وكالة المخابرات المركزية وسجلاتها إلى نتيجة مفاجئة، مفادها أن أجهزة الكومبيوتر الخاصة بالوكالة لا تحوي ملفًا عن المفكر نعوم تشومسكي، على الرغم من نصف قرن من النشاط المناهض للحرب، وعدد لا يحصى من المحاضرات التي ألقاها ضد الحكومات الاميركية في الداخل والخارج.

وردَّت وكالة المخابرات المركزية على طلب قُدم بموجب قانون حرية المعلومات مستفسرًا عما إذا كان لديها ملف عن البروفيسور في معهد ماسيشوسيتس للتكنولوجيا بالقول إنها لا تملك ملفًا عن تشومسكي، quot;على الرغم من أن عمليات البحث التي أجريناها كانت شاملة ودقيقة، ومن المستبعد أن يغير تكرارها هذه النتيجةquot;.

سمعة تشومسكي

قدم الطلب، الذي حصلت عليه مجلة فورين بوليسي، الكاتب فريدريك ماكسويل الذي يؤلف كتابًا عن عالم اللسانيات المشهور. ولا يتعلق فشل وكالة المخابرات المركزية في اقتناص ما يبرر فتح ملف عن تشومسكي بسمعة الوكالة. فإن أنشطتها التجسسية على الاميركيين أنفسهم في الداخل إبان الستينات والسبعينات موثقة توثيقًا حسنًا.

لكن المسألة تتعلق بسمعة تشومسكي نفسه. فأن يكون معارضًا يساريًا بقامة تشومسكي بلا ملف لدى المخابرات المركزية يعني حرمانه من شرف الانضمام إلى رعيل من اليساريين المعارضين الذين لاحقتهم الوكالة في الستينات.

أثار هذا الأمر تساؤلات عما إذا كان تشومسكي أُصيب بخيبة أمل. فقررت مجلة فورين بوليسي إطلاعه على نتيجة البحث في حواسيب وكالة المخابرات المركزية عن ملف باسمه.

وأُبلغ بالنتيجة التي لم يكن يعرفها في اتصال هاتفي، لكنه لم يقع في الفخ، على حد تعبير فورين بولسي. وقال: quot;لست مهتمًا ولا صلة لي بالطلب الذي قُدم للاطلاع على ملف تشومسكي غير الموجود، وأنا واثق من أن لدى مكتب التحقيقات الفيدرالي ملفًا كبيرًا عنيquot;.

دولة إرهابية

رفض مراقبون أن يصدقوا أن وكالة المخابرات المركزية لا تملك ملفًا عن تشومسكي. فإن انتقاداته طالت الولايات المتحدة على امتداد عقود، إذ سماها دولة ارهابية، جعلته الشخص الوحيد المدرج اسمه في آن واحد على قائمة أعداء ريتشارد نكسون وعالم الرياضيات المدان تيد كاتشينسكي، الذي استخدم الرسائل المفخخة في هجمات أسفرت عن مقتل ثلاثة اشخاص واصابة نحو 24 آخرين بين العامين 1978 و1995.

وقام تشومسكي في الستينات والسبعينات بزيارات عديدة خارج الولايات المتحدة إلى كمبوديا وفيتنام. واسهم في تحرير مجلة رامبارتس السياسية اليسارية التي كانت مشمولة بمراقبة وكالة المخابرات المركزية.

وكتب مدير الوكالة السابق ستانسفيلد ترنر بالتفصيل عن هوس الوكالة بمراقبة المساهمين في المجلة، قائلًا في كتابه الصادر في العام 2006 إن تحقيقات وكالة المخابرات المركزية التي استهدفت اعضاء أسرة المجلة كانت غير قانونية بكل تأكيد. واضاف: quot;انها كانت مجرد جزء صغير من مشروع أكبر اطلقه الرئيس لندن جونسونquot;.

وكان المشروع الذي أُطلق في العام 1967 في عهد جونسون وجرى توسيعه في عهد نكسون يستهدف ناشطي الحركة المناهضة للحرب في الجامعات الاميركية، وكان تشومسكي من اكبر رموزها. وجمعت وكالة المخابرات المركزية في اطار المشروع ملفات عن 10 آلاف مواطن اميركي على الأقل، ولكن تشومسكي لم يكن بينهم.

نقص كفاءة

فوجئ كيل ماكلانهان، المحامي المختص بقضايا الأمن القومي الذي قدم طلب الاطلاع على ملف تشومسكي إلى وكالة المخابرات المركزية نيابة عن الكاتب ماكسويل، بنفي الوكالة وجود مثل هذا الملف لديها. واللافت أن تشومسكي الذي ينظر بعين الريبة إلى كل ما تقوله الحكومة الاميركية صدَّق نفي الوكالة، ولكن ليس من باب التسامح معها في شيخوخته بل لأنه واثق من عدم كفاءتها.

وقال تشومسكي لمجلة فورين بوليسي: quot;تجيد هذه الوكالات قتل الناس وتنفيذ الاغتيالات واسقاط الحكومات، لكن إذا دقق أحد في السجلات الاستخباراتية فسيجدها مريبة جدًاquot;. وهذا يعني أن أي وازع اخلاقي لم يكن ليمنع وكالة المخابرات المركزية من التجسس على تشومسكي، لكن تجسسها عليه مسألة وحفظ المعلومات في قاعدتها البيانية مسألة أخرى. واضاف تشومسكي: quot;يجب ألا ننخدع بتظاهرها بأنها تعرف كل شيء، فهذه مادة للروايات الجاسوسيةquot;.