تشير الأرقام إلى أن نصف سكان اليمن غرقوا في الديون نتيجة لشراء الطعام من دون دفع ثمنه. وأكثر من 10 ملايين يمني ليس لديهم ما يكفي من الطعام، الأمر الذي يجعل التقدم السياسي بلا معنى في ظل هذه الأزمة الإنسانية.


الحديث عن الأزمة الإنسانية في اليمن هو حديث عن السياسة. وإذا كانت هناك حاجة لإثبات ذلك، فهو يبدو واضحاً من خلال اجتماع ممثلي المجتمع المدني اليمني والمنظمات غير الحكومية ووزراء الحكومة في تشاثام هاوس في لندن يوم الاربعاء.
وصف هذا الاجتماع بأنه quot;ستارquot; لأصدقاء اليمن الذين اجتمعوا في لندن الخميس، حيث ناقش الوزراء تقدم البلاد المتعثر نحو الديمقراطية والحاجة لتنفيذ التعهدات بتقديم مساعدات لم تتحقق.
كان الاجتماع يهدف لمعالجة مسألة المعونات والمساءلة. لكن بدلاً من ذلك، تحول التركيز نحو السياسة الوطنية، مع التشديد بقوة على مؤتمر الحوار الوطني، ابتداء من 18 آذار/مارس، الذي من شأنه أن يعيد تشكيل دستور اليمن قبل الانتخابات المقررة في شباط/ فبراير 2014.
وتكمن الصعوبة في أن اليمن يواجه أزمة إنسانية كبيرة يمكن أن تجعل التقدم السياسي بلا معنى أو تأثير، فالأرقام التي جمعها برنامج الأغذية العالمي تشير إلى أن حوالي نصف سكان اليمن غرقوا في الديون نتيجة لشراء الطعام من دون دفع ثمنه. وأكثر من 10 ملايين يمني ليس لديهم ما يكفي من الطعام، كما أن سوء التغذية المزمن بين الأطفال ينتشر على نطاق واسع، ويعاني مليون طفل من سوء التغذية الحاد، فيما يواجه 250 ألف طفل خطر الموت من دون مساعدة فورية.
quot;الزملاء الذين يعملون على قضايا الغذاء والجوع العالمي يقفون في عجز عندما يرون الأرقام في اليمنquot;، قال جيمس وايتهيد، مدير (أوكسفام) البرنامج الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط، مضيفاً quot;أنهم في حال من الصدمة ويشعرون بالقلق من أن يتحول هذا الوضع إلى أمر طبيعي ونقول: اليمن هكذاquot;.
وقال: quot;نحن حقا نشعر بالقلق إزاء الأسر العادية التي بالكاد تحصل على ما يكفي من الغذاء على الطاولة. في المناطق التي نعمل فيها، رأينا الكثير من الأسر التي تغرق في الديون لأنها غير قادرة على تحمل نفقة الطعام اليومي. كما أن الديون المتعلقة بشراء الطعام تضاعفت منذ العام الماضيquot;.
ويخشى العديد من المراقبين من أن يتم تجاهل هذه الحقائق لصالح النقاش السياسي، إذ أن معظم الصحف ووسائل الإعلام تركز اهتمامها على الأمور الأمنية ونقص التمويل، فالأمم المتحدة تلقت 2٪ فقط من مبلغ 716 مليون دولار تحتاج لها اليمن لعام 2013، كما أن 78٪ من مبلغ 8 مليارات دولار من التعهدات في المؤتمرات السابقة لم تتوفر بعد.
انتهت الجلسة في تشاتام هاوس مع فيديو للشعب اليمني يعكس القضايا التي تواجه بلادهم. وبعد ساعتين من النقاش المشحون سياسياً، تناقضت تعليقات الحاضرين، فبعضهم أراد السلام والأمن والبعض الآخر طالب بالخدمات العامة ومساعدة الشعب بدلاً من الجيش. وعلى الرغم من أن الكثير من الحاضرين كانوا متفائلين بشأن الحوار الوطني، إلا أن البعض الآخر قام بنعيه قبل أن يبدأ.
لكن الأمر الوحيد الذي اجتمعوا عليه كان الخوف من أن يتم تجاهل احتياجاتهم من قبل المؤسسة السياسية الوليدة، وعجز وزراء الحكومة اليمنية عن معالجة مشاكل الشعب، فيما يتحدثون مع بعضهم البعض بدلاً من الاستماع إلى ممثلي المجتمع المدني.
لكن حصول أفقر دولة في العالم العربي على المساعدة اللازمة أمر مشكوك فيه، إذ كان من المفترض أن يكون إسقاط حكم الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح في نوفمبر /تشرين الثاني 2011 بداية جديدة لليمن. بدلاً من ذلك، تفاقمت الأزمة مع استمرار الاضطرابات السياسية والاقتصادية على نطاق واسع.
والأسوأ من هذا كله الدراسات التي تشير إلى أن اليمن سيكون أول دولة في العالم تنفذ مياهها، فيما يفتقر اليوم نحو 13 مليون يمني من أصل 25 مليوناً إلى المياه النظيفة ومرافق الصرف الصحي الملائمة.
ويشار إلى أن الرعاية الصحية الأساسية غير متوفرة لنحو 6 ملايين يمني، مع غياب خدمات الصحة الإنجابية التي تؤدي إلى ارتفاع معدل الوفيات عند الولادة.
ويبقى السؤال: هل تؤدي معالجة القضايا الإنسانية إلى تعزيز الاستقرار السياسي في اليمن، أم أن الاستقرار السياسي يحل الأزمة الإنسانية؟