يخاف مفيد الجزائري، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي ووزير الثقافة الأسبق، من تطور الأزمة العراقية المتشعبة لتبلغ حدًا يصعب معه حلها، ويؤكد أن الصراع غير طائفي، لكنّ السياسيين يوظفون الطائفية للتجييش.


بغداد: أكد مفيد الجزائري، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي ووزير الثقافة الأسبق، تخوفه من تطور الامور في العراق لتصل الى مرحلة انعدام الحلول، مشيرًا إلى قوى خارجية تستغل التظاهرات والصراعات بين القوى المتنفذة، وموضحًا أن الصراع ليس طائفيًا بل سياسي، quot;لكنّ السياسيين يستخدمون المذاهب وسيلة لتجييش الناس وراءهمquot;.

وقال الجزائري لـ quot;إيلافquot; إنه يخاف من تطور الامور إلى حد انعدام الحلول الذي لا يرضي اصحاب المطالب العادلة، quot;فهناك جهات تحاول أن تستثمر هذه الاوضاع، وكلما يكون هناك تأخر في تلبية المطالب كلما تناقصت فرص الحلquot;.

أضاف: quot;القوى الخارجية لا تحتاج إلى تظاهرات مطلبية لتتدخل في شؤون العراق، لكن ليس هناك ما يمنعها من استغلال التظاهرات اذا أتيحت لها الفرصةquot;.

ويعتقد الجزائري أن العلمانيين يحظون بفرص فوز أفضل من فرص غيرهم في الانتخابات المحلية الشهر المقبل، لكن لا تحول جذري، بل سيكون تدريجيًا لأن الناس غير مرتاحة لسلوك القوى المتنفذة ولنتائج المحاصصة.

وفي ما يأتي نص الحوار:

ما رأيكم بما يحدث على الساحة السياسية العراقية؟

هناك الكثير من المطالب المشروعة التي نبهنا إليها، فهناك أشياء تستطيع الحكومة أن تبادر للقيام بها، وأن تأتي منها المبادرة، لكن للاسف الشديد لم تفعل. هناك مطالب مشروعة ينبغي تلبيتها، لكن المسألة لا تتم بهذه الطريقة المتلكئة البطيئة. هناك مطالب تحتاج إلى بحث واجراءات برلمانية وقضائية، وهناك مطالب تتعارض مع نصوص الدستور، واذا ما كانت هنالك مطالب بتعديل الدستور فليس هذا كفرًا، لكن يجب تعديله بحسب الأصول الدستورية.

هل تخافون من تطور الاحداث نحو منزلق خطير؟

نحن خائفون، مثلنا مثل ابناء الشعب، من تطور الامور إلى حد انعدام الحلول الذي لا يرضي اصحاب المطالب العادلة. هناك جهات تحاول أن تستثمر هذه الاوضاع، وكلما يكون هناك تأخر في تلبية المطالب كلما تناقصت فرص الحل.

مطالبهم محقة

كيف تنظر إلى مطالب المتظاهرين؟

تبين لنا وجود معتقلين كثر بلا ذنب، فكيف هذا؟ يفترض أن لا يكون هناك تأخير في هذا المطلب المشروع. وكذلك قضية المخبر السري. هناك اجراءات اتخذتها الحكومة، واعترفت أن بعض المطالب مشروعة وصحيحة فلبتها، أو لمحت إلى أنها مقبلة على تلبيتها. لكن يحصل تأخير دائمًا. فيقول الناس: صحيح اعلنوا عن خروج كذا معتقل، لكنّ أحدًا لم يصل إلى بيته. اما قضية اجتثاث البعث فهذه قضية تتعلق بالبرلمان وبالتوافقات، فالقضايا التي تتعلق بالدستور تحتاج إلى بحث في آلياتها الدستورية.

هل تصدق أن وراء التظاهرات أيادي خارجية؟

القوى الخارجية لا تحتاج إلى تظاهرات مطلبية لتتدخل في شؤون العراق، لكن ليس هناك ما يمنعها من استغلال التظاهرات اذا أتيحت لها الفرصة. نحن بلد تتصارع قواه السياسية المتنفذة في ما بينها، وهذه افضل فرصة للتدخل الخارجي. ونحن في بلد يخوض صراعات تتآكله، وهؤلاء السياسيون لا يجدون لغة حوار مشتركة حول المسائل الخلافية، وهذا يقدم فرصًا ليس لها مثيل للتدخل الخارجي. أستطيع القول إن التدخل مستمر.

تسخير الطائفية للتجييش

هل تعتقد أن الصراع طائفي فعلاً؟

الصراع سياسي، لكنّ السياسيين يستعملون المذاهب والطوائف لتجييش الناس وراءهم، هذه هي الحقيقة، والا فهي مصالح إقتصادية واجتماعية ومالية، ونفط ومغانم وامتيازات. فالصراع على هذه المكاسب، اما الدفاع عن القضايا المذهبية، فمسألة قديمة، وما يحدث الآن هو تسخير للقضايا المذهبية، فالسياسيون يستخدمون القضايا التي يقولون إنها مقدسة ويستخدمونها بأسلوب سيىء.

هل تعتقد أن صراع السياسيين إنتخابي؟

صراع سياسي طائفي وانتخابي، ونخشى مع اقتراب موعد الانتخابات سيقوم السياسيون ويهيجون القضايا الطائفية، بحيث أن الناخبين على اختلاف مذاهبهم وطوائفهم لا يفكرون بالبرامج والمرشح الجيد أو السيئ، بل يفكرون فقط بقضية الطائفة، فالسني يقول: يريدون أن يضربونا نحن السنة، والشيعي يقول يريدون أن يضربونا نحن الشيعة. بهذه الطريقة يمنعون الانسان من التفكير العقلاني، ويختار الأصلح، وبهذا يعمون الابصار. فالهوس الطائفي والتهييج والتجييش الطائفي يعمي العيون، فلا يستطيع الناس أن يروا مصلحتهم، بل إنهم يذهبون للتصويت ضد مصلحتهم.

هل تعتقد أننا اقتربنا من حرب أهلية طائفية؟

لا اتصور هذا. اعتقد اننا وصلنا إلى الحافة فعلًا في العامين 2006 و2007، لكن قدر العراقيين أن يتجاوزوا الحرب فصمدوا بوجهها واستطاعوا أن يدفعوها بعيدًا. الظروف الآن مختلفة، لكنني اعتقد أن العقل العراقي السليم ينتصر في النهاية.

المطلوب المبادرة إلى التفاهم

ما معنى دخول البعث والقاعدة على خط التظاهرات؟

إنهما موجودان وهذه ليست المرة الأولى التي نشهد فيها تدخلاً بعثيًا أو من القاعدة. فعزت الدوري لم يتكلم للمرة الاولى. يحاولان استثمار أي خلل أو اضطراب للعودة إلى الساحة العراقية، خصوصًا أن هذه هي المرة الاولى التي تلتقي فيها هذه الحشود الهائلة. من أجل مصالحهما وقضاياهما، يريدان أن يحوّراها لما يخدم اهدافهما. وهذا شيء طبيعي أن تتصرف القاعدة أو البعثيون على هذا النحو.

كيف يمكن حل كل تلك الاشكالات؟

المطلوب هو أن تجد القوى السياسية حدًا أدنى من التقارب، والمطلوب من الجهة الأقوى التي بيدها السلطة أن تبادر إلى جمع الاطراف المتناقضة. لكن هذا مطلوب من الاخرين أيضًا أن يبادروا إلى التقارب. لابد أن يجلسوا وان يتفاهموا على المسائل الخلافية.

كيف تنظر لقيام وزير في الحكومة بانتقاد عملها ثم يقدم استقالته حين يقول القضاء كلمة ضده؟

هذه نتيجة وليست سببًا. هذه نتيجة لبناء الحكومة على أساس غير سليم، على أساس المحاصصة الطائفية والقومية. هذه هي البلية الأساسية بحيث أن من يأخذ الوزارة يعتقد أنه أخذها بالقوة. يفكر: أنا من الطائفة الفلانية وهذا حقي، وبالتالي هو يتصرف مثلما يعجبه وينتقد الحكومة. فيقول: أنت تريد أن تخرجني أخرج ومعي كل جماعتي. هناك بناء اذا ما خرجنا نحن سيتهدم، وهكذا..، فالبناء مبني على أسس خاطئة.

بايدن طرح التفتيت

ألا يحتاج الدستور العراقي للتعديل؟

طبعًا. من البداية كان هناك تحفظ على بعض مواد الدستور. جهات عديدة وافقت، ونحن أيضًا وافقنا بالرغم من كل التحفظات. حينذاك، كانت ثمة حاجة لانجاز الدستور، فأتى على عجل. البلد يدفع الثمن الآن. الدستور يحتاج إلى اعادة نظر واعادة صياغة، ومواد كثيرة تحتاج إلى فحص من جديد، لكن التوافق قائم على اسس سيئة، مذهبية وطائفية، وينبغي إعادة النظر أساسًا بالتوافق الذي أتى بالدستور.

هل يمكن أن يُقاد البلد إلى التقسيم؟

الامر مخيف، فقضية التفتيت تبدو بارزة حاليًا، وهناك من يدفع بهذا الاتجاه. وهناك جهات تشجع عليه. المشروع موجود سابقًا وطرحه جون بايدن، فهو ليس جديدًا. سمه ما شئت، اقاليم أو غيرها.

هل انتم مع ولاية ثالثة لرئيس الوزراء؟

ليست مسألة الولاية مسألة جوهرية، لكن ينبغي أن تبنى على أسس سليمة. على العملية الانتخابية أن تكون نزيهة وبعيدة عن التلاعب. في العالم، نادرًا ما يتم تجديد ولاية رئيس الحكومة مرة أو اثنتين أو ثلاث مرات، لكن إذا ما كانت الانتخابات ديمقراطية صحيحة فلا خوف، لأنها حينها تكون إرادة الشعب.

تحول محدود

هل تتحفظ على القول إن الانتخابات ديمقراطية صحيحة؟

هناك الكثير من التحفظات. فعلاوي طعن في الانتخابات الأخيرة، والمالكي طعن فيها. لكن في ما بعد، تراضيا وسكتا عنها. لا بد أنهما يملكان ادلة دامغة على تزوير حصل فيها، وإلا لما أعلنا ذلك. يبدو أن القضية بالنسبة إليهما ليست أن تكون انتخابات نزيهة أو غير نزيهة، بل أن الذي يريدونه يتم أو لا يتم.

نحن مقبلون على انتخابات مجالس المحافظات، هل تعتقد أن حظوظ العلمانيين سترتفع؟

الفرصة أفضل الآن، لأن القانون ألغيت فيه المادة التي كانت تحول الاصوات إلى الكتل الكبيرة. وثانيًا، هناك نسبة أكبر من العراقيين غير المرتاحين إزاء هذا الوضع الذي يعيشه العراق، أو سلوك الاحزاب المتنفذة وطريقتها والمحاصصة وغيرها. هناك فرص أفضل، لكن هذا لا يعني أنه سيكون هناك تحول كبير. أتوقع أن يحدث تحول لكن بشكل محدود.