لا تخفى احتجاجات ناشطات حركة فيمن على أحد، فهن يقفن عاريات الصدور، على الأقل، يرفعن لواء استعادة المرأة سلطتها على جسدها، ومحاربة ذكورية المجتمع. ويوغلن في الاستفزاز، لا يبتسمن، لأنهن لا يردن إرضاء أحد.


ذات يوم في صيف العام الماضي، توجهت إينّا شيفتشينكو إلى غابة قرب العاصمة الاوكرانية كييف، للتدرب على استعمال المنشار الآلي. ولم يعرف الحطابون الذين كانوا يدربونها سبب حماستها لتعلم هذه الحرفة. وقالت شيفتشينكو: quot;ظنوا إني مجرد شقراء مخبولةquot;.
وفي اليوم التالي، صعدت إلى قمة تل يطل على كييف وخلعت ملابسها إلا من بنطال قصير وحذاء ثقيل وقفازين جلديين وقناع لحماية عينيها. وكان من المقرر أن يصدر في ذلك اليوم الحكم على ثلاث ناشطات من اعضاء فرقة quot;بوسي رايوتquot; في روسيا. وتضامنًا مع الناشطات الروسيات، إلى جانب التعبير عن عدائها لكل الأديان، أقدمت شيفتشينكو على قطع صليب خشبي ارتفاعه أربعة امتار، نُصب على قمة التل منذ العام 2005.
بالرغم من التدريب الذي تلقته شيفتشينكو، لم تكن سهلة المهمة، وكادت تفقد الأمل في قطع الصليب بمنشارها الآلي. لكنها تمكنت من ذلك بعد دقائق، ثم وقفت مزهوة بإنجازها أمام عدسات المصورين المدعوين لتسجيل الحدث.
وعلى الفور، وصلتها تهديدات بالقتل. وقالت شيفتشينكو إن دعوات رسمية أُطلقت لالقاء القبض عليها، واعلن التلفزيون الروسي أن الصليب كان نصبا تذكاريا لضحايا الستالينية. ولكنها نفت ذلك، فيما كرر صحافيون اوكرانيون ما قاله التلفزيون الروسي فتصاعدت مشاعر الغضب عليها.

لا يبتسمن
سرعان ما بدأ رجال تقول شيفتشينكو انهم من عناصر الأمن يتسكعون خارج شقتها. وبعد ايام استيقظت في السادسة صباحًا على صوت اشخاص يقتحمون شقتها، فهربت من شباك خلفي، وفرت إلى العاصمة البولندية وارسو، وفي جيبها 50 دولارًا وهاتف خلوي وجواز سفر. وكانت تخشى رميها وراء القبضان إن هي عادت إلى كييف.
وبعد أيام، سافرت إلى فرنسا حيث اعربت نساء هناك عن الرغبة في الانضمام إلى حركة فيمين النسوية التي تقودها شيفتشينكو مع ثلاث صديقات اوكرانيات أُخريات.
ولحركة فيمين أهداف واضحة وراديكالية، هي الحرب على التسلط الذكوري بالدعوة إلى إنهاء كل الأديان والأنظمة الدكتاتورية وتجارة الجنس. ومُنحت الحركة مكتبًا في مبنى مسرح قديم في باريس ليكون مقرها.
في هذا المقر، كانت شيفتشينكو تقدم دروسًا لعشرين ناشطة من حركة فيمين عن الوضعية الصحيحة في الوقوف اثناء الاحتجاج، بقدمين متباعدتين ثابتتين وإرادة متحفزة. وقالت في حديث لصحيفة غارديان إن محاربات حركة quot;فيمين لا يبتسمن ابدًا إذ ليس مهمتهن إرضاء أحد.

احتجاجات واسعة
تنظم ناشطات الحركة احتجاجاتهن بصدور عارية منذ العام 2010، مستخدمات أجسادهن لإثارة الاهتمام واستدراج الصحافيين، لكنهن يتعرضن لانتقادات من يتهمونهن باستخدام قوالب نمطية جنسية.
وفي قاعة تغطيها الملصقات واللوحات الجدارية التي تهاجم الأديان، وتدعو إلى الاحتجاج بالتعري، تقف الناشطات في صفوف يرددن شعارات بوجه بعضهن البعض: quot;لسنا لعبة جنسيةquot;، quot;لا نريد ذكورية بعد الآنquot;. ففي هذه القاعدة تتدرب ناشطات فيمين على الثورة بطريقتهن الخاصة.
وحين تبدأ المرحلة التالية من التدريب بتمارين الضغط والركض اثناء الهتاف، يتجمع الصحافيون والمصورون لمتابعة الناشطات. ولا تُبذل محاولة للتظاهر بأن هذه التمارين ليست موجهة إلى الصحافة.
وأثبتت هذه الطريقة جدواها. ففي كل مرة تنظم حركة فيمين احتجاجًا، تنتشر مقاطع الفيديو على مواقع الانترنت في انحاء العالم. لكن هناك من يتساءل عما إذا كانت صدورهن العارية تطمس رسالتهن النسوية النضالية. فرسالتهن يمكن أن تضيع في غمرة احتجاجاتهن العريضة وسعة اهتماماتهن. وفي حين أن منظمات أخرى تركز على قضية أو قضيتين، فإن فيمين لا تترك قضية إلا وتعالجها في نشاطها. فقد احتجت ناشطات الحركة خلال السنوات القليلة الماضية مطالبات بحقوق المثليين في ساحة القديس بطرس خلال صلاة البابا الاسبوعية، وضد استخدام عارضات ازياء نحيفات بإفراط في اسبوع ميلانو للأزياء، وخلال بطولة اوروبا بكرة القدم في العام 2012 خطفن كأس المسابقة للاحتجاج على صناعة الجنس. وفي لندن خلال صيف العام الماضي، طلت الناشطات اجسامهن بلون الدم متهمات اللجنة الاولمبية الدولية بدعم انظمة اسلامية دموية.
وفي منتدى دافوس في كانون الثاني (يناير) الماضي، نظمن احتجاجًا ضد هيمنة الرجل على الاقتصاد العالمي. وفي شباط (فبراير) فجرن مفاجأة وأثرن بعض الضحكات عندما رمين أنفسهن عاريات الصدر على رئيس الوزراء الايطالي السابق سيلفيو برلوسكوني.

فخر النساء
ينصب نشاط أعضاء فيمين على هدف واحد، وهو استخدام صدورهن لفضح الفساد واللامساواة اينما يرونهما. وقالت شيفتشينكو لصحيفة غارديان إن من اهداف الحركة quot;نزع الأقنعة عمن يرتدونها، وتعري الذكورية اللعينة في هذا العالمquot;. واضافت أن الحركة تريد ايضًا إعادة جسد المرأة اليها، مؤكدة انه مستخدم دائمًا في تجارة الجنس وصناعة الأزياء وصناعة الاعلان، وهذه تحت سيطرة الرجال، quot;وأدركنا أن المفتاح هو إعادة الجسد العاري إلى صاحبته الشرعية، إلى المرأة، وإضفاء معنى جديد على العريquot;.
واضافت: quot;أنا فخورة بحقيقة أن المرأة العارية اليوم لا تظهر على غلاف مجلة بلاي بوي فحسب، بل في فعاليات احتجاجية ايضًاquot;.
وأُنشئت حركة فيمين في العام 2006، عندما تصادقت مؤسساتها آنا هوتسول واوكسانا شاتشكو والكساندرا شيفتشينكو في مدينتهن الاوكرانية، بعد فترة قصيرة على قيام الثورة البرتقالية التي شهدتها اوكرانيا من اجل الديمقراطية، وأطلقن حركة نسوية وبدأن التعبئة والتنظيم ضد تجارة الجنس.
انضمت شيفتشينكو إلى الحركة في العام 2009 بعد أن التقت النساء الأخريات على مواقع التواصل الاجتماعي. وفي تلك الأيام كانت ناشطات الحركة في بداية تطوير آرائهن ومواقفهن. وكانت الحركة النسوية في اوكرانيا بلا شعبية وقتذاك. وان تقول امرأة انها ناشطة نسوية quot;كمن تقول انها بلهاء، أو مخبولةquot;، بحسب شيفتشينكو.

نحن استفزازيات
بدأت ناشطات الحركة نقاشا حيويًا واسعًا عن حقوق المرأة، quot;لكنه كان بدائيًا مدفوعًا بالغضب من مواقف رجال يعتقدون انهم بالمال يستطيعون أن يشتروا جسد المرأة كرامتهاquot;، كما تقول شيفتشينكو.
وبدأت الفعاليات الشارعية باحتشام اولًا، إذ كانت الناشطات يتظاهرن وبطاقة السعر معلقة من ملابسهن احتجاجا على تجارة الجنس مثلًا. ودعت الحركة إلى اعتماد العلاج السويدي لمشكلة البغاء حيث يُجرَّم الزبون بدلا من تجريم العاهرة. ولجأت ناشطات الحركة في البداية إلى ارتداء الملابس الوردية بالكامل، حتى أن بعض الصحافيين أطلقوا على حركتهن اسم الثورة الوردية.
وفي العام 2010 نظمن احتجاجًا ضد تعيين جميع وزراء الحكومة من الرجال بارتداء ملابس رجالية ثم نزعها للكشف عن ملابس نسائية تحتها. وكانت شيفتشينكو تعمل في المكتب الصحفي لعمدة كييف، وقتذاك وبسبب هذا الاحتجاج طُردت من وظيفتها.
وفي ذلك العام، نظمت ناشطات الحركة أول احتجاج بصدور عارية. وتعرت خمس منهن أمام وسائل الاعلام في مركز الاقتراع الذي كان من المقرر أن يأتي اليه المرشح الرئاسي فكتور يانوكوفيتش للإدلاء بصوته فيه.
ولخصت شيفتشينكو استراتيجية حركة فيمين قائلة لغارديان: quot;نحن استفزازيات، ورد الفعل يعتمد على اولئك الذين نستفزهمquot;.