سيول: تعيين اصلاحي اقتصادي في منصب رئيس الوزراء في كوريا الشمالية يدل على ما يبدو على رغبة هذا البلد في الخروج من محنته، في تناقض صارخ مع التوتر المتصاعد الذي تشهده حاليا شبه الجزيرة الكورية.

وتعيين باك بونغ جو (74 عاما) في هذا المنصب يدعو للاستغراب خصوصا وانه قد شغل في السابق هذا الموقع واقيل منه بعد ان بدأ اصلاحات اقتصادية اجهضت في نهاية المطاف.
ويتساءل المراقبون في الواقع بشأن نيات الحاكم الشاب كيم جونغ اون الذي ورث بلادا تنزف بعد وفاة والده كيم جونغ-ايل في كانون الاول/ديسمبر 2011 ومنهكة بفعل عسكرة الدولة على حساب شعب يعيش في دائرة العوز.
ففي البداية انتعشت امال سكان كوريا الشمالية خصوصا وان وريث الحكم الذي درس في سويسرا، تعهد علنا بتحسين مصير مواطنيه الذين يعانون من النقص المتكرر في المواد الغذائية والسلع الاخرى.
لكن سرعان ما تبددت هذه الامال مع مواصلة كيم جونغ-اون اندفاع عن سياسة والده. واشرف في خلال عام على عمليتي اطلاق صاروخ يعتقد انه بالستي، احداهما تكللت بالنجاح، اضافة الى تجربة نووية، واغرق شبه الجزيرة الكورية في دوامة جديدة من التوترات العالية الخطورة من خلال تهديده الولايات المتحدة بجحيم نووي.
وقد شددت كوريا الشمالية من جديد الاربعاء على اولوياتها فمنعت الموظفين الكوريين الجنوبيين من الدخول الى مجمع كايسونغ الصناعي المشترك، الذي يعتبر رمزا للتعاون بين البلدين ومصدرا ثمينا للعملات الصعبة التي تحتاج اليها كوريا الشمالية كثيرا.
لكن كيم عرض اثناء اجتماع لحزب العمل الشيوعي (الحزب الواحد) quot;استراتيجية جديدةquot; تصبو الى تحقيق تنمية اقتصادية وعسكرية في آن.
ويبدو ان تعيين باك بونغ-جو يصب في خانة هذه التصريحات، بما في ذلك في كوريا الجنوبية حيث اشاد مسؤول حكومي بquot;ارادةquot; كوريا الشمالية الظاهرة في اصلاح اقتصادها.
غير ان المحلل جيونغ يونغ-تاي من المعهد الكوري للوحدة الوطنية دعا الى الحذر معتبرا ان الاعلان قد لا يكون له سوى اهمية رمزية حتى وان كان quot;يعكس الحاجات للبناء الاقتصاديquot; في كوريا الشمالية التي ترزح تحت ثقل العقوبات الدولية.
وباك بونغ-جو كان مهندس الاصلاحات المستوحاة من النموذج الصيني والتي بدأ بتنفيذها لدى توليه منصب رئاسة الوزراء في العام 2003.
وتلك الاصلاحات شملت خصوصا تليين شبكات التوزيع الغذائي، في تحرير --نسبي-- للاسعار واستقلالية متزايدة لمؤسسات الدولة.
لكن الانفتاح ادى على الفور الى ازدهار الاسواق الخاصة، وهو توجه اعتبره الحرس القديم في النظام بمثابة تهديد، فتقرر توقيف باك عن العمل في حزيران/يونيو 2006، وشكر في العام التالي وعين بحسب معلومات شبه رسمية مديرا لمصنع للنسيج خارج العاصمة.
وفي 2010 اعلنت وسائل الاعلام الرسمية عودته الى الواجهة بفضل تعيينه في اللجنة المركزية لحزب العمل.
وتوقع جيونغ يونغ-تاي ان يكون باك هذه المرة اكثر اعتدالا في زخمه الاصلاحي. وقال في هذا الصدد quot;لن يكون بالتأكيد سهلا بالنسبة له الدفاع عن النوع نفسه من الاصلاحات الجذرية التي قد تشكل خطرا على موقعه السياسيquot;.
لكن البلاد بحاجة لاصلاحات جذرية خصوصا وان قرابة 16 مليون كوري شمالي يعانون بشكل مزمن من سوء التغذية التي تشمل 28% من الاطفال الذين تقل اعمارهم عن خمس سنوات.