يستمر بشار الأسد ممسكًا بالسلطة السورية بالرغم من عامين من الثورة والدم، بفضل دعم إيران وحزب الله له. لكن المؤشرات اللبنانية تلمح إلى قراءة إيرانية جديدة للوضع، إذ أدركت طهران أن الأسد ساقط لا محالة.
لندن: على امتداد التاريخ القصير لدولة لبنان المستقلة ذات السيادة، لم يكن ساحة حرب بالنيابة يتواصل فيها الجيران بالسيارات المفخخة، فحسب بل قام ايضًا بدور البارومتر السياسي الذي يشير إلى اتجاهات اقليمية لا يمكن تبين وجهتها بوضوح. لكن فك طلاسم الدراما النفسية اللبنانية كان دائمًا عملية معقدة وسط التهديدات الاقليمية، فاللاعبون الرئيسيون في تاريخ لبنان الحديث كانوا دولًا قوية كسوريا واسرائيل وايران والسعودية.
الخطر إقليمي
أثارت استقالة نجيب ميقاتي في الشهر الماضي مخاوف من امتداد الحرب الأهلية الطائفية المستعرة في سوريا إلى لبنان، الذي لجم طائفيته بعد انفلات من عقالها في حرب 1975 - 1990 الأهلية، ولكنه لم ينجح قط في إلغائها.
ويحذر مراقبون من أن الحرب الأهلية في سوريا ليست فاجعة وطنية فحسب، بل هي خطر اقليمي يهدد المنطقة بأسرها. وفي الداخل، أطلق الرئيس بشار الأسد، الذي ينتمي غالبية اركان نظامه إلى الأقلية العلوية، حملة بطش وتنكيل لقمع الانتفاضة من دون أن يتمكن من سحق المعارضة المسلحة التي ينتمي مقاتلوها عمومًا إلى الأغلبية السنية.
في هذه الأثناء، تحولت سوريا إلى جبهة جديدة في النزاع العالمي بين السنة والشيعة، الذي فجره الغزو الانجليزي الأميركي للعراق قبل 10 سنوات، وأسفر عن صعود أحزاب من الأغلبية الشيعية إلى السلطة، كما تلاحظ صحيفة فايننشيال تايمز، مشيرة إلى أن النزاع السني - الشيعي في لبنان كاد يطمس النزاع بين المسلمين والمسيحيين. ويضاف إلى ذلك أن نظام الأسد في مجرى صراعه من اجل البقاء يهدد بإشعال المنطقة، لا سيما في لبنان الذي وقع تحت الاحتلال السوري 29 عامًا، حتى العام 2005.
قراءة إيرانية
ما يبدو محيرًا في الظاهر هو موقف حزب الله المتحالف مع النظام السوري والمدعوم من ايران. فحزب الله تحديدًا يبدو السبب في سقوط حكومة ميقاتي، التي كانت تُعد حكومة خاضعة لإرادته إلى حد بعيد.
وينتمي تمام سلام، خلف ميقاتي، إلى عائلة سنية عريقة، وهو قريب من المعارضة وتربطه علاقات طيبة بالسعودية. والسؤال الذي يراود الجميع هو لماذا يقوم حزب الله بمثل هذه الحركة على رقعة شطرنج إقليمية ثلاثية الأبعاد؟
احدى الاجابات الممكنة تقول إن إيران، راعية حزب الله وغريمة السعودية، استشفت من قراءة الوضع الاقليمي أن سقوط الأسد بات محتومًا، وأن ملالي طهران يحاولون إحكام سيطرتهم على لبنان مثلما يفعلون في العراق، حيث تمسك حكومة نوري المالكي الشيعية بكل مقاليد السلطة تقريبًا.
وكان من اسباب استقالة ميقاتي رفض حزب الله تمديد ولاية اللواء أشرف الريفي في قيادة قوى الأمن الداخلي، التي تعتبر آخر جهاز في المنظومة الأمنية اللبنانية لم يسيطر عليه حزب الله وحلفاؤه.
تلتقي أو لا تلتقي
المؤشر الأساسي في هذا البارومتر اللبناني يشير إلى أن مصالح ايران وحزب الله وآل الأسد يمكن أن تتضارب كما يمكن أن تتلاقى. وكانت قوى الأمن الداخلي بقيادة الريفي كشفت في آب (اغسطس) الماضي مؤامرة سورية لتنفيذ تفجيرات طائفية في لبنان، واعتقلت الوزير السابق ميشال سماحة.
ومن الألغاز التي ما زالت بلا حل في هذا المخطط عدد العملاء المأجورين الذين رفضوا الامتثال لمشيئة الأسد، قبل أن يلجأ إلى ساعٍ مثل سماحة لنقل المتفجرات.
ولم يحرك حزب الله ساكنًا للدفاع عن الوزير السابق، بالرغم من اغتيال العميد وسام الحسن الذي كان المسؤول الأمني وراء الكشف عن العملية.
وفي الوقت الذي يعمل حزب الله كل ما بوسعه لدعم نظام الأسد فإنه يحاول تهدئة الوضع في الداخل. وهو لا يريد حربًا أخرى، لكن ايران تريد الاحتفاظ بحزب الله رأس حربة لها في المنطقة، وقوة ردع في اللعبة الأكبر ضد دول مثل الولايات المتحدة وحلفائها، على حد تعبير فايننشيال تايمز، التي تنقل عن سياسي سني لبناني قوله: quot;ايران لن تضع حزب الله في خطر كرصيد استراتيجي لانقاذ الأسدquot;.
المرشديون ضد الأسد
لعل ايران، بتعزيز ورقة حزب الله الاقليمية المتبقية لها، تحاول تقوية يدها في اللعبة النووية مع القوى الدولية الكبرى، في وقت تعمل واشنطن فيه على تطوير التقارب بين تركيا واسرائيل، غريمتي ايران الرئيسيتين في المنطقة.
واهتز حزب الله بالرغم من كل قوته العسكرية بسلسلة من الفضائح والانتكاسات، وهو يواجه مستقبلًا غامضًا. وقد يكون قادته واقعيين بما فيه الكفاية لأن يعرفوا أن الأسد لن ينتصر، وانهم قد يجدون أنفسهم على الجانب الخطأ من التاريخ. ولعل إيران وحزب الله معًا يرصدان التغيّرات التي تحدث في موازين القوى المتنازعة في سوريا نفسها لغير صالح حليفهما الأسد.
ونقلت فايننشيال تايمز عن مصادر علوية قولها إن الطائفة المرشدية، وعدد اتباعها نحو 300 ألف، انقلبت على نظام الأسد. وكان موقف المرشديين عاملًا حاسمًا في ترجيح كفة حافظ الأسد، والد الرئيس السوري الحالي، في صراعه مع شقيقه رفعت في العام 1984، ومن المستبعد أن تقوم بالدور نفسه لانقاذ نجله بشار.
وما يُراد من ذلك كله هو القول إن لحزب الله وملالي ايران مستقبلًا ممن دون آل الأسد، ولكن ليس لآل الأسد مستقبل من دون حزب الله وملالي ايران، على حد تعبير فايننشيال تايمز.
التعليقات