موجة جديدة من تسريبات ويكيليكس تكشف خفايا الفترة بين العامين 1973 و1976 عربيًا، كتعاون الرئيس المصري الراحل أنور السادات مع الاخوان المسلمين ضد الناصريين واليسار، كما تكشف خفايا أخرى أهمها هويات الرجال الذين يحركون أموال بشار الأسد.

بيروت: منذ الاثنين الماضي، بدأ موقع ويكيليكس جولة جديدة من التسريبات، حين أعلن عزمه نشر أكثر من 1.7 مليون وثيقة دبلوماسية أميركية سرية تعود لسبعينيات القرن الماضي، بالإضافة إلى وثائق أخرى، كان للعالم العربي فيها حصة الأسد.
وتتناول الوثائق الجديدة الفترة الممتدة بين 1973 و1976، تم الحصول عليها من الأرشيف الوطني الأميركي، وتتضمن عددًا من المراسلات التي أرسلها أو تلقاها وزير الخارجية الأميركي آنذاك هنري كيسنجر.
ويصنف موقع ويكيليكس الكثير من الوثائق بأنها غير قابلة للتوزيع أو للاطلاع بالعين المجردة فقط، بينما صنفت وثائق أخرى بالسرية.
رجال أموال بشار
شكلت الوثائق المسربة أكثر من مفاجأة، كان أهمها بنظر الكثير من المراقبين وثيقة سرية واردة من السفارة الأميركية في سوريا، تتحدث عن اعتماد الرئيس بشار الأسد على زهير سحلول ونبيل الكزبري ومحمد مخلوف وفواز الأخرس في إدارة أصوله وأمواله في سوريا وخارجها.
تحمل الوثيقة عنوان quot;مهاجمة أموال بشار الأسدquot;، وتشير إلى أن الحكومة السورية منحت سحلول، الذي يعد أهم رجل في سوق الصرافة السوداء في سوريا، مكتبًا خاصًا في مصرف سوريا المركزي، ليدير منه أزمة هبوط سعر الليرة السورية في العام 2005، ليتمكن خلال أسابيع من استرداد 20 في المئة مما خسرته، محققًا الأرباح الطائلة له ولرجال النظام. كما أضافت البرقية الأميركية التي تكشفها الوثيقة أن سحلول تمتع بعلاقات خاصة مع الأسد خولته تحويل عشرة ملايين دولار لأي مكان في العالم خلال 24 ساعة.
ومخلوف هو والد رامي وخال الأسد، وصفته الوثيقة بأنه العقل المدبر للفساد في سوريا. أما الكزبري فهو ملك الورق، ورجل رامي مخلوف الأول في شام القابضة، التي استقطبت 70 متمولًا سوريًا. وقد استغل الكزبري شبكة اتصالاته بدوائر الأعمال والبنوك الخارجية لنقل أصول الأسد خارج سوريا، كما لعب دورًا مهمًا في تشجيع ساسة أوروبيين على التقارب مع بشار.
وتنتهي الوثيقة بالأخرس، والد زوجة بشار، وتفيد بأنه استغل موقع صهره الرئيس في تنمية أعماله، كما تثير شكوكًا في لعبه دورًا مهمًا في إخفاء أموال الأسد.
سادات وإخوان
وفي وثيقة أخرى يعود تاريخها إلى العام 1976، تحمل صفة quot;سريquot; أو quot;غير قابلة للتوزيعquot;، تمت الاشارة بوضوح إلى تعاون بين جماعة الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية وبين نظام الرئيس المصري أنور السادات، لتشتيت القوى اليسارية والناصرية التي كانت تعارض السادات.
تحمل هذه الوثيقة عنوان quot;الحكومة المصرية تشجع على ظهور يمين إسلاميquot;، مرسلة من السفارة الأميركية في القاهرة. وتظهر اتجاه الحكومة المصرية إلى تمويل وتأسيس كتلة يمينية تشمل جماعات التيار الديني، لتبقى على المسرح السياسي فى مواجهة الكتلتين الناصرية والماركسية.
وفي السياق نفسه، تفشي برقية مرسلة من السفارة الأميركية في دمشق في 14 تموز (يوليو) 1976، أسرار العلاقة الوثيقة بين منظمة فتح وجماعة الإخوان المسلمين، إذ تفيد بأن جميع أعضاء القيادة العليا لفتح، ومجلس قيادة رديف للقيادة الرسمية، كانوا ينتمون الى جماعة الإخوان المسلمين، وبينهم مصريون مثل سعيد رمضان وعبدالمنعم عبدالرءوف، وبأن تسعة من أحد عشر عضوًا باللجنة المركزية للمنظمة كانوا ينتمون للإخوان أو لحزب التحرير الإسلامي، وبأن 21 من أصل 36 عضوًا بالمجلس الثوري لفتح انتموا قبل ذلك لإحدى الجماعتين.
القذافي وسوريا
وتتوالى الوثائق المسربة التي تصب في الاتجاه نفسه. فإحداها توحي بأن العقيد الليبي السابق معمر القذافي حاول تشجيع وتمويل المعارضة السورية لنظام البعث، التي قامت أوائل سبعينيات القرن الماضي، وبأنه حاول استثمار الاضطرابات الدينية فى سوريا خلال الأزمة التي قامت بين الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد وجماعة الإخوان المسلمين. وحين اتضح له قدرة الأسد على الحسم السريع والحكم بقبضة من حديد، أرسل القذافي مساعده عبدالسلام جلود لتخفيف المشاعر السنية المتأججة آنذاك.
كما تكشف برقية مرسلة من السفارة الأميركية في بيروت في منتصف العام 1975 وجود تشجيع مصري للمعارضة السورية، التي رفع لواءها الإخوان المسلمون آنذاك، بعد اعتقال أعضاء في الجماعة بدمشق وبحوزتهم سلاح، وبعد اتهامهم بالقيام بأنشطة مناهضة للنظام، ووجود صلات لإخوان سوريا بمصر، وكان يتمتع فيها الإخوان آنذاك بممارسة النشاط السياسي، بتسهيل وتشجيع من السادات.
اختيار مبارك
ولا بد أن الوضع في مصر استولى على اهتمام الخارجية الأميركية، لأن الوثائق المصرية كثيرة، بينها وثيقة كشفت عن التساؤلات التي أثيرت بعيد تعيينالسادات الفريق طيار محمد حسني مبارك، قائد القوات الجوية آنذاك، نائبًا له في العام 1975. فتذكر البرقية أن تعيين مبارك فاجأ الجميع، وأنه سيكون صفعة للقذافي، لأن اسم مبارك يستحضر ذكرى الطائرة الليبية المدنية التي أسقطتها إسرائيل في صحراء سيناء في شباط (فبراير) 1973، والتي طلب القذافي بعدها من السادات فصل مبارك من منصبه بتهمة الإهمال. فرفض السادات آنذاك الطلب الليبي، وتحدث عن المسألة بطريقة متعالية، فلاقى قبولًا شعبيًا واسعًا لدى المصريين.
وتنقل البرقية عن إسماعيل فهمي، وزير الخارجية المصري آنذاك، أن اختيار مبارك أتى لدعم الروح الشابة ولترضية القوات المسلحة التي يحظى بشعبية داخلها وخارجها، وتضيف أن لا مهام محددة تسند للنائب الجديد، ولكن ينبغي ألا يفهم سوء اختيار مبارك لهذا المنصب بأنه اختيار السادات لخليفته المنتظر، فهذا غير مقصود، بحسب الوثيقة.
وقالت الوثيقة إن الجيش غير راضٍ عن سياسات السادات، وإنه طلب ترقية مبارك ليجعله عينه القريبة من الرئيس، لكن السفير الأميركي وقتها رجح أن تكون ليبيا هي من روج لوجود احتقان بين الجيش والسادات.

النووي الاسرائيلي
إلى ذلك، تتضمن إحدى البرقيات التي أرسلها أو تلقاها كيسنجر تفاصيل محادثات بين السيناتور الأميركي هوارد بيكر ورئيس الحكومة الإسرائيلي في حينها إسحاق رابين، ووزير خارجيته شمعون بيريز، حول امتلاك إسرائيل للسلاح النووي.
فتوضح إحدى الوثائق أن بيكر سأل رابين عن امتلاك إسرائيل أسلحة نووية، فأجاب: quot;لقد قطعنا لكم وعدًا بألا نكون أول من يدخل السلاح النووي إلى الشرق الأوسط، ووفينا بوعدناquot;.
أضاف: quot;في حال امتلاك إسرائيل أسلحة نووية، فإن روسيا ستبادر إلى تسليح العرب بالأسلحة النوويةquot;. وافقه بيريز رأيه، وقال إن نشر معلومات حول امتلاك إسرائيل سلاحًا نوويًا سيؤدي لنشوب أزمة مع الأميركيين. فسألهما بيكر: quot;إذًا كيف تبرران التقارير حول بنائكم مفاعلًا نوويًا؟quot;. وبقي السؤال الأميركي بلا إجابات إسرائيلية.
وفي الموضوع نفسه، كشفت وثائق أخرى عن محادثات جرت بين السيناتور الأميركي تشارلي متياس ووزير الخارجية quot;الإسرائيلي إيغال ألون. وتقول الوثيقة إن ألون أكد لمتياس أن لدى إسرائيل القدرة على إنتاج سلاح نووي، لكنه أوضح أن إسرائيل لا تمتلك هذا السلاح الآن، ولا تنوي انتاجه في المستقبل.