تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي ووكالات الأنباء صور قتلى حزب الله في سوريا يشيّعون علنًا في لبنان، وتسجيلات مصورة تؤكد أن مقاتلي الحزب منتشرون في كل البقاع السورية، وليس فقط في القصير الحدودية.


لوانا خوري من بيروت: منذ أكثر من عام تقريبًا، توجّه كتائب المعارضة السورية أصابع الاتهام إلى حزب الله، مؤكدةً أنه متورّط حتى الأذنين في الاقتتال الداخلي السوري، إلى جانب نظام الأسد، بتوجيهات إيرانية.

وفي الرابع والعشرين من شباط (فبراير) الماضي، قال وليد جنبلاط، رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي والنائب في البرلمان اللبناني، إن حزب الله يقاتل في داخل سوريا بأوامر من إيران، ما يدحض كل النفي، الذي ساقه حزب الله، إن في بياناته السياسية، أو في كلمات أمينه العام حسن نصرالله المتلفزة.

إلى ذلك، تنتشر تسجيلات الفيديو، التي توثق لوجود عناصر من حزب الله على محاور عدة للقتال في سوريا، إلى جانب صور ظهرت أخيرًا على مواقع إخبارية عدة، تم التقاطها بموافقة من مسؤولين عسكريين في حزب الله، تؤكد بما لا يدعو إلى الشك وجود مقاتلي الحزب داخل سوريا، يقاتلون إلى جانب الجيش النظامي، وما يطلق عليه المعارضون اسم quot;الشبيحةquot;. وتعدّ هذه الصور أول اعتراف من نوعه بوجود مقاتلي حزب الله داخل الأراضي السورية.

أكثر من لجان شعبية
يناقض قول جنبلاط، الذي يقف اليوم بجانب المقاومة ويدافع عن سلاحها إن وجهته إلى إسرائيل وحدها، كل ما سوّقته أمانة الحزب العامة عن اقتصار الأمر على لجان شعبية، شكلها الشيعة في القرى الحدودية المتداخلة بين لبنان وسوريا، دفاعًا عن أنفسهم وأسرهم من هجمات الجيش السوري الحر وجبهة النصرة الإسلامية. فجنبلاط استخدم تعبير quot;داخل سورياquot;، أي ما يتعارض مع الإيحاء بالتواجد الحدودي فقط، في القصير مثلًا.

كما اتبع جنبلاط ذلك بما هو أهم... quot;بأوامر من إيرانquot;، أي حمّل التورّط هذا مسؤوليات سياسية، تأتي في السياق الإقليمي الذي توضع فيه الأزمة السورية اليوم.

وإذ تقاطرت نعوش قتلى حزب الله من الداخل السوري، رفع الحزب في مناسبات التأبين المطموسة أولًا شعار quot;الاستشهاد أثناء تأدية الواجب الجهاديquot;، راسمًا خطًا جديدًا للتورّط في سوريا، وهو خط أملاه واجب الدفاع عن مرقد السيدة زينب في دمشق، مسبغًا على جنوده الذين يرسلهم إلى الشام صفات حراس المرقد، وحراس زينب ومقامها من عدوان السنة، الذين تجمّعوا تحت أسماء النصرة وغيرها لقتال العلويين والشيعة.

بكامل العتاد المقاوم
لا شك في أن الوجود العسكري الأقوى لعناصر حزب الله في منطقة الهرمل اللبنانية سهل عليه الوصول إلى القصير، التي تحيط بها قرى شيعية لبنانية، مثل كوكران والحمام ومطربا والجنطلية، وقرى شيعية سورية، كالديابية والفاضلية وغيرهما، وقرى مختلطة من الفئتين، مثل حاويك والصفصافة.

والقصير واقعة إلى الجنوب من حمص، التي يقاتل النظام السوري للسيطرة عليها، لأنها رئة الدولة العلوية على المناطق الشيعية في لبنان، كبعلبك والهرمل، إن تقسمت سوريا.

لهذا، يحشد حزب الله في القصير آلافًا من المسلحين، كما تؤكد مصادر الجيش السوري الحر، وهو نجح في تسجيل اختراقات ميدانية هناك، محتلًا قرى أكوم والسماقيات والبجاجية والسمكانية، ومحاولًا بسط سيطرته على البرهانية وسقرجة والعقربية وأبوحوري والخالدية والأذنية والنهرية السنية.

القتال هناك على أشده، وقتلى حزب الله يشيّعون علنًا اليوم، بعدما كانوا يشيّعون سرًّا، وتنتشر الأشرطة المصورة على مواقع التواصل الاجتماعي، مبينة مقاتلين من حزب الله بكامل العتاد المقاوم، في مناطق مختلفة من حمص والقصير. وهذا ما يدفع المراقبين إلى التساؤل: quot;أي لجان شعبية تملك كل هذا العتاد وتعمل بهذا التنظيم القتالي الخبير بأساليب حرب العصابات؟quot;.

لواء العباس
نزل كلام جنبلاط عن أوامر إيرانية في منزلة التصويب المباشر على تورّط حزب الله في الأتون السوري الدموي، خصوصًا أن المواقف الإيرانية في هذا السبيل ليست مخفية أو سرّية، بل علنية تنتشر في المناطق الشيعية في لبنان والعراق، وأهمها تصريحات حسين فيروز أبادي، رئيس هيئة الأركان في القوات المسلحة الإيرانية، عن الدعم الميداني الواجب تقديمه إلى النظام السوري.

استجابة لذلك، تشكل لواء أبوالفضل العباس، وقوامه 1500 مقاتل لبناني وعراقي، بحسب مصادر غربية، لينتشر في منطقة السيدة زينب، إلى مناطق أخرى. وانتشرت التسجيلات المصورة عن العمليات القتالية التي يشارك فيها في الداخل السوري، وعن تشييع عدد كبير من قتلاه في العراق علنيًا، آخرهم أربعة شيّعوا في الخامس من نيسان (أبريل) الجاري، وهم القائد الميداني أرفد محسن الحميداوي، وثلاثة مقاتلين هم مهدي نزيه عباس وكرار عبدالأمير الفتلا ويوكرار عبدالأميرعزيز، إضافة إلى رفيق لبناني لهم، هو علي جمال الجشي (28 عامًا)، الذي شيّعه حزب الله علنًا في الرابع من الشهر الجاري في جويا في الجنوب اللبناني، وأطلق رفاقه النار في الهواء أثناء وداعه.

تسجيلات وغيرها
ليست التسجيلات المصورة في درعا ودمشق والزبداني وحمص وحدها، التي تشي بتورّط حزب الله في القتال إلى جانب الجيش السوري النظامي، فقد قال موقع بيزنس إنسايدر إن إحدى الرسائل الداخلية الخاصة بمركز ستراتفور للاستخبارات والتحليلات الاستراتيجية، والتي سرّبها موقع ويكيليكس تفيد بأن الآلاف من عناصرالحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني كانوا يقاتلون في سوريا في شهر حزيران (يونيو) الماضي، وأنهم كانوا يعدمون الجنود السوريين الذين لايمتثلون لأوامر إطلاق النار على المعارضين، وخصوصًا المتظاهرين.

ونقل موقع ستراتفور عن أحد المصادر في حزب الله تأكيده على وجود ثلاثة آلاف عنصر من الحرس الثوري وألفي مقاتل من حزب الله في سوريا.

كما قال الموقع إن طائرات شحن سورية نقلت القتلى الإيرانيين إلى طهران، ويقدر عددهم بنحو 27 قتيلًا، وتولت حافلات صغيرة نقل جثامين 24 قتيلًا من حزب الله إلى قراهم في لبنان، في تموز (يوليو) الماضي.

تململ.. واللائحة تطول
إن كان واجبًا جهاديًا، أو غيره، فقد بدأ التململ يتسلل إلى بيئة حزب الله الحاضنة في ضاحية بيروت الجنوبية، أو في الجنوب والبقاع. وهذا التململ وحده كفيل بكشف زيف إدعاء قيادة الحزب أن قتلاه يسقطون فقط دفاعًا عن المقامات الشيعية المقدسة في سوريا.

ومن بوادر هذا التململ ما كشفه الصحافي علي حسيني لموقع العربية عن وضع حزب الله والدة القيادي علي حسين ناصيف، الذي قتل في القصير، تحت الإقامة الجبرية في البقاع، بعدما طالبت الحزب بتفسيرات مقنعة لمقتل ولدها.

ونقلت تقارير إخبارية عن مصادر في لبنان حديثها عن قيادي في الحزب قتل في انفجار سيارة مفخخة في حي ركن الدين الدمشقي، بعيدًا عن مرقد السيدة زينب، وهذا أيضًا سبب لمزيد من التململ الشيعي.

ومنذ الإعلان عن مقتل علي حسين ناصيف المعروف بأبي العباس في سوريا، شيّع الحزب حسين عبدالغني النمر وحيدر محمود زين الدين وباسل حمادة وربيع فارس وحسين محمد نذر وحسين هيثم البوداني ومحمد حيدر وحسن الشرتوني ومهدي نزيه عباس وعلي جمال الجشي وحسن ناصرالدين ومحمد حيدرحيدر وحمزة إبراهيم غملوش. لكن اللائحة أطول، كما تجمع كل المصادر.