لا يتحدد تاريخ الدول وحاضرها ومستقبلها بمن يسكن القصر الرئاسي بل بمن يناضل في الشوارع، لهذا يرتبط مستقبل مصر ببطولات المواطن العادي، خروجًا على موروث البحث عن القائد الملحمي، الذي لن يأتي.


القاهرة: يستمر المشهد السياسي المصري فوضويًا، على الرغم من قدوم رئيس منتخب عقب ثورة 25 يناير، ويبدو أن الحل الذي ينتظره المصريون يتمثل في ضرورة تغيير العقلية.

هذا ما أبرزته صحيفة كريستيان ساينس مونيتور الأميركية في تقرير لها عن آخر مستجدات الأوضاع في مصر، مشددةً في هذا الإطار على أن عمل المسؤولين في البلاد من أجل تغيير الفكر بشأن ماضي مصر ومستقبلها بات ضروريًا.

أضافت الصحيفة أن تاريخ الدول لا يتحدد بالأبطال في القصر الرئاسي، وإنما بالأبطال في الشارع، ويتعيّن على مصر التركيز على بناء مؤسسات يقودها المواطنون، لكي تتمكن من تلبية التحديات الراهنة والمستقبلية.

بطولات عادية

بحسب كريستيان ساينس مونيتور، كان الحديث السياسي في مصر قبل الثورة، سواء في البرامج الحوارية التي تصل الملايين من المصريين أو على تويتر أو في الإذاعة أو حتى في المقاهي، يركز على الرئيس السابق حسني مبارك وعلى نجليه. لكن، وبغض النظر عن المواقف الفردية، تركزت النقاشات بشكل كامل على القادة والبحث عن القائد العظيم القادم من أجل إنقاذ الشعب وتقديم الحلول لمشكلاته.

ويمكن القول إن الثورة جاءت بمثابة الصدمة لهؤلاء الذين يدرسون أحوال مصر، وبرزت في مواجهة النظرية التي تتحدث عن أن ما تحتاج إليه مصر هو قائد ملحمي آخر.

واللافت أن الثورة كانت بلا قائد، وهو ما جعلها تأسر اهتمام العالم بأسره. كما افتقرت إلى سمات الثورة النموذجية - مثل وجود قائدذي شخصية مميزةأو جيش قوي - لكنها حدثت في واقع الأمر نتيجة أفعال بطولية قام بها مواطنون عاديون.

نظرية القائد الملحمي

ورغم مرور أشهر على الثورة، إلا أن محاولات البحث عن منقذ بدأت تتجدد مرة أخرى، بينما تركزت الأحاديث على الرئيس أو رئيس الوزراء المقبل، الذي سيحل كافة مشكلات المصريين، بدلًا من الحديث عمن أطلق شرارة الثورة في المقام الأول.

وأوضحت الصحيفة أن ميل المصريين للقادة الملحميين متأصل في فهم خاطئ لتاريخ يمجد دور القلة ويتجاهل إسهامات الكثرة. ومعروف أن تاريخ مصر لا يتحدد فقط بعظمة قادة تاريخيين، من أمثال محمد علي أو سعد زغلول، وإنما يتحدد كذلك بالجهود الملحمية التي يقوم بها المصريون أنفسهم.

وإن كان للثورة المصرية الأخيرة أن تعلمنا شيئًا، فهو أن المواطنين هم من يقودون التغيير. ولكي تواجه مصر، أو غيرها من الدول، التحديات الراهنة فإنها ستحتاج لفهم ماضيها، ولرؤية أكثر واقعية بخصوص هذا الماضي.

وصحيح أن هناك قادة أفضل من غيرهم، إلا أن النظرية التي تتحدث عن شخص سيأتي ليحل كافة المشكلات التي تعانيها البلاد نظرية غير صحيحة تمامًا.

التغيير الشعبي

لم تكن مصر الدولة الوحيدة التي وقعت في فخ البحث عن الأبطال، إذ سبقتها الولايات المتحدة إلى ذلك. فالأميركيون يبحثون دومًا عن قادة يمكنهم أن يرقوا إلى مستوى لينكولن وجيفرسون وروزفلت.

ورأت كريستيان ساينس مونيتور في تلك الجزئية أن الرواية الأسطورية التي تتناول الماضي تجعل من الصعب الحصول على توقعات معقولة بشأن القادة الحاليين في الولايات المتحدة. لكن وللإنصاف، فقد سبق للرئيس باراك أوباما أن حاول في كثير من الأحيان أن يؤكد فكرة أن التغيير لا يأتي من الحكومة، وإنما من الشعب حينما يريد أن يُحدِث تغييرًا.

وختمت الصحيفة بتأكيدها أن القادة يلعبون بالفعل دورًا هامًا في تقديم رؤية واتجاه يمكن للدولة أن تسلكه. لكن العنصر الأهم للمستقبل لا يرتكز فحسب على القادة الملحميين، بل على وجود مواطنين معنيين بهموم بلدهم إلى جانب مؤسسات قوية، وسط تكهنات بأن يرتكز مستقبل مصر على المواطنين أنفسهم.