عشية الانتخابات الرئاسية في إيران، يبدو أن الصراع على السلطة يتخذ منحى جديدًا، تطور مع الصدام المستمر بين الرئيس احمدي نجاد والمرشد علي خامنئي، فتحول من صراع بين محافظين وإصلاحيين، إلى تنافر وتنافس عنيف بين المحافظين أنفسهم.


قبل أربع سنوات، كان فوز الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد بولاية ثانية، في انتخابات طعن ملايين الإيرانيين بنزاهتها وفجرت أشهرًا من الاحتجاجات، ايذانًا بسحق القوى الإصلاحية على أيدي خصومهم المحافظين.
الآن يحتدم صراع لا يقل مرارة بين صنفين مختلفين من المحافظين، للسيطرة على إيران التي انهكتها العقوبات الدولية. وقبل أقل من شهرين على الانتخابات الرئاسية، يبدو الصراع أشبه بلعبة يختبر كل طرف فيها جرأة الطرف الآخر واستعداده للمضي إلى آخر المشوار.
وفي غمرة الصراع، يقف نجاد المنتهية ولايته مع مرشحه المفضل اسفنديار رحيم مشائي. ويرتبط الاثنان بعلاقة مصاهرة، فنجل نجاد متزوج من ابنة مشائي. كما يبدو أنهما يشتركان بمخزون لا حد له من الثقة بالنفس والازدراء بالحرس القديم من الملالي المتكلسين.
عاش الربيع
يتطلع الملالي من جهتهم إلى التخلص من نجاد، الذي يخشون انه يخطط للبقاء والحكم من وراء الستار بعد إيصال مرشحه إلى القصر الرئاسي. لذا يعملون كل ما في وسعهم لمنع مشائي من الترشح، ويهددون باستبعاده بقرار من مجلس صيانة الدستور، وإعداد دعاوى قانونية ضده وضد حلفائه واتهامه بالاحتيال وبأنه صديق الفتنة.
لكن الرئيس وحليفه مشائي لا يبدو عليهما الاكتراث بهذه التهديدات. وقاما أخيرًا بزيارة إقليم سمنان شمالي إيران، حيث القى الرئيس وبجانبه مشائي كلمة في اجتماع حاشد تباهي نجاد فيها بالاستقبال الحار الذي لقيه، حين شارك في تشييع صديقه الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو تشافيز. وتعهد للمحتشدين بمزيد من العطايا المالية التي أغدقها خلال السنوات الثماني من رئاسته.
وبنظر آيات الله وممثليهم في قيادة الحرس الثوري الايراني، فإن مناورات نجاد ومشائي أشد خبثًا من مشاريع الإصلاحيين قبله، لأنها تأتي من داخل النظام نفسه هذه المرة.
وكانت صور التُقطت ظهر فيها نجاد يعانق والدة تشافيز المثكولة بابنها عناقًا لا إسلاميًا بنظر خصومه من الملالي. ويبدو أن مشائي نفسه يستمتع بقراءة الشعر القومي الفارسي أكثر من قراءة القرآن، فيما رفع معسكرهما شعار quot;عاش الربيعquot; الذي يعيد إلى الأذهان انتفاضات الربيع العربي.
مستمسكات قذرة
يحاول الرئيس الإيراني قطع طريق استبعاد مشائي من الترشيح للرئاسة على مجلس صيانة الدستور، حين يبدأ تسجيل المرشحين الشهر المقبل ثم تقديم أسمائهم إلى المجلس للموافقة على هذا المرشح ورفض ذاك. ويتغنى نجاد بوقوفه مع الشعب ضد مجموعة صغيرة ممن يعتقدون انهم يملكون البلد، على حد تعبيره.
ولدى نجاد ذخيرة لا يستهان بها لاستخدمها ضد خصومه. ففي شباط (فبراير) الماضي، أثار نجاد ضجة ببث شريط فيديو صُور سرًا يتهم بالفساد احد افراد عائلة لاريجاني القوية، التي تعارض الرئيس بشدة. ويواصل نجاد التلميح بأن في جعبته المزيد من المستمسكات على خصومه، الذين إذا نشر غسيلهم القذر فانه قد يلوث حتى عباءة المرشد علي خامنئي، الذي يُشاع أن احد أبنائه جمع قدرا استثنائيا من الثروة والنفوذ، بحسب مجلة إيكونومست.
يبدو أن نجاد لا يعترف للمرشد الأعلى بدعمه خلال احتجاجات العام 2009 ضد اعادة انتخابه. والمرشد من جهته لا يخفي مقته لمشائي، لكنه يحتاج إلى تعاون الرئيس إذا أراد أن يكون للانتخابات صدى دولي يرغب فيه، ليُري العالم حيوية النظام واستمرار ديناميكيته في مواجهة العقوبات. وقال المرشد الأعلى إن جميع الوان الطيف يجب أن تكون ممثَّلة في يوم الانتخابات، وهي عبارة لا يفوُّت نجاد مناسبة لتذكير المرشد بها.
كيا وكافيار
يتساءل المراقبون عما سيحدث إذا قرر مجلس صيانة الدستور استبعاد مشائي وحصر حلبة السباق الرئاسي بالمرشحين المعلنين الآخرين، ومنهم قائد سابق لقوات الحرس الثوري ووزير الخارجية وعدة مرشحين من اقطاب المحافظين. في هذه الحالة، يمكن أن يرفع نجاد الرهان ويقرر عدم اجراء الانتخابات، وهو احتمال لفت اليه قائد عسكري كبير في الحرس الثوري خلال الشهر الماضي، واصفًا الفتنة التي تواجه ايران بأنها أعمق وأوسع حتى مما حدث قبل اربع سنوات.
وحتى إذا جرت الانتخابات بسلاسة نسبية، فإن خليفة نجاد سيرث مشاكل كبيرة سببها العقوبات، إذ انخفضت صادرات ايران النفطية بمقدار النصف مقارنة مع العام الماضي، وتراجع انتاج السيارات بنسبة كبيرة.
ويعاني الاقتصاد من الركود منكمشًا بنسبة بلغت 4 بالمئة، بحسب تقدير مجلة ايكونومست، مشيرة إلى أن معدل التضخم بلغ 30 بالمئة، وفقد الريال الايراني نحو نصف قيمته مقابل الدولار. ويتداول الايرانيون دعابة تقول إن قمة الرخاء الآن تتمثل بامتلاك سيارة كيا، التي كانت تُعد في السابق سيارة الفقراء، فيما اصبح الفستق الحلبي كافيار الايرانيين الجديد.
فرصة وخطر
إزاء الطريق المسدود الذي دخلته المفاوضات مع القوى الدولية الكبرى بشأن برنامج ايران النووي، تتعاظم مخاوف الايرانيين الذيبن يرون بلدهم يزداد عزلة في العالم.
ويشعر أقطاب النظام بالحرج حين يرون في المحافل الدولية مثل مجلس الأمم المتحدة لحقوق الانسان أن ايران لا تتمتع بدعم ثابت إلا من كوريا الشمالية وفنزويلا.
والغت غالبية شركات الطيران الاوروبية رحلاتها إلى ايران فيما تتواصل هجرة العقول الايرانية الشابة. وتنقل مجلة إيكونومست عن شاب ايراني قوله مازحًا إن رحيل الأرمن الذين عاشوا في إيران 400 عام أسهم على الأقل في تشجيع الاكتفاء الذاتي بعدم الاعتماد عليهم في الحصول على الكحول الممنوع، وبدأ متعاطوه في طهران يحضرون البيرة والعرق بأنفسهم.
وهكذا، فإن الانتخابات الايرانية تنطوي على خطر وعلى فرصة في الوقت نفسه. ويجرؤ بعض الايرانيين على الأمل بانتعاش الحركة الاصلاحية ممثلة بالرئيس السابق محمد خاتمي، الذي يُعتبر عهده الآن عهد تسامح وازدهار.
وفي 15 نيسان (ابريل)، ناشدت ايرانية قُتل ابنها بعد اعتقاله خلال احتجاجات العام 2009 خاتمي أن يترشح مرة أخرى quot;لانقاذ ايراننا الحبيبةquot;، على حد تعبيرها. لكن قلة يراهنون على ترشيحه أو موافقة مجلس صيانة الدستور عليه إذا ترشح.