تشهد وسائل الإعلام المصرية طفرة كبيرة في سياسة التعبير والسقف المتاح له، محاولة السيطرة على الرأي العام للتأثير في صناعة القرار، من خلال البرامج الحوارية والإعلام الساخر، ما انعكس سلبًا على صورة الإعلام المصري أمام العالم، إذ أظهر المجتمع معاني من الفوضى والإنقسام.


واشنطن: فجّر التغيير الذي تشهده وسائل الإعلام المصرية في حرية التعبير ومدى قدرتها على التأثير في صناعة القرار في مصر، تساؤلات عديدة حول سقف حرية التعبير المطلوبة، خاصة في البرامج الحوارية quot;توك شوزquot;، وبرامج الإعلام الساخر، التي تزيد من جرعة انتقاداتها لأداء الحكومة والرئيس أو تؤيده متغاضية عن أخطائه. ما أفقد الإعلام المصري الكثير من المصداقية لدى الجمهور العربي عامة والمصري في الشتات، وهو يتابع حالة التخبط التي يعيشها الإعلام اليوم في ظل الديمقراطية الحديثة.

وكان قسم الدراسات والبحوث في الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان أصدر تقريرًا حول أداء الإعلام خلال أول تسعة أشهر من حكم الرئيس محمد مرسي، ركز فيه على أحداث ماسبيرو على اعتبار أنه الأداة الإعلامية التي يسعى للسيطرة عليها من خلال خلق رأي عام مؤيد في الداخل، والقائم على فكرة محاربة المعارضة والتنفيير منها.

ومن خلال التقرير، تم رصد عدد من القضايا والملاحقات القانونية التي تعرض لها الإعلاميون، وحالات التضييق التي تعرّض لها عاملون لديهم توجهات وآراء مختلفة عن النظام.

يكرهون النقد

يرى الصحافي والإعلامي المصري سامي جاد الحق أن الإعلام المصري لم يتخلص بعد من قيوده، وما زال يواجه صعوبة بالغة في التحرر منها، quot;وذلك يعود إلى تيار الإسلام السياسي الذي يريد فرض سيطرته على أجهزة الإعلام، وإحكام قبضته عليها، إيمانًا منه بفساد الإعلام الذي يثير الرأي العام ضده، وذلك من خلال البلاغات الكيدية بحق الصحافيين والإعلاميين لإرهابهم، والتحجج بذرائع واهية لإغلاق قنوات فضائية، لدفعهم لتغيير سياستهم، ومحاولة الضغط على السلطة من خلال الإعتصام أمام مدينة الإنتاج الإعلامي والتهديد بحرقها واقتحام الإستديوهات، وذلك لسن قانون يحد من حرية الإعلام، فأرباب الاسلام السياسي يكرهون النقد، ويتابعون الصحف التي يعتبرونها كافرة لأنها تلاحقهم وتفضحهم، متناسين مواقع التواصل الإجتماعي التي تنتقدهم بشدةquot;.

واشار جاد الحق إلى أن الصحافي لا يملك التأثير على الرأي العام، لكن من واجبه كشف مساوئ السلطة وملفات الفساد، ونقلها للرأي العام من خلال سلاحه الوحيد أي القلم الذي به يكتب ويحلل وينقل ما يراه.

بهجة وسخرية

ويرى الإعلامي جمال عنايت أن حرية التعبير تقاس بمقياسين، quot;الأول السماح بالتعبير في الحدود المتعارف عليها، والثاني القدرة على التأثير، والصحافي قد لا يمتلك أدوات التأثير على الرأي العام بقدر ما يجب أن يمتلك القدرة على إيصال المعلومةquot;.

أضاف: quot;ما يحدث الآن نوع من الترهيب يتعرض له كل من يعارض، فما أن ينتقد أحد الصحافيين والإعلاميين الأخطاء التي تمارسها الحكومة الحالية حتى تشن حملة للتشهير به وتشويه سمعته، بالإضافة إلى البلاغات الكيدية التي يتعرض لها بعض الإعلاميين والصحافيين لتكميم أفواههمquot;.

ويعتقد عنايت أن برامج الإعلام الساخر، كالبرنامج الذي يقدمه باسم يوسف، برامج حديثة العهد في مصر والمنطقة العربية، ممتعة تقوم على تقديم البهجة والسخرية، وليس السب والقذف كما يحاول البعض الترويج لها ليتسنى له النيل منها.

يقول: quot;أختلف مع من يعتبر أن باسم يوسف يقترف جريمة السب والقذف، فهو لم يقلعن فلان إنهسارق أو لص، وإنما هو يتحدث عن فشل السلطة في ما تفعلquot;.

quot;توك شوزquot; أجّجت الوضع

أما آيات عرابي، الإعلامية والمذيعة السابقة في قناة آي آر تي آميركا ورئيس تحرير موقع نون النسوة، أول مجلة عربية نسائية في الساحل الشمالي في الولايات المتحدة الأميركية، فترى أن حرية الإعلام في برامج توك شوز المصرية تخطت كل الحدود، في ظل إعلام موجه لصنع رأي عام يخدم صاحب القرار، فاختلفت التعابير باختلاف سياسة كل منطوق اعلامي، quot;ما أفقد الإعلام المصري مصداقيته أمام المصريين في الخارج، الذين أخذوا يبحثون عن تحليل الخبر في وسائل تحليلية إعلامية أخرى، ليعرفوا مدى مصداقية الخبرquot;.

وتؤكد عرابي وجوب امتلاك الصحافة والإعلام حرية التعبير، quot;لكن على الصحافي تحري الصدق قبل طرح أي موضوع على طاولة الحوار، والبقاء في حيادية تامة ليكون الطرح موضوعيًا، وعليه أن يجعل ضميره السقف الذي يجب أن يتوقف عنده، فيستطيع بذلك التأثير بطريقة إيجابية في الرأي العامquot;.

وتعتقد عرابي بأن هناك من يحرض، بغض النظر عن سياسات الإخوان، وأن الذي ساعد في تأجيج ذلك هو الإعلام بكافة أشكاله، إلى جانب سياسات الإخوان و تصرفاتهم الخاطئة الكثيرة.

ربح مادي

يعتبر الإعلامي محمد الخشاب، مدير قنوات آي آر تي أميركا، أن حرية التعبير في مصر تجاوزت الخطوط الحمراء، ما أفقدها شعبيتها أمام العالم خارج مصر.

يقول: quot;اليوم، المشهد الإعلامي فوضوي في كل وسائل الإعلام المصرية، وبرامج توك شوز لم تعد تهتم بمصداقية الخبر ومصلحة البلاد بقدر اهتمامها بالربح المادي، وهذا ينطبق على جميع القنوات الإجتماعية والإخبارية والدينية، أما الإعلام الساخر فهو ظاهرة قد لا تستمرquot;.

ويبدي الخشاب أسفه لما آلت إليه حال الصحافة والإعلام في مصر بعد الثورة، بحجة حرية التعبير، قائلًا: quot;مقارنةً بزمن مبارك، كانت هناك حرية للصحافة والإعلام، لكن مع ضوابط وسقف لا يمكن تجاوزهما، وكانت هناك مطالبات برفع سقف الحرية وسن قوانين تحمي الصحافي والإعلامي من الملاحقة القانونية، لكن اليوم هناك حرية بلا سقف تجاوزت كل الخطوط، ما يخلق بلبلة داخل المجتمع، ويهز صورة الإعلام والبلد خارج مصرquot;.