يبدو الأسد حاليًا متمسكًا في البقاء والصمود داخل سوريا، إلا أن الهرب يبقى احتمالًا قويًا مع اشتداد المواجهات، إلى أين اللجوء إذًا، فنظام إيران الديني لا يناسب نمط حياة أسرته، كما إن روسيا لم تمنح ضوءًا أخضر حتى الساعة إلا لاستقبال زوجته وأبنائه.


عندما فُجّر مقر الأمن القومي في دمشق في صيف العام الماضي، وقُتل في عملية التفجير أربعة من كبار القادة العسكريين والأمنيين في النظام السوري بدا أن مصير بشار الأسد بات محسومًا.

وتردد في حينه أن الأسد هرب من دمشق في غضون ساعات إلى مدينة اللاذقية ذات الغالبية العلوية على البحر المتوسط. وراجت شائعات بأن زوجته المولودة في بريطانيا أسماء الأسد فرّت من سوريا أصلًا، ونقلتها طائرة إلى موسكو مع أطفالها الثلاثة.

لاحقًا، اتضح أن لا هذه القصة ولا تلك كانت صحيحة. وبدلًا من ذلك أعاد الأسد تجميع قواه، وعزز قواه العسكرية حول دمشق وغيرها من معاقل النظام. في هذه الأثناء أخذت جثث الضحايا تتكدس تلالًا، ودُمّرت سوريا كبلد.

إلى أين؟
لكن مع توجّه الرئيس الأميركي باراك أوباما على مضض إلى الموافقة على تسليح المعارضة مباشرة، أخذ المراقبون مرة أخرى يركزون على السؤال، المتمثل في المكان الذي يمكن أن يلجأ إليه الأسد وأفراد أسرته، إذا انقلبت موازين القوى بشكل حاسم ضده.

ويُلاحظ أن حظوظ الطغاة، الذين أسقطتهم ثورات الربيع العربي، كانت متفاوتة. فإن حاكم تونس زين العابدين بن علي هرب إلى المنفى في قفص ذهبي في العربية السعودية، على حد وصف صحيفة التايمز، مشيرة إلى أنه أخذ قسمًا كبيرًا من ثروة البلد معه.

في حين أُخرج معمّر القذافي، الذي اختار البقاء والقتال حتى النهاية، من أنبوب للصرف الصحي، وأُعدم على أيدي مجموعة من مقاتلي المعارضة.

وسنحت للأسد فرص عديدة للفرار، لكنه لم يغتنمها. ويُنقل عن زوجته أنها أبلغت أصدقاء بأنهما يخافان من الاغتيال، إن هما غادرا سوريا.

يفضلان البقاء
وقال الباحث مايكل ستيفنز من المعهد الملكي للخدمات الموحدة في قطر لصحيفة التايمز إن الأسد وزوجته يريان quot;أنه من الأفضل البقاء في دمشق، وطلب اللجوء في إطار حل دبلوماسي، إذا وصل الأمر إلى هذا الحدquot;. وأضاف ستيفنز quot;أن احتمالات أن ينتهي بهما المآل في حفرة ما زالت عالية نسبيًا، ولكن حساباتهما تذهب إلى أن النظام قادر على الصمودquot;.

ولدى آل الأسد قلة من الأصدقاء، وخيارات حتى أقل، إذا اختاروا الفرار. فإن قطر عرضت على رئيس النظام اللجوء قبل عام، ولكنها سحبت العرض الآن، ورمى القطريون، ومعهم السعوديون، ثقلهم المالي وراء قضية المعارضة.

وكانت دول خليجية أصبحت ملاذًا لمخلوعين من كل صنف. ولدى الأسد وزوجته أقارب في دبي. لكن من الصعب رؤية أفراد العائلة الرئاسية يعيشون في كنف حكومات سلحت الانتفاضة وموّلتها ضدهم.

نظام الملالي نمط نقيض
لا يُبقي هذا أمامهم إلا إيران خيارًا في الشرق الأوسط. فإن طهران ما زالت حليفًا قويًا للنظام السوري، ولكن من المستبعد أن تُغري أفراد عائلة الأسد، الذين لا تنسجم أذواقهم ونمط حياتهم مع نظام الملالي، ولا يتحدثون الفارسية.

وكانت تقارير مصدرها إسرائيل أفادت في أواخر العام الماضي بأن الأسد فكر في الرحيل إلى أميركا اللاتينية، وأن دبلوماسيين سوريين فاتحوا حكومات كوبا وفنزويلا والأكوادور، حاملين رسائل من الأسد، يستفسر فيها عن إمكانية التوصل إلى اتفاق في هذا الشأن.

في الداخل تبدو إمكانية الانكفاء التكتيكي إلى أحد المعاقل العلوية على الساحل غير عملية، في وقت تستمر سوريا في التشظي، وتتعدد الجماعات المتصارعة للاحتفاظ بالأرض، وتتداخل وتتشابك في ما بينها.

روسيا واحة لأسماء
ونقلت صحيفة التايمز عن الباحث ثيودور كاراسيك من مؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري في دبي قوله quot;إن سوريا لم تعد موجودة، وهي الآن مقسمة إلى دويلات طائفية وقبلية لا تُحصى. ووجهته الأرجح هي روسياquot;.

ودأب الكرملين على نفي أن تكون لديه أية خطط لمنح اللجوء إلى الرئيس السوري، لكنّ هناك اتفاقًا قائمًا منذ عام على الأقل على استقبال أسماء وأطفالها.

وتضم قرية بارفيكا الراقية غرب موسكو الآن مجموعة من الزعماء المخلوعين من أوروبا الشرقية، بينهم زوجة وأقرباء الزعيم الصربي السابق سلوبودان ميلوشيفتش، والزعيم القرغيزي المخلوع عسكر أكاييف.

من شأن استقبال الأسد أن يؤدي إلى ضغوط شديدة على موسكو لتسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية، ولكن الرئيس فلاديمير بوتين يستطيع التعامل مع هذه المطالب، إذا كان توفير ملاذ للأسد جزءًا من تسوية تتحقق عن طريق المفاوضات.

لكن التوصل إلى حلول للأزمة السورية عن طريق المفاوضات يبقى أملًا بعيدًا ما دام الأسد مصممًا على الاستمرار في الحكم، ولو على أنقاض بلده المحترق.