تتصاعد المخاوف في العراق من ذيول الصراع الطائفي المستمر في سوريا وانجرار البلاد إلى أتون الحرب، خاصة بعد الهجمات الأخيرة التي أودت بحياة الكثيرين واعتبرت الأعنف منذ خمس سنوات.
بيروت: تواجه حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي تحدّيًا صعباً بعد اندلاع موجة التوتر الطائفي الأخيرة، والتي تحولت إلى أعمال عنف تعتبر الأسوأ منذ خمس سنوات. وتبقى قدرة حكومة بغداد على احتواء الأزمة رهينة بمسألة لا يمكن السيطرة عليها إلى حد بعيد، وهي الصراع الدائر على الطرف الآخر من الحدود، في سوريا.
قلق من تداعيات الحرب السورية
احتمال تغيير موازين القوى في المنطقة إثر الحرب الدموية المستعرة في سوريا - والتي انقسمت على أسس طائفية بين المعارضة ذات الغالبية السنية ونظام الرئيس بشار الاسد الذي يهيمن عليه العلويون - شجّع السنة في العراق على تحدي الحكومة الشيعية.
هذا الواقع أدى إلى ارتفاع منسوب القلق داخل الحكومة العراقية من أن تتحول البلاد الى ساحة تجتاحها تفاعلات وتداعيات الحرب في سوريا.
وارتفعت وتيرة الهجمات والتفجيرات ذات الصبغة الطائفية التي تستهدف السنة والشيعة خلال الشهر الماضي، بعدما أغارت الحكومة على مخيم للمعتصمين السنّة شمال العراق، ما أدى إلى مقتل 40 شخصاً. واستمرت التفجيرات يومي الأربعاء والخميس الماضيين وأدت إلى مقتل أكثر من 30 قتيلاً في بعض الأحياء الشيعية في العاصمة بغداد.
يقول العراقيون السنّة الذين يشعرون بالمرارة إن نجاحات المتمردين في سوريا منحتهم الثقة لتحدي ما يعتبرونه quot;ممارسات تمييزيةquot; ضدهم من قبل الحكومة وتجاوزات تستهدفهم بعدما حكموا العراق لسنوات خلال عهد صدام حسين
ردًا على تلك الممارسات، نظّم السنّة مجموعة من الاعتصامات المناوئة للحكومة في المحافظات ذات الغالبية السنية على مدى الأشهر الخمسة الماضية، مما أثار مخاوف البعض من أن التوتر المتصاعد قد يشعل فتيل الحرب الأهلية التي بلغت أوجها في البلاد خلال عام 2006.
من جهتها، تعتبر حكومة المالكي الحركة الاحتجاجية في غرب العراق مشروعاً يندرج في إطار تحركات حزب البعث المنحل وتنظيم القاعدة، وهي اتهامات يرفضها المشاركون في الاحتجاجات، مشددين على أن تحركاتهم تمثل جميع أطياف الشعب العراقي.
ومن بين الممارسات الظالمة التي يشتكي منها السنة، القوانين التي ترجع إلى الاحتلال الأميركي والتي تهمّش البعثيين السابقين من المشاركة في الحياة العامة، والاعتماد على المخبرين في ملاحقة الأشخاص دون التحقق من التهمة، وتقول جماعات حقوق الإنسان إن حكومة المالكي تلجأ إلى هذه الممارسات لاستهداف السنّة، لكن القشة التي قصمت ظهر البعير، وفاقمت الوضع المتأزم كانت الهجوم الذي شنته قوات حكومية في 23 نيسان (أبريل) الماضي على ساحة الاعتصام في بلدة الحويجة، وما رافقها من تصاعد نبرة العداء من سياسيين ورجال دين من الطرفين.
واعتبرت الخطوة التي قام بها شيوخ عشائر محافظة الأنبار السنية عندما أعلنوا عن تشكيل quot;جيش عشائريquot; لحماية المتظاهرين، إحدى تداعيات التوتر والاحتقان المذهبي التي خلفها الهجوم، حيث يقول السكان إن القوة اعتمدت في تشكيلها على العناصر الجهادية التي تنتمي إلى تنظيم quot;دولة العراق الإسلاميةquot;.
بالمقابل، حشد قادة ميليشيات شيعية معروفة العديد من الأنصار استعداداً لسحق الحركة الاحتجاجية السنية التي يعتبرون أنها خاضعة للإرهابيين.
محاولات لتفادي الحرب الطائفية
وبادر بعض المسؤولين الحكوميين والزعماء السنّة إلى اتخاذ خطوات تصالحية ndash; وإن كانت هشة - لاحتواء هذا الوضع المخيف، وتلافي انزلاق العراق في أتون الحرب الطائفية التي دمرت عائلات وقسمت أحياء قبل بضع سنوات، كما أطلقت لجنة برلمانية تحقيقاً في حادثة الحويجة، وصفها مسؤولون شيعة بأنها كانت quot;خطوة ناقصةquot;.
وأرسل شيوخ سنّة من الأنبار الأسبوع الماضي، مساعدات إلى ضحايا الفيضانات في جنوب العراق حيث الأغلبية الشيعية.
وفي محاولة لتهدئة المتظاهرين، اقترحت حكومة المالكي في الشهر الماضي مجموعة من الإصلاحات القانونية شملت تعديلات على التشريعات التي يشتكي منها السنّة، لكن التعديلات المقترحة تعطلت بسبب المعارضة الشرسة من جانب الكتل الشيعية في البرلمان.
اشتعال الساحة السورية كان له تأثير واضح على الداخل العراقي، وهو ما أكّده قادة العشائر في إحدى الخيم التي تضم محتجين في الفلوجة، حيث اعتبروا أن الصراعين في العراق وسوريا متلازمان، لاسيما وأن العديد من المحتجين السنّة يرون في المالكي مجرد quot;دميةquot; ضمن مؤامرة تقودها إيران لتحقيق الهيمنة الإقليمية، وأن نظام الأسد الذي تدعمه إيران هو نسخة عن ذلك العراقي.
quot;إرحلquot; بالفارسية
في اجتماع حاشد في 10 أيار (مايو) على الطريق السريع الذي يمر في الفلوجة، رفرف العلم القديم الذي كان سائداً في عهد صدام حسين، وارتفعت لافتات تقول: quot;أميركا قدمت العراق لإيران ثم رحلتquot; وأخرى موجهة للمالكي تقول: quot;إذا كنت لا تفهم اللغة العربية، سوف نقولها لك بالفارسية: ارحلquot;.
ونقلت صحيفة الـ quot;غارديانquot; عن محمد البجاري، أحد المتحدثين باسم المتظاهرين والضابط السابق في استخبارات صدام قوله: quot;عندما تخسر إيران سوريا، فذلك يعني أنها ستفقد نفوذها في العراق، كما أن النظام الجديد في سوريا سيكون سنياً، ما يعني أن ظهرنا سيكون محمياًquot;.
المعارضتان متشابهتان
للمفارقة، هناك اوجه تشابه بين المعارضة السورية والعراقية من حيث السلبيات ونقاط الضعف، فمصداقية الاحتجاجات العراقية السلمية تهتز بسبب مشاركة بعض الجماعات المتطرفة، كما أن صوت سنة العراق منقسم في ظل اختلاف قادة العشائر والمتظاهرين في الأنبار حول البدائل المطروحة، إذ أن البعض يصر على مواصلة الاحتجاجات السلمية لانتزاع المطالب، بينما يقوم البعض الآخر بتوزيع استمارات على المتظاهرين لمعرفة موقفهم من الوضع الحالي، وتخييرهم بين المواجهة والانفصال.
التعليقات