رأت أغلبية قرّاء إيلاف أن التغطيات الاعلامية للثورة السورية تضخم وتركز على أخطاء المعارضة اكثر من تركيزها على تلك التي يرتكبها النظام، ولا تتوخى الانصاف والحياد في ما تنقله.


أمستردام: منذ انطلاقة ثورات الربيع العربي قبل أكثر من سنتين كان الاعلام حاضراً ومحركاً لها، حتى باتت تلك الثورات التي خرجت عن سلميتها التي ميّزتها أول الأمر خاصة في تونس ومصر، ثورات حربية تدار إعلامياً، كما هو الحال في ليبيا واليمن وسوريا، حيث لعبت وسائل الاعلام العربية دور المحرك لها حسب ما تقتضيه مصالح الدول التي تمول وسائل الاعلام الأكثر حضورًا في المشهد العربي عامة، وفي الدول التي طالتها نيران الربيع العربي بشكل خاص.
وفي ظل منع تلك الانظمة التي انهارت، أو بطريقها، لوسائل الاعلام العالمية التي ينطوي عملها على هامش من الحياد، ترسخت حدة الحرب الاعلامية بين نظام ذلك البلد، الذي يشهد انتفاضة، سعى قادتها وجماهيرها لتكون سلمية، لتخرج عن جادة الطريق السلمي نحو العنف كوسيلة للدفاع عن النفس، ثم تحول للهجوم المسلح، ليفتح الباب واسعًا لقدوم جماعات كانت لسنوات quot;نائمةquot; وجزعت من مقولات السلام لتفرض ارادتها في ارض الواقع وتتحول لقائد ميداني في أرض الصراع الاعلامي- الحربي. فقد اتهم رجل دين سوري إعلامي قبل نحو سنتين الهاتفين بالسلمية في دمشق بالمخنثين ورافعي الشعارات المخنثة.
فتحول الخطاب من كونه سلمياً إلى العنف، مشوهاً تلك الثورات التي اتخذته سبيلاً للتحرير، خاصة بعد استسلام هذه الثورات، التي كانت، في بدايتها، ترنو للديمقراطية والسلم الاهلي والتداول السلمي للسلطة- للأجندات الدينية التي رفعت شعار التكفير، فهرب من كان يحلم بالسلم والرفاهية أو انقاد مكرهاً للاجندات الدينية العنفية.
وكان مقتل تلك الثورات، وفق ما رآه عدد من المراقبين، في خضوعها لأجندة الحركات الاسلامية من خلال التركيز على يوم الجمعة وخطبته، وتحول خطيب المسجد لقائد جماهيري مطاع، ينفخ في حجمه الاعلام الموجه.

الثورة السورية خير مثال
وتعتبر الثورة السورية خير مثال على ذلك. فقد قلّصت الاجندات الدينية، المدعومة اعلامياً، من عدد المحافظات الثائرة في سوريا، لتدخل في الدهليز الطائفي الضيق. فبعد أن ظلت المحافظات ذات الاغلبية العلوية بما فيها مدينة الرئيس الاسد تنتفض لأشهر في بداية الثورة ضد النظام، تراجعت تحت وابل الخطاب الطائفي الاعلامي الذي وشم كل علوي، أو غير سني بموالاة النظام حتى لو كان ثائراً وناقماً عليه.
فكان ذلك سببًا لإنقسام الاعلام العربي الى فريقين موالٍ ومعارض، أو من وجهة نظر طائفية، شيعي وسني، وامتد ذلك لينظر لكل شيعي كمتهم بموالاة النظام السوري ما لم يثبت العكس لمعارضي النظام. ولكل سني كمعارض للنظام ما لم يثبت العكس لمواليه.

تقييد الاعلام بالمصالح الخاصة
في ظل هذا التمذهب الاعلامي ضاع هدف الاعلام الذي وجد من أجله، وهو تأريخ اللحظة. فكانت للتلفيق ومطاردة احداث هامشية تخدم التوجه السياسي للممول الاعلامي الحصة الكبرى من التغطية على حساب الواقع الحقيقي لما يدور على الارض. وقد أثر ذلك سلبًا على هدف الثورة السورية، وغابت القصص الانسانية عن التغطيات الصحفية وانشغلت وسائل الاعلام بما سيصدر من الدول الكبرى لفرض الحل الذي يرضي توجهات الدول المعارضة للنظام السوري دون الالتفات لمطالب معارضيه.
بل تحول نجاح أو فشل اي خطة لايجاد حل في سوريا الى ما يجب أن يكون مبنيًا على رضا كل من دولة قطر وتركيا وتجاوز مطالب المعارضة السورية كما حصل لمقترحي معاذ الخطيب الرئيس السابق للائتلاف الوطني السوري المعارض، الذي توخى انقاذ السوريين من العالقين بين فكي رحى الحرب.
وبقصد حينًا ودونه حيناً آخر صار تركيز وسائل الاعلام على اخطاء المعارضة وتضخيمها كفقدان التفاهمات في ما بينها وابراز الصوت المتطرف فيها، وتهميش من يدعو للتعقل وعدم الانقياد للجهات الممولة، واظهار المناطق المحررة من النظام كمعسكرات حربية فقط، بل وتحويل المعارضة السورية لجبهة النصرة المتهمة بالارهاب وبقية الفصائل تابعة لها، من تسليط الضوء على الصوت الطائفي العالي. والبحث عن المثير في الاحداث كعمليات خطف السوريين من المسيحيين وغير السوريين وايجاد المبررات لعملية الخطف.
وأصبحت سمعة المعارضة السورية المسلحة مشابهة لسمعة النظام اعلاميًا في طريقة تعامله العنفي مع معارضيه بعد أن كانت وسائل الاعلام هذه تركز على الجانب اللاإنساني للنظام.
وقد افقد ذلك عددًا من مناصري الثورة السورية بعد مشاهدات التغطية المضخمة لأخطاء المعارضة واظهارها كحقائق، بل وشجّع متطرفي المعارضة المسلحة لتبني ارتكاب مجازر يتباهون فيها اعلاميًا.
وكانت إيلاف طرحت، الاسبوع الماضي على قرّائها سؤالاً عن التغطية الاعلامية ومدى تضخيمها لأخطاء النظام أو المعارضة أم أنها كانت متوازنة بينهما.
فقد رأت أغلبية القرّاء 33105 (60%) أن التغطية الاعلامية للثورة السورية ضخمت أخطاء المعارضة، فيما قال ما نسبتهم (39%) 21596 أن تلك التغطية ضخمت أخطاء النظام السوري. ورأت اقلية قليلة (1%)215 أن التغطية الاعلامية كانت منصفة ومتوازنة بين النظام والمعارضة. وبلغ عدد المشاركين بالإجابة على سؤال الاستفتاء 54916.