نادرًا ما يتوافق النواب اللبنانيون على أمر، لكنهم توافقوا في 10 دقائق ليمددوا لأنفسهم نوابًا لـ17 شهرًا، بحجة الوضع الأمني الذي لا يسمح بإجراء الاستحقاق الانتخابي. إلا أن ناشطين مدنيين رفضوا الأمر، ورشقوا مواكب النواب بالبندورة، وتوعزا بتحركات شعبية أخرى.


لوانا خوري من بيروت: خلافًا لرأي الطبقة السياسية المتقادمة الحاكمة في لبنان، والتي أفتت بأن لا إمكانية لاجراء انتخابات برلمانية بينما البلد على كف عفريت الأزمة السورية، ثمة مجموعات من منظمات المجتمع المدني اللبناني، ومن ناشطين يأبون الرضوخ لتركة العروبة النابضة بالمجازر، التي شعارها الأوحد دائمًا ضرورات المرحلة، تتلطى خلفه مرارًا، من أجل تمرير مشاريعها الطائفية، وصفقاتها المذهبية. وهؤلاء يرون أن الانتخابات ممكنة في كل ظرف، إلا ما نص الدستور على أنه قاهر، لا خلاف في قهره. أما اليوم، فما هي هذه الظروف القاهرة التي تمنع اللبنانيين من ممارسة حق دستوري، انتزعوه بديمقراطية، ولو كانوا نأوا بأنفسهم عن الديمقراطية في ممارسته.
أمس الجمعة، وفي عشر دقائق لا أكثر، توافق نواب من جميع الأطراف البنانيين، المتناحرين أبدًا، إلا من مشى في ركاب النائب ميشال عون، توافقوا على التمديد للمجلس النيابي الحالي 17 شهرًا، تنتهي في 20 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014.

رشقوهم بالبندورة
على الطريق إلى مبنى البرلمان، احتشد العشرات من الناشطين المدنيين ومن رافضي التمديد للمجلس النيابي، يصرخون بأعلى الصوت quot;لا للتمديدquot;.
وقفوا صامتين، حزانى على ما آل إليه هذا البلد الذي كان واحة الديمقراطية، في محيط عربي، مدّه إنقلابات وعسكر وجزره طغيان وتوريث. حملوا الأعلام واللافتات في ساحة رياض الصلح، وفي حديقة سمير قصير وساحة الشهداء، تحت عنوان عريض: quot;الحقوق واحدة والمجرم واحد: المجلس النيابيquot;، في لفتتة واضحة إلى رفضهم القاطع للتمديد ولما قد يتركه من تداعيات على الحرية في البلاد.
وفارت الحمية الديمقراطية في بعض هؤلاء، فرشقوا سيارات النواب، المتوجهين لساحة النجمة كي يمددوا لأنفسهم بأنفسهم، بالبندورة، وبهتافات منددة بمصادرة رأي الناس. كما منعوا موكب أحد النواب من دخول المجلس، فإضطر إلى تغيير طريقه والدخول من مدخل آخر قرب ساحة رياض الصلح. وتكرر الأمر مع نواب عديدين.

البرلمان للجميع
بين هؤلاء الناشطين كان مروان معلوف، الناشط المدني الذي سافر من تونس، حيث مركز عمله، إلى بيروت ليكون في بوز المدفع. فالمعركة بالنسبة إليه ليست معركة شعارات، إنما معركة وجود لبنان وسيادته وتشريعه الذي يبدأ جلساته دومًا باسم الشعب.
لم يكتف معلوف بالوقوف، بل تجرأ على نصب خيمة في باحة البرلمان اللبناني، وأمن المجلس يعد الباحة كلها حرمًا له، فطوقوه وساقوه مخفورًا إلى المحكمة العسكرية، بتهمة الشدة في التعامل مع رجال الأمن، ليطلقوه مساءً.
يبتسم معلوف لهذه التهمة. يقول لـquot;إيلافquot;: quot;كانت التهمة اقتحام المجلس النيابي، وليس معاملة رجال الأمن بشدة، لكن في طل بلاد العالم البرلمان هو بيت الأمة، ومن حق الجميع طرق بابه متى شاؤواquot;.
يؤكد معلوف أن الأمر ما انتهى عند هذا الحد، فلبنان لا ينتهي بسهولة، والحرية فيه من أسس وجوده، لا تختفي ولا يمكن أن تقمع، خذوذًا أنه جرب القمع في حقبة الوجود السوري في لبنان، ويعرف حق المعرفة أن الإرادة اللبنانية لا تلين، متى توحدت... quot;لكن متى تتوحد؟quot;.

تحركات آتية
الحملة المدنية للاصلاح الانتخابي والجمعية اللبنانية لديمقراطية الانتخابات، وغيرهما من جمعيات المجتمع المدني التي رفعت شعار quot;لا للتمديد للمجلس النيابيquot;، تحضر لتحركات مدنية مختلفة، استكمالًا لما حصل أمس على أبواب البرلمان. وقال عماد بزي، الناشط المدني والمدون اللبناني، لـquot;إيلافquot; إن التحضير جارٍ لمجموعة من التحركات المدنية، يقوم بها ناشطون في المجتمع المدني اللبناني، رفضًا لما حصل، quot;وكل شيئ متاح، وبرأيي أن احتلال المجلس النيابي اليوم واجب وطني يوازي الدفاع عن الأرضquot;.
وبزي أحد أربعة ناشطين الفوا منذ ايام لائحة quot;أبيع نفسيquot; تحضرًا للمشاركة الافتراضية في الانتخابات، التي كانت ستجري في منتصف حزيران (يونيو) الحالي.
وقال عدنان ملكي، أمين عام الجمعية اللبنانية لديمقراطية الإنتخابات، لـquot;إيلافquot; إن التمديد الذي حصل غير مقبول وغير دستوري، quot;فلا يمكن تأجيل الانتخابات من دون اسباب موجبة، بحسب ما نص عليه القانون، والانتخابات لو حصلت في وقتها كانت لتكون آخر فرصة أمام الطبقة السياسية لتقنع ناخبيها بأنها تستحق شرف تمثيلهم، لكنها لم تشأ الترفع عن المصالح الضيقة، ونأت بنفسها عن مصلحة الوطن العلياquot;.

أين الأصيل؟
ويرفض الشاعر والناشط المدني يحيى جابر القبول بهذا التمديد القسري، ولو على مضض. يسأل، عبر quot;إيلافquot;، النواب الذين مددوا لأنفسهم: quot;في العام 2009، وكلناكم لإدارة شؤوننا خلال أربع سنوات، لنجلس معًا في نهايتها ونبحث في حساب الحقل الشعبي وحساب البيدر النيابي، فنتحاسب، فنقترع لمن أعجبنا بعمله، ونزيح جانبصا من لم يعجبنا، لكن اليوم، باي حق يمدد النائب هذه الوكالة، من دون استشارة الأصيل، فأنا الشعب اللبناني هو الأصيل، وأنت يا أيها النائب، أنت الوكيل، وإذا حضر الأصيل، بطل الوكيل، لكن الأصيل مغيب دائمًا، حبسوه في ضرورات المرحلة الأمنية، التي لا تسمح برأيهم بإجراء الاستحقاق الانتخابي، وهذا غير صحيحquot;.
ويتندر جابر قائلًا: quot;وحده النائب غازي العريضي عزف عن الترشيح، لا يريد النيابة ولا همها، فأجبروه أن يستمر فيها عامًا منصف تقريبًا، كما أن صفة ثالثة أضيفت إلى النائب في لبنان، بعد نائب، ونائب سابق، اليوم عندنا نائب ممد لهquot;.